Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

٪ تعليقات

“تسبق أنوار الحكماء أقوالهم، فحيث صار التنوير وصل التعبير”.

من الحَكم العطَائية نسبة إلى العالم الفقيه والصوفي الجليل سيدي أحمد بن عطاء الله  السكندري (1260-1309هـ) كتب الله عز وجل لها القبول عند عامة الناس وخاصتهم، وهي جواهر فريدة في أصول الأخلاق والسلوك ودرر تليدة في قواعد السير إلى ملك الملوك، لها من الشروح ما يند عن الحصر والعد، مغربا ومشرقا، وترجمت إلى عدة لغات.

في هذه الحكمة المباركة يُظهر الشيخ ابن عطاء الله، الوصل القائم بين الأعمال والأقوال، مصداقا لقول الله تعالى: “اليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه” [فاطر10] فخرائد الأقوال مهما بلغت في بلاغتها وحسنها، لا تكون لها مواقع في قلوب المتلقين، إن لم تكن مدعومة بشواهد الأعمال، ومسبوقة بأنوارها.

وقد صح عن سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن الأعمال لها أنوارها، في مثل قوله عليه الصلاة والسلام:”بشر المشائين للصلاة في الظلم بالنور التام يوم القيامة” [أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الصلاة باب ما جاء في المشي إلى الصلاة في الظُلم، حديث 561]، وقد جلّى الله تعالى هذه الأنوار في مثل قوله سبحانه: “انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا” [الحديد 13] وفي قوله تعالى: “مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون، صم بكم عمي فهم لا يرجعون” [البقرة 16-17].

وإذ، إن الحكمة هي وضع الشيء في موضعه، فإن من أطلق عليهم الشيخ ابن عطاء الله اسم الحكماء، هم الذين يضعون بوِزان الإحسان أوقاتهم، وطاقاتهم، واهتماماتهم، وأضرب بذلهم، في مواضعها التي قد نص عليها قول الشارع الحكيم، منزل القرآن العظيم، ومرسل النبيء الرحيم، في تقوى مستدامة لله جل وعلا، وتوكل واحتساب متناميين، فيكون ذلك منهم بمثابة من يحرق عود الصندل في خلوته، ليجد الناس ريحه في جلوته، دون أن يدروا مصدرها، وكلما كان استكمال المرء لمقومات الحكمة أمثل، كانت أنواره أفضل، ودافعيتها أعظم، وإذ إن أنوار الأعمال بمثابة الأرواح التي تسري في أشباح الأقوال، فإنها أيضا كلما كانت أسبغ، بدت الأقوال أبلغ، وهو مقصود الشيخ -رحمه الله -بقوله: “وحيث صار التنوير وصل التعبير” وهو ما يجليه قوله سبحانه، “ومن احسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين” [فصلت 32]، فحُسن الأقوال بمقتضى هذه الآية الكريمة مشتق من حسن أنوار الأعمال الخالصة، وقد خُصّت الدعوة إلى الله جلّ وعلا بالذكر؛ لأنها وصل المخلوق بالله النور، ومصدرِ كل نور “الله نور السموات والارض” [النور 35]، وتم تمييزها عن سائر الأعمال الصالحة التي ذكرت إجمالا في قوله “وعمل صالحا” وذلك بين يدي تمييزآخر لعمل آخر صالح منير، وهو التمثل بسمات الإسلام “وقال إنني من المسلمين” وهو لاشك قول لن يجد مصداقه بمجرّد الإبداء به باللسان، ما لم ينطبع في الجنان ويوقّعه البنان.

ثمة مصدر آخر من مصادر التنوير الذي يقصده الشيخ -رحمه الله -وهو سابق الفضل من الرب المعبود، وصادق النهل من أهل الجود، ولا أكرم في الجود، ممن بسرّه يجود.

الأمين العام
للرابطة المحمدية للعلماء

التعليقات

  1. بديعة راشد

    السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته؛

    شكرا جزيلا سيدي فضيلة الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء على اختيارك ومجهودك الموفق.

    لابد أن سيدي ابن عطاء الله خص بكلمة الحكماء: الحكماء المؤمنين التابعين لسنة نبينا وحبيبنا السراج المنير، عليه أزكى الصلات والسلام. الذي بفضل حكمته وتدبيره ممتثلا لأوامر مولانا الحكيم أخرج الناس من الظلمات إلى النور.

    وإذا كانت سرعة الضوء تفوق بكثير سرعة الصوت في العالم الحسي فكيف لا تكون أنوار الهدى أسرع من معاني الأقوال في عالم المعنى.

    وكما أن كل ضدان لا يجتمعان، فمستحيل أن تجتمع الظلمة والنورن حين تصل الأنوار بإذن ربها حيث أراد، تنار وتفتح الأفهام لتستقبل المعاني في تناغم وانسجام وما هذا إلا نتائج الإحسان من الإله الواحد الديان.
    .

  2. دنيا

    بارك الله فيكم أستاذ عبادي؛
    طرح جد مميز.
    إن الحكم العطائية نبع للحكمة والفهم.
    جزاكم الله خيرا عن الموضوع الرائع.
    وأشيد كذلك بالافتتاحية المميزة.
    .

  3. نوال الزاكي

    السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
    نشكر السيد الأمين العام للرابطة على هذا الشرح الوفير والمبدع في طرحه،
    والذي أصبح كل قارئ يستوعب الحكمة بفضل تفسيراتكم القيمة، بعد أن كان يجهل تمام الجهل أن هناك حكم عطائية في الأصل.
    بارك الله لكم في جهودكم؛
    وقد استنتجنا من شرحكم بأن الحكمة هي…
    الحكمة هي معرفة الحق..
    وعمل الخير..
    وهى الفضيلة العليا..
    التي يحقق بها الإنسان إنسانيته..
    وبها يستشرف إلى عالم أرقى وأسمى..
    من هذا العالم الذي نعيش فيه.

أرسل تعليق