Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

٪ تعليقات

من علامة إقامة الحق لك في الشيء، إدامته إياك فيه مع حصول النتائج

من الحَكم العطَائية نسبة إلى العالم الفقيه والصوفي الجليل سيدي   أحمد بن عطاء الله السكندري (1260-1309هـ). كتب الله عز وجل لها القبول عند عامة الناس وخاصتهم، وهي جواهر فريدة في أصول الأخلاق والسلوك ودرر تليدة في قواعد السير إلى ملك الملوك، لها من الشروح ما يند عن الحصر والعد، مغربا ومشرقا، وترجمت إلى عدة لغات.

حين يأذن الباري جلّ وعلا بإقامة عبد في مقام، أو خِطّة، أو ثُغرة، فإنه سبحانه يأذن أن تتبلور فيه الاستعدادات، والخصال، والكفاءات، وتنمو لديه العلاقات التي تيسّر ذلك، كما يفتح جلّ وعز أمام العبد السبل المُيَسَّرةَ بألطافه، لبلوغه المقام الذي أقّته الله له..

والفهم عن الله هو الذي بمقتضاه يبصر العبد العلامات التي تهديه لمقامه فيتبعها، وهو ما يفيده قول الله تعالى في حق ذي القرنين “ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكرا إنا مكّنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سببا. فاتبع سببا” [سورة الكهف/الآيتان: 83-84]، وهو المعنى الذي يشير إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديثه الشريف لأبي ذرّ والذي قال فيه عليه الصلاة والسلام: ” لَا تَسْأَلِ الْإِمَارَةَ ، فَإِنَّكَ إِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ وُكِلْتَ إِلَيْهَا ، وَإِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا ، وَإِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ ، فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ وَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ” [صحيح البخاري، كتاب الأحكام 6644] فحين يتبرعم الإذن الرباني بإقامة عبده في شأن، تَتَكشَّف من أسجاف الغيب السبل القائدة إليه، وتتناغم حركة الأقدار في العبد ومن حوله، بما يشبه الريح التي تجري به رُخاءً نحو مقامه حيث أصاب، حتى لكأن الكون والكائنات تتواطؤ لإنضاج تَفَتُّق المقامات وخروجها من أكمامها.

ومن علامات ربانية إقامة الله العبد في الشأن، طول لبثه فيه مع النتائج، حيث يكون ذلك دليلا على ربانية الاصطفاء والإعداد، مما لا يكون إلا بحكمة ولحكمة.. قال تعالى: “وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين” [سورة الأنبياء/ الآية: 16]. وإذ يشير الشيخ بن عطاء الله رحمه الله، إلى الثمرات بألف ولام التعريف “النتائج” فإن ذلك يفيد أنها تلك التي تكون مرضية لشرع الله، نافعة لعيال الله..

وقد جاءت هذه الحكمة المباركة مُزوِّدة بفرقان يتم بحسبه التمييز بين المختار والمُجتال، وهو فرقان له دعامتان متكاملتان، لابدّ منها معا للدلالة على الاختيار، وهما طول اللبث في الشأن، مع حصول النتائج، فإن نقصتا معا، أو نقصت إحداهما، فتلك أمارة الاجتيال، أي أن يروم العبد اجتيال مقام ليس بصاحبه.

وهذه الحكمة المباركة حكمة عملية، تتجلى عمليتها في ثلاثة أبعاد:

البعد الأول: وهو البعد الذاتي للعبد، بحيث يعين هذا الفرقان الذي تضمنته، العبدَ على استبانة مدى ربانية ما هو فيه من شؤون، حيث إن حضور مِعْيارَيْ طول الإقامة في الشأن، مع حصول النتائج المرضية (كما تقدم) يفيد أنه في ذاكم الشأن على عين الله وباختياره، كما يفيد عدم حصول أحد المعيارين وجوب تغيير الوجهة، وهو ملمح نفيس.

البعد الثاني: أن هذه الحكمة تعين في مجال البحث عن شيخ التربية، بحيث لا يُقصد في هذا الباب المحوري، إلاّ من طال لبثه في مقام التربية وبدت ثماره، “من ثمارهم تعرفهم”، ومن ثم يُمكّن هذا الفرقان الناس من التعرف على الأولياء، ومن عدم السقوط نهبا للأدعياء.

البعد الثالث: وهو بعد اجتماعي، بحيث إن الفرقان المتضمن في هذه الحكمة يزوّد بمعيار في غاية الوضوح والنجاعة في مجالات تقويم أداءات من يدبرون الشؤون العامة.

والله الهادي إلى سواء السبيل

الأمين العام
للرابطة المحمدية للعلماء

التعليقات

  1. ميلود نمراوي

    بسم الله الرحمن الرحيم
    وبعد شكرا لفضيلة العلامة الأمين العام على هذا الشرح، فهو كما قال سيدي عبد المغيث بصير شرح يلامس الواقع.
    وما أحوج شبابنا على وجه الخصوص لهذه الحكم

  2. عبد المغيث بصير

    الحمد لله والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.

    وبعد إن هذا الشرح الرباني لهذه الحكمة العطائية لا يعطاه إلا الرجال الأفذاذ القلائل المفتوح عليهم ولهم وبهم، وهو شرح له اتصال وثيق بفقه الواقع، وهو ما ينبغي القيام به لكافة حكم ابن عطاء الله السكندري جازاكم الله خيرا أستاذنا الفاضل .

    عبد المغيث بصير

  3. بشـــرى

    بسم الله الرحمان الرحيم

    شكرا لفضيلة الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء على هذه الإشراقات النورانية، التي تنير طريق الحق، وتبين سبيل الهدى إلى كل مهتد سالك مبتغ طريق رب العالمين.
    فما أحوجنا إلى هذه الهاديات، وإلى الاستنارة بنورها بغية الوصول، والرجاء في مقام المحمود الذي وعد به الحق سبحانه عباده الصالحين.
    وفقكم الله تعالى لإنارة طريقه والدعوة إليها .
    .

أرسل تعليق