Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

حاجتنا إلى روح السكينة

قال الله تقدست أسماؤه: “لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ اِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الاَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُومِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ” [التوبة، 25-27].

غلبة الضيق والقلق والاكتئاب والحزن والشعور بعدم الأمان والخوف من المستقبل من خصائص العالم الذي نعيش فيه، ومن خصائص الإنسان المعاصر في أبعاده النفسية والاجتماعية… ولست هنا بصدد تعليل هذا الحال وبسط أسبابه، ولكن أريد أن أنبه إلى قيمة قرآنية عظيمة إزاء هذا الحال وهي قيمة السكينة.

والسكينة فعيلة من السكون، وهي مفارقة الاضطراب عند الشدة والخوف؛ السكينة والسكن بمعنى واحد وهو زوال الرعب، وهي في القرآن الكريم هبة إلهية ينزلها سبحانه وتعالى على قلوب المؤمنين في الشدائد والأزمات؛ إلى درجة أن العلاقة بين السكينة والإيمان علاقة مطردة كلما زاد الإيمان نزلت السكينة، وكلما ضعف الإيمان زاد الهم والقلق..!

حاجتنا إلى روح السكينة

هذا وقد وردت كلمة السكينة في كتاب الله العزيز في ستة مواضع:

أولها: في قوله تعالى: “وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ ءَايَةَ مُلْكِهِ أَن يَاتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ” [البقرة، 246]؛ أي هو سبب سكون قلوبكم فيما اختلفتم فيه من أمر طالوت، والمقصود أن التابوت كانت فيه أشياء فاضلة من بقايا الأنبياء وآثارهم فكانت النفوس تسكن إلى ذلك، وتأنس به..

 والثاني: في قوله سبحانه: “ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُومِنِينَ” [التوبة، 26].

 والثالث: في قوله “اِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا” [التوبة، 40]، ولكن أعظم مورد للسكينة في القرآن سورة الفتح إذ وردت ثلاثة مرات:

 الأولى: في قوله تعالى: “هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُومِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ” [الفتح، 4].

والثانية: في قوله تعالى: “لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُومِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا” [الفتح، 18].

الثالثة: في قوله تعالى: “إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُومِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَىٰ وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا  وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا” [الفتح، 26].

إن المتدبر لآيات السكينة في القرآن أنها تقترن دائما بفعل الإنزال. و لفظ الإنزال في كتاب الله غالبا ما يذكر في الأمور التي نبه على شرفها وجلالها كالملائكة، والقرآن.. ويلاحظ كذلك أن الله تبارك وتعالى يضيف السكينة إلى ذاته العلوية لعظم شأنها “ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ” [التوبة، 26]. “فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ” [التوبة، 40].

والملاحظ كذلك أنه جل ثناؤه ذكر إنزال السكينة على رسوله وعلى المؤمنين ولم يبين موضع إنزالها إلا في قوله تعالى “هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُومِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ” [الفتح، 4]. فبين أن محل نزول السكينة هو القلب وغالبا ما تكون السكينة في القرآن هي الكتيبة التي تسبق بشائر النصر المبين والطليعة بين يدي الفتح القريب، وما أحوجنا في غمرة هذه الفتن الدامسة التي يتخبط فيها العالم شرقا وغربا إلى خطاب السكينة، وروح السكينة وقيمها وألطافها وآثارها. نحن بحاجة إلى روح السكينة في أنفسنا، وفي بيوتنا، ومؤسساتنا، وفي علاقاتنا العائلية والاجتماعية والسياسية.. وكل ذلكم تجدون مصداقه في القرآن المجيد وفي السنة النبوية الشريفة فعن أبي سعيد الخدري قال: “دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم المسجد، فإذا هو برجل من الأنصار يقال له أبو أمامة، فقال: يا أبا أمامة ما لي أراك جالساً في المسجد في غير وقت الصلاة؟ قال: هموم لزمتني وديون يا رسول الله، قال: “أفلا أعلمك كلاماً إذا أنت قلته أذهب الله عز وجل همك وقضى عنك دينك؟” قال: قلت: “بلى يا رسول الله”، قال: “قل إذا أصبحت وإذا أمسيت: “اللهم إني أعوذ بك من الهم والحَزَن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال، قال: ففعلت ذلك فأذهب الله عز وجل همي، وقضي عني ديني…

أرسل تعليق