Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

نبي الأنبياء صلى الله عليه وسلم.. (5)

قال الله تقدست أسماؤه مخاطبا نبيه الكريم“وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ” [القلم، 4].

اعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الإنسان الكامل الذي جمع الله تعالى له الكمال الظاهر والباطن بما جعل فيه من الفضائل والمحاسن. فمناقبه الشريفة لا تحصى، وما خُص به من الأخلاق الكريمة عديد الحصى؛ كيف لا وقد أثنى عليه ربه بذلك “وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ” وما عظمه العظيم فهو عظيم، وكيف لا يكون ذلك وقد بعثه الله تبارك وتعالى متمما لمكارم أخلاق الأولين، وزانه بجميع صفات النبيين، فلو جاز أن يقدس أحد من البشر لكمال أخلاقه وكرم أوصافه وطيب أعراقه لكان هو صلى الله عليه وسلم، إذ قد أعطي من ذلك ما لم يعطه أحد من البشر، وصدق شرف الدين البوصيري حيث قال:

فهو الـــذي تم معنــــاه وصــورتـه       ثم اصطفاه حبـيبا بارئ النـــسـم

منزه عن شـريك في محـــاسـنه       فجوهر الحسن فيه غير منقسـم

فإن فضل رســـول اللـــه ليس له       حد فـــيعرب عـــنه نـــاطق بـــفم

نبي الأنبياء صلى الله عليه وسلم.. (5)

فمن مناقبه الشريفة أنه كان يراعي أنفاسه مع الله، ولا يضيع شيئا مما كلفه خوفا من الله عز وجل. فكان ربما يتفكر في عظيم أمره وعزه وسلطانه؛ فيشتد عظم ما يعرف من هول المطلع فكان يقول: يا أمة محمد لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً.. إني أرى ما لا ترون وأسمع ما لا تسمعون أطت السماء وحق لها أن تئط ما فيها موضع أربع أصابع إلا عليه ملك ساجد لو علمتم ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا ولا تلذذتم بالنساء على الفرشات ولخرجتم إلى عوالي الصعدات تجأرون إلى الله، فقال أبو ذر: “والله لوددت أني شجرة تعضد“.

ولذلك صح النقل عنه بأنه كان متواصل الأحزان دائم الفكرة ليست له راحة صلى حتى تورمت قدماه وانتفخت، وصام حتى كان القائل يقول لا يفطر وكان يقول “يا أيها الناس توبوا إلى الله فإني أتوب إلى الله في اليوم مائة مرة“. ومن مناقبه صلى الله عليه وسلم أنه كان أحلم الناس ولما فتح مكة وفيها أعداؤه الذين عاتبوه وأخرجوه من بيته وأجلوه عن أهله ووطنه ولم يدعوا المكر به والاحتيال في قتله، فنادى في أصحابه ألا يقتلوا أحدا بعد فتح مكة إلا أربعة نفر لعظائم صدرت منهم، ولقتلهم قوما من المسلمين ثم أتاه بعضهم تائبا فعفا عنه، وقبل توبته، ونادى في الناس أن تضع الحرب أوزارها، أن من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق بابه على نفسه فهو آمن، وعفا عن أبي سفيان، وكان أكبر أعدائه ومن المحرضين على قتله، وهو صاحب العير يوم بدر، وصاحب الجمع يوم أحد، ومن الخاذلين عند يوم حنين، فعفا صلى الله عليه وسلم عنه وقبل إسلامه ابتغاء مرضاة الله وإيثارا  لطاعته، وعفا عن امرأته هند بنت عتبة وقد بقرت بطن حمزة حين استشهد يوم أحد وأكلت كبده وقالت فيه:

شفيت من حمزة نفسي أحد      حين بقرت بطــنه عـــن الــكبد

فأتته مظهرة للإسلام بعد فتح      مكة  فعفا عنها وقــبل تــوبتها

مع أن حمزة عمه، وأعز الناس عليه، وأسد الله، وأسد رسوله، وقبل إسلام وحشي وجبير بن مطعم، فعفا عنه وآثر رضا الله على رضا نفسه، وكان صلى الله عليه وسلم أحفظ الناس بعهد وأوفاهم بميثاق ووعد وأحسنهم جوارا وأصدقهم قولا وإخبارا، وكان المعلوم من سيرته أنه كان يعقد العهود، والمواثيق بينه وبين أعدائه وغيرهم فيفي بها ويُؤذنهم بانقضائها عند تمامها، ولم يغدر قط شيئا منها، وفي خبر الجلندي ملك عمان لما بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوه إلى الإسلام قال الجلندي: “والله لقد دلني على هذا النبي الأمي أنه لا يأمر بخير إلا كان أول آخذ به ، ولا ينهى عن شيء إلا كان أول تارك له، وأنه يغلب فلا يبطر، ويغلب فلا يضجر، ويفي بالعهد، وينجز الموعود، وأشهد أنه نبي“.

وحقيقة الوفاء بالعهد تتميم ما ربط من العقد، ومراعاة ما تقدم من الود، ومكافأة من له يد، وقد كانت هذه الخصال اجتمعت فيه؛ وشهد له بذلك الأقارب والأباعد، نفعنا الله بأخلاقه الكريمة وشيمه الرفيعة.

وعن عبد الله بن سلام قال:”لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة جئته لأنظر إليه، فلما استبنت وجهه عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب”.

وعن أبي رمثة التيمي أتيت النبي  صلى الله عليه وسلم، ومعي ابن لي، فأريته، فلما رأيته قلت: هذا نبي الله.

وروى مسلم وغيره أن ضمادا لما وفد عليه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله قال له: “أعد علي كلماتك هؤلاء، فلقد بلغت قاموس البحر، هات يدك أبايعك”.

وقال نفطويه في قوله  تعالى: “يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار” [ النور، 35] هذا مثل ضربه الله  تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم، يقول: يكاد منظره يدل على نبوته، وإن لم يتل قرآنا كما قال ابن رواحة:

لو لم تكن فيه آيات مبينة        لكان منظره ينبيك بالخبر

أرسل تعليق