Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

من غرائب حفظ المغاربة والأندلسيين لكتب الحديث (5)

      هذا هو الجزء الخامسُ مِن مقال: “مِن غرائب حفظ المغاربة والأندلسيين لكتب الحديث”، أُثبتُ فيه طائفةً أخرى مِن أهل هذه الجهة المغربيةِ، مِمَّن ذُكروا بِبَاهِر الحفظ، وقد جرتْ عَادتي أنْ أُقَدّم قبْل الأسماء تمهيدا أُوطئ به لِذِكْرِهم.

      مِن المعلوم أنّ أئمتنا بهذه الجهة المغربية عُرفوا بتامِّ الضبط لكتب الحديث، وشُغِفوا بالتنبيه على أوهام الرواةِ وأخطاءِ النَّقَلة، وأحسَِب أن الحفظ من كتاب مُصَحَّحٍ أعظمُ حافظٍ له من أن يَتطرق إليه تحريف، أو يَرِد عليه تصحيف، عند إملائه في مجالس الإملاء، أو بَحْث مَادّته في حَلَقات الدّرْس، وكلما شاع حُفاظ كِتابٍ بعينه بجهة من الجهات، في عصر من العصور، كلما كان ذلك أَضْمَنَ لمادته، وأَسلمَ لمحتواه من أغلاط المُمْلِين، وأوهام الدَّارِسين. والعلمُ كالسُّلَّم، يرتقي الآخِر إلى مَعَارِجه على ما صَنَعه الأول من الدرجات؛ فإن اعتراها الوهاءُ تَخَلَّف الخلفُ عن إتمام عمل السّلف، لعدم تَمَكُّنهم من المعرفة الصحيحة. وعليه فإن تلك النهضةَ العلمية العظيمة التي شَهِدها المغرب والأندلس، وذلك التحقيقَ العظيمَ الذي أبداه أئمةُ هذه الجهة، مَرَدُّ كثيرٍ من ذلك إلى سلامةِ مادة كُتُب العلم التي كانتْ تُدَرَّس، وكما لا يمكن أن يرتفع البناءُ والأساسُ هارٍ، فكذلك لا يمكن الإبداع في علمٍ، وكثيرٌ من الموجود في الكتب المصنفة فيه عن الصحةِ عَارٍ. فالحفظُ للكُتُب ليس من باب التَّرَف، ولا هو مِن ضُرُوب الاشتغال بغير الهام، وإنما هو في نفسه مِن أعظم المُهِمات، لِبَالغ أثره على الحافظ والمحفوظ. فأما الحافظ فيُقَوّي ملكتَه، ويُعينه على استحضار قَضَايا العلم، وأما المحفوظُ فيحميه مِن تحريفِ مَن كان عن الضبط بعيدا.

      ولْنرجعْ الآن إلى سياق نِصَاب هذا الجزء من حفاظِ كُتب الحديث من أهل هذه الجهة المغربية.

      فمنهم: أبو محمد الغازي بن قيس القرطبي (199)، قال ابن الفرضي: “قيل: إنه كان يحفظ الموطأ ظاهرا”[1].

      ومنهم: أبو الحسن ابن سعدوك: علي بن حسين بن محمد الأندلسي (578)، قال ابن عبد الملك: “كان يستظهر من صحيح مسلم كثيرا، وقيل إنه كان يحفظ شطره”[2]. قلت: والشطر كثير.

      ومنهم: عبد المنعم بن سماك العاملي الغرناطي (703)، قال لسان الدين ابن الخطيب: “كان يستظهر جُمْلة كتبٍ، منها كتاب الأحكام لعبد الحق الإشبيلي”[3].

      وسأعود في المقال المقبل إن شاء الله إلى هذه القضية عينها، مستعرضا طائفة أخرى من هؤلاء الحفاظ.

يتبع

——————-

  1. “تاريخ علماء الأندلس”، ص345، (الدار المصرية للتأليف والترجمة، ط1، 1966).

  2. “الذيل والتكملة”، السفر الخامس، القسم الأول، 205 (تحقيق د. إحسان عباس، دار الثقافة، بيروت).

  3. “الإحاطة”، ص230، (نصوص جديدة لم تنشر، تحقيق ذ. عبد السلام شقور).

أرسل تعليق