Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

تعليق واحد

الحياة والفراغ

      الأعمار تنقضي والأيام تمضي، وفيها دروس وعبر، تتصرم من الناس الآمال، وتنقطع الأعمال وتنتهي الآجال المحتومة، لذلك لابد أن نتوقف وقفات تأملية للنظر في الأحوال والمآل، والنظر في ما قُدم من أعمال، والعزم الأكيد على التجديد والاستقامة في مستقبل الأيام؛ لأن الله تعالى يقول: “يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون” [سورة الحشر، الآية: 18].

      والأوقات في حياة الناس في هذه الدنيا مزرعة للآخرة، لذا فعلى الكل اغتنام الأوقات للنجاة من الشر وفعل الخير؛ لأن من شُغل بدنياه عن آخرته، وتهافت على حطامها؛ فإنه يقع في المعاصي، ويترك الطاعات، والله سبحانه يقول: “يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور” [سورة فاطر، الآية: 5].

      ولقد وُفق من قال خمسة تورث الهلاك لأصحابها: شهوة عارمة، ومال يورث صاحبه النار، وعلم لا يقصد به وجه الله، وفراغ يحمل على ارتكاب المعاصي، وعقل يحتال صاحبه به على الناس. وضياع الوقت يقطع الناس عن الله تعالى، والاستعداد للآخرة، كما يقطع الموت عن الدنيا وأهلها.

      وأوقات الناس: إما حسنات، وإما سيئات، ومن الأفضل أن نجعلها حسنات؛ لأن الحسنة قوة في الأبدان، وسعة في الرزق، وأنوار في القلوب، وضياء في الوجوه، ومحبة في قلوب الخلائق، بخلاف السيئة، فهي ظلمة تحرق القلوب، ونقص في الأرزاق، ووهن يهدم الأبدان، واسوداد في الوجوه، وبغض في قلوب الخلائق.

      ولو تأملنا واقع الناس اليوم، لرأينا أناسا أشد فجورا لا يبالون بالمعاصي والذنوب، بل تراهم يتابهون بها ويحملون الناس على اقترافها، باسم التحضر والرقي والتقدم، وبأن هذا التقدم المزعوم الذي يقود البشرية إلى الشقاء، ويدفع بها إلى التعاسة، فالمال لباس والزمان يبليه، والأعراض مصونة لا تبلى جدتها، ولا تتعفن بهجتها، وعليه فعلينا أن نتوجه لمن شغلوا أوقاتهم بالسفاسف، وملأوا فراغهم بالفجور حتى خارت قوتهم ومال يسوقهم إلى النار.

      وشر الأوقات الزاد إلى المعاد، الذنب بعد الذنب، والمعصية تلو المعصية، وهذا هو الهباء المنثور والسراب الخادع، والله تعالى يقول: “وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءا منثورا” [سورة الفرقان الآية: 23].

      وهناك صنف من الحافظين لله في صباهم وشبابهم وقوتهم؛ فإن الله حافظهم في حال كبرهم وضعف قوتهم، ويمتعهم بأسماعهم وأبصارهم، والدليل على ذلك أن أحد العلماء جاوز المائة سنة، وهو ممتع بقوته وعقله، فوثب يوما وثبة شديدة، فعوتب في ذلك فقال: هذه جوارح حفظناها عن المعاصي في الصغر، فحفظها الله علينا في الكبر.

      والوقت أغلى من المال والذهب والماس؛ لأنه هو الحياة، وشبابنا لا يليق بهم أن يضيعوا أوقاتهم في العبث واللهو؛ لأن الأوقات تذهب ولا تعود… وكل غافل عن أوقاته تطول حسراته، كما يتحسر المرضى على أيام صحتهم ونشاطهم، ولا يظنن أحد أن الإجازة والعطلة تعنيان اللهو والعبث وضياع الأوقات، وهدر الساعات، وإنما ذلك انتقال من مرحلة عمل إلى مرحلة النشاط الهادف، بما يمتع النفوس ويمنحها مزيدا من الفوائد، وبما تقوي صلتها برب العالمين، ويغذي الأرواح.

والله الهادي إلى سواء السبيل

التعليقات

  1. عبد الرحيم بن بوشعيب مفكير

    التربية على اغتنام الوقت فقدناها بعدم إدراكنا لقيمة ما يكسبه الإنسان من وراء الحفاظ عليه.
    فكم من أوقات نضيعها في أعمال لا نجني من ورائها سوى السراب.
    لقد جعل الله عز وجل أرزاق هذه الأمة في بكورها، ومهما نظمت وقتها واستثمرته نجحت وتفوقت على غيرها من الأمم، وإن هي أضاعت أوقاتها ضاعت وتخلفت.
    بالتأمل في فرضيات الدين نجد للصلاة أوقاتا محددة، ولزكاة زمان، وللحج ميقات وللزيارات أوقات، فلنغتنمها لما فيه صلاح الدنيا والآخرة، قبل أن يأتي يوم لا وقت فيه ولا عمل وإنما حساب وجزاء، يوم يعض الكافر على يديه ويقول يا ليتني كنت ترابا.

أرسل تعليق