Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

٪ تعليقات

المستشرقون والتراث

الاستشراق اتجاه فكري يعنى بدراسة حضارة الأمم الشرقية بصفة عامة وحضارة الإسلام  بصفة خاصة، وقد كان مقتصراً في بداية ظهوره على دراسة الإسلام واللغة العربية ، ثم اتسع ليشمل دراسة الشرق كله، بلغاته وتقاليده وآدابه، وكثيرة هي الدراسات الحديثة التي تناولت قضية الاستشراق والمستشرقين بأبعادها المختلفة. وكذا الأبحاث التي رصدت دور المستشرقين ورصدت أعمالهم، وخدماتهم، وإنجازاتهم، و إيجابياتهم، وسلبياتهم… غير أن الملاحظ في كثير مما كتب عدم الحديث عن الدور الكبير الذي قام به المستشرقون في خدمة التراث العربي الإسلامي والنهوض به جمعا وتحقيقا وترجمة.

فالاستشراق مصدر الفعل (استشرق) وقد ذكر صاحب معجم اللغة الشيخ أحمد رضا أنها “مولدة عصرية”، وأنها تعني طلب علوم الشرق ولغاته، ويقال لمن يقوم بذلك مستشرق وجمعه مستشرقون ولما ينجزونه استشراقا.

ولو أرجعنا هذه الكلمة إلى أصلها لوجدناها مأخوذة من كلمة شرق ثم أضيف إليها ثلاثة حروف الألف والسين والتاء. ومعناها طلب الشرق، وقيل معناها أيضا طلب النور والهداية والضياء.

يرى رودي بارت أن الاستشراق هو “علم يختص باللغة خاصة، وأقرب شيء إليه إذن، أن نفكر في الاسم الذي أطلق عليه استشراق مشتقة من كلمة “شرق”. وكلمة شرق تعني مشرق الشمس؛ وعلى هذا يكون الاستشراق هو علم الشرق

أو علم العالم الشرقي” [1]. وجاء في قاموس أكسفورد المستشرق هو: “من تبحر في لغات الشرق وآدابه”.

تناول المستشرق الفرنسي مكسيم رودنسون Maxim RODINSON قضية ظهور الاستشراق وتعريفه فأفاد بأن مصطلح الاستشراق ظهر في اللغة الفرنسية عام1799، بينما ظهر في اللغة الإنجليزية عام1838، وأن الاستشراق إنما ظهر للحاجة إلى إيجاد فرع متخصص من فروع المعرفة لدراسة الشرق، وأن الحاجة كانت ماسة لوجود متخصصين للقيام بإنشاء المجلات والجمعيات والأقسام العلمية[2] .

وقد اختلف في نشأة الاستشراق من قائل أنه ظهر مع ظهور الإسلام وأول لقاء بين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونصارى نجران، وقيل بدأ عندما بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى الملوك والأمراء خارج الجزيرة العربية…

ورأي آخر يرى بأنه بدأ بقرار من مجمع فيينا الكنسي الذي دعا إلى إسناد كراسي لدراسة اللغات العربية والعبرية والسريانية في عدد من المدن الأوروبية مثل باريس وأكسفورد.

ويرجح د. علي النملة أن البداية الحقيقية للاستشراق انطلقت منذ القرن السادس عشر حيث “بدأت الطباعة العربية فيه بنشاط فتحركت الدوائر العلمية وأصبحت تصدر كتابا بعد الآخر” [3]. ثم ازداد النشاط الاستشراقي بعد تأسيس كراسي اللغة العربية في عدد من الجامعات الأوروبية مثل كرسي أكسفورد 1688، وكامبردج 1632.

وإن كان البعض يقف من الاستشراق موقف العداء والحط والتجاهل، فإن الباحثين العرب يلزمهم في أحايين كثيرة العودة لكتب المستشرقين لمعرفة حجم تراثهم وعدد مخطوطاتهم وأماكن وجودها في مختلف مكتبات العالم، وما حقق منها حتى الآن بشكل علمي وما لم يحقق. بالإضافة إلى الكم الهائل من الترجمات التي قاموا بها من اللغة العربية إلى اللغات الأوروبية، وكذا مؤلفاتهم في مجالات الدراسات العربية والإسلامية.

ومن المعلوم أن عمل المستشرقين لم يقتصر فقط على جمع المخطوطات وفهرستها، بل تعدوا ذلك إلى التحقيق والنشر. فقاموا بتحقيق الكثير من كتب التراث، فتم على أيديهم نشر عدد مهم من المؤلفات اللإسلامية التي شكلت مصدرا أساسيا للبحث، وعونا للباحثين في مختلف الميادين العلمية. وفيما يلي بعض النماذج مما حققوه على سبيل التمثيل لا الحصر:

الكشاف للزمخشري -الإتقان في علوم القرآن للسيوطي- الملل والنحل للشهرستاني -التعريفات للجرجاني– المغازي للواقدي –طبقات الحفاظ للذهبي– وفيات الأعيان لابن خلكان – الفهرست لابن النديم– كشف الظنون لحاجي خليفة – كتاب سبويه – الاشتقاق لابن دريد – التيسير في القراءات السبع لأبي عمرو عثمان الداني…

ليس غرضي مما سبق ذكره الإشادة بأعمال المستشرقين وإنما وضع الناس أماكنهم وعدم إغماض أهل الحقوق حقهم، والسؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا يتم دائما التركيز على الجانب المظلم من الأمور؟ ولماذا يوضع الجميع في ميزان واحد وإن كان الخطأ قد صدر عن البعض؟ – لأنه لا ننفي وجود متحاملين من المستشرقين على الإسلام وأهله-.  ثم لنسأل أنفسنا ماذا قدمنا نحن لتراثنا وما هي الجهود المبذولة اليوم للنهوض والارتقاء به؟

———–

1. رودي بارت، “الدراسات العربية والإسلامية في الجامعات الألمانية (المستشرقون الألمان منذ تيودور نلدكه)”، ترجمة مصطفى ماهر، القاهرة، دار الكتاب العربي، ط 1967، ص: 11.

2. مكسيم رودنسون، ” الصورة الغربية والدراسات الغربية الإسلامية في تراث الإسلام”، القسم الأول، تصنيف شاخت وبوزورت، ترجمة محمد زهير السمهوري، الكويت، سلسلة عالم المعرفة، شعبان/ رمضان(1398هـ /1978م)، ص:27-101.

3. علي النملة، “الاستشراق في الأدبيات العربية: عرض للنظريات وحصر وراقي للمكتوب”، مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، (1414هـ/1993م)، ص: 23 وما يليها.

التعليقات

  1. نوال الزاكي

    بسم الله الرحمن الرحيم
    أعرض في عجالة سريعة، تطور اهتمام الدراسات الألمانية في القرنين التاسع عشر، والعشرين، بالقرآن الكريم. وهو اهتمام كان من علماء غير مسلمين، تقدمهم تيدور نولكديه بكتابه عن "تاريخ القرآن" وقد صدرت الطبعة الأخيرة من هذا الكتاب عام 1961م في ثلاثة مجلدات.
    ثم تلاه كتاب إنجاز جولدز هير: "مذهب التفسير القرآني". وأذكر أيضا كتاب أنجليكا نوفريت " دراسات عن بنية السور المكية"، ثم دراسات تيلمان ناجل عن الآيات المدنية في السور المكية، على جانب كتابه العام عن "القرآن" واليوم نجد بين المتخصصين في الدراسات عن القرآن الكريم، هارتموت بوبزين في كتابه "القرآن في حقبة الإسلام الديني في القرن السادس عشر".

    وقد قوبلت محتويات هذه الكتب والدراسات بالتحفظ الشديد من قبل بعض العلماء المسلمين، نظرا لأن مؤلفيها تعارضوا أحيانا لقضايا يختلف فيها المسلم وغير المسلم لأسباب عقدية، الأمر الذي لا يخلوا من الحساسية.

    كما ظهر في السنوات الأخيرة جيل جديد من خريجي الجامعات الألمانية، تخصص في العلوم القرآنية، وأفراد هذا الجيل ألمان مسلمون، وأذكر منهم لمياء قنديل، التي قامت بدراسة عن القسم القرآني.
    وكمثل ثان لهذا الجيل أذكر نفيد كرماني ودراسته عن الإعجاز القرآني في صدر الإسلام. وقد حظيت هذه الدراسة بقبول واسع، واهتمام شديد من قبل المثقفين الألمان، والصحافة و الإذاعة الألمانية…

  2. مولاي المصطفى الهند

    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

    أعجبت بموضوع الباحثة نادية برطالي، فلقد وفقت شكلا ومنهجا وموضوعا في معالجة قضية في غاية الأهمية في الفكر الإسلامي، خاصة وأنها جمعت بين المنهج الوصفي والنقدي في مقاربتها المعرفية لموضوع الاستشراق والتراث، الشيء الذي جعل عرضها يبنى بناء علميا متماسكا، خلصت فيه إلى الدعوة إلى إعادة قراءة العلاقة بين تراثنا الإسلامي وجهود المستشرقين لتجاوز الصورة النمطية التي صاحبتها منذ زمن غير يسير، وهذه دعوة جريئة من باحثة متميزة تعي تمام الوعي المعرفي ما تطرحه للنقاش العلمي.

    موضوع الباحثة إضاءة متميزة في سماء البحث العلمي، قد لا تدركها العين المجردة، فلا لوم ولا عتاب على الباحثة، أو كما الشاعر:

    والنجم تستصغر الأبصار رؤيته والذنب للطرف لا للنجم في الصغر

    مولاي المصطفى الهند
    أستاذ التعليم العالي
    بجامعة الحسن الثاني المحمدية

  3. زهير بلحمر

    تحليل موفق لظاهرة الاستشراق وكيف تعامل مع تراثنا،
    أتمنى للباحثة كل التوفيق في مسيرتها العلمية.
    أما إضافاتي في الموضوع فهي:
    • أن الاستشراق في عصرنا الحاضر اشتد أمره كثيرا في بلاد الغرب: أمريكا وأوروبا ويتجلى ذلك في مراكز البحوث العلمية المتخصصة في الوطن العربي، والعالم الإسلامي والشرق الأوسط .
    • إنجاز الكثير من البحوث والدراسات القيمة والدقيقة في علوم إسلامية كثيرة تحتاج منا إلى المواكبة والترجمة والدراسة والنقد.
    • أن الاستشراق الألماني والروسي هما الأكثر موضوعية وجدية في التعامل مع التراث الإسلامي مثال ذلك: بحوث آن ماري شيمل، زيغرد هونكه…

    طالب باحث

  4. أمينة

    بسم الله الرحمن الرحيم
    نتقدم بجزيل الشكر والامتنان للأستاذة عزيزة بزامي، التي جعلت هذا المنبر قبلة لكل المهتمين من مختلف التخصصات، كما أنه لمن دواعي السرور إيجاد مقالات لزملائنا في دار الحديث الحسنية، فبارك الله في جهودكم، وهذه بعض الإضافات تخص الاستشراق وترجمة القرآن الكريم.

    ظهرت أول ترجمة للقرآن الكريم باللغة الفرنسية سنة 1647م، على يد "أندري دي ريور"، وقد كان لهذه الترجمة صدى كبيرًا لفترة طويلة من الزمن، حيث أعيد طبعها مرات عدة، وترجمت إلى مختلف اللغات الأوروبية، وقد نتج من هذا العمل أول ترجمة للقرآن إلى الإنجليزية بوساطة "ألكسندر روس".
    وفي القرن السابع عشر، قام الإيطالي " لودفيك مركي" سنة 1698م بترجمة من العربية مباشرة إلى اللاتينية، ـ بعد أكثر من أربعين سنة من دراسته للقرآن، ولمختلف المفسرين المسلمين ـ للنص العربي للقرآن مصحوبًا بترجمة لاتينية وجيزة جدًا وبنقط وردود، وقد كان هذا المؤلف مصدرًا لكثير من المترجمين الحاليين الذين أخذوا منه أهم المواد.

    واعتبر "هنري لامنز" هذه الترجمة أكثر الترجمات إنصافًا للقرآن الكريم، ومرجع كثير من المترجمين الأوروبيين، غير أنهم لا يشيرون إليها في معظم الأحيان.

    وفي سنة 1840م ظهرت إلى الوجود ترجمة "كزيمرسكي"، التي تعتبر ـ مقارنة مع ترجمة ‘سافاري’ أكثر عراقة واستعمالاً، رغم عوزها بعض الأمانة العلمية وفهم البلاغة العربية يقول "مونتيه" عن هذه الترجمة: "لا يسعنا إلا الثناء عليها، فهي منتشرة كثيرًا في الدول الناطقة بالفرنسية".

    وفي سنة 1925م ظهرت ترجمة "إدوارد مونتيه" التي امتازت بالضبط والدقة، والتي تحدث عنها الأستاذ "محمد فؤاد عبد الباقي" بما نصه "كنت طالعت في مجلة المنار مقالاً للأمير "شكيب أرسلان" عن ترجمة فرنسية حديثة للقرآن الكريم وضعها الأستاذ: "إدوارد مونتيه" ـ وقد قال عنها: إنها أدق الترجمات التي ظهرت حتى الآن ….

    وفي العام 1949م، ظهرت ترجمة "بلاشير"، التي توجد السور فيها مرتبة حسب التسلسل التاريخي، يقول الدكتور "صبحي الصالح" يرحمه الله: "تظل ترجمة "بلاشير" للقرآن في نظرنا أدق الترجمات، للروح العلمية التي تسودها لا يغض من قيمتها إلا الترتيب الزمني للسور القرآنية.

    طالبة باحثة

  5. سلمى شباك

    باسم الله الرحمن الرجيم
    والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على الحبيب المصطفى
    فعلا، لقد حبانا الله سبحانه وتعالى وفضلنا بأن وهبنا عقلا ومنطقا من الواجب توظيفهما في ميز الخبيث من الطيب بدلا من نهج منهج التعميم والاتهام الباطل.
    ولا شك أن هذه المقاربة النقدية الموضوعية التي تقدمت بها الأستاذة نادية برطالي تنم عن نظرة تعطي كل ذي حق حقه وتنزل الناس منازلهم التي تليق بهم وبأعمالهم.
    فبعيدا عن نظرية المؤامرة، للمستشرقين نصيب كبير فيما يزخر به التراث الإسلامي من كتب وأدوات بحث لا يزال طلاب العلم غير قادرين على الاستغناء عنها.
    غير أن ما يشغلني هو ما يلي:
    • كيف لطالب العلم المبتدئ أن تكون له القدرة العقلية على تقييم أعمال المستشرقين وتمييز الضار من النافع حتى يضمن سلامة وصحة المعلومات التي ينهل من هذه الكتابات؟
    • ألا تطرح هنا مسألة التأطير السديد الذي يحفظ الطالب من الوقوع في المغالطات ويضمن له اكتساب العلم النافع؟

    سلمى شباك
    موثقة

  6. سلوى توفيق

    السلام عليكم ورحمة الله

    نشكرك جزيل الشكر أختي نادية على هذا الموضوع، وعلى المعلومات التي يتضمنها. وكم نحن بحاجة لتوضيح مثل هذه المفاهيم التي تتردد على ألسن الكثير.
    أتمنى أن نرى مثل هذه المواضيع التي توضح للقارئ بعض الفوارق اللغوية.

    سلوى توفيق

    مترجمة (العربية – الفرنسية – الانجليزية)

أرسل تعليق