Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

٪ تعليقات

الاختلاف في الرأي وثقافة الاختلاف

الاختلاف بين الناس سنة كونية بدأت مع الإنسان مبدأه، وستبقى معه إلى انتهاء الحياة، والدليل على هذا أن الله خلق الإنسان ناقصا، واختار لنفسه وحده الكمال، والكمال لا يقبل الاختلاف، بينما النقص قابل له، بل هو خصيصة من خصائصه وصفة من صفاته.

جاء في القرآن الكريم: “ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم” [ سورة هود، الآية: 117].

ولحكمة ما أرادها الخالق الأعلى، كان الاختلاف محورا من محاور الكون، ومرتكزا من مرتكزاته.
جاء في سورة الحجرات: “يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند اللّه أتقاكم” [ سورة الحجرات، الآية: 12].

ولما كان الإسلام دينا لا يقبل غيره في الدخول تحت مسمى الإيمان: “ومن يبتغ غير الاِسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين” [ سورة ال عمران الآية: 83]، كان من اللازم أن تكون نصوصه التشريعية لا تقبل الاختلاف، ولهذا قال القرآن الكريم عن نفسه: “ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا” [ سورة النساء، الآية: 80].

ولما كان القرآن يشير إلى أن الإسلام لا يقبل غيره كما تقدم، فكيف يرى التعامل ممن يعتنق غيره من الملل على اعتبار عدم قبوله إياها في الأصل كما في الآية السابقة؟ والسؤال الذي يطرح نفسه: هل الإسلام يقبل الاختلاف؟ وهل يرى احترام فكر الآخر؟ وما هي وجوه العلاقة بين المسلم وغيره من حيث منظور الإسلام عامة والفقه الإسلامي بوجه خاص؟

ومن الأسئلة والإشكالات التي تستحق المناقشة الجمع بين الآيات السالفة الذكر وقوله في آيات أخرى: “إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون” [ سورة البقرة، الآية: 60]، وغيرها.

فهل يمكن أن يكون ثمة من لا يتصف بالإسلام ممن له أجره عند ربه على اعتبار أن من يبتغ غير الإسلام دينا فهو من الخاسرين كما سلف؟ وعلى هذا فما هو الإسلام نفسه؟ نظرا لأن ثمة من يجزى أجرا عند ربه من الذين هادوا والنصارى والصابئين ممن آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا، وذلك بصريح القرآن أيضا[1].

وقد قامت النواميس الكونية على ذلك الاختلاف، الذي تمّ توظيفه من مدخل التكامل، حيث شكّلت الالكترونات والنواة جاذبية رائعة، تماهت معها نواميس الجذب، التي نراها في رحابة عالم الفلك، أمّا الاختلاف المنطلق من التنازع والبغض والحقد وكراهية الآخر؛ فإنه يسبب الفشل وذهاب الريح.

جاء في الوحي العظيم: “وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين” [ سورة الانفال، الآية: 46].

وهذا النوع من الاختلاف يقود إلى الفرقة والتشرذم والضياع، كما جاء في آية سورة ال عمران: “واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ” [سورة ال عمران، الآية: 102].

والآيات في هذا المعنى كثيرة لا تنحسر، ولهذا كان رسول الإنسانية كثيرا ما يخاطب المصلين قبل أداء الصلاة بقوله: “لا تختلفوا فتختلف قلوبكم”[2]، وهو يعني بذلك الاختلاف المؤدي إلى العنف وكراهية الغير والعجب بالنفس واتباع الهوى والفردانية…

وفي المقابل: الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية، والرسول الكريم يعلم أمته دائما أكمل مراتب الآداب وأحسنها، فهاهو يقول لأشج بني عبد القيس: “إن فيك خصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة”[3]، وورد عن أنس بن مالك قال: “ما خُيِّرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمرين قط إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثما، فإذا كان إثما كان أبعد الناس منه”[4].

1) ومن الخطأ الشائع في قضايا الاختلاف في الرأي: غلبة الاعتقاد الجازم بصواب وجهة النظر الخاصة وخطأ وجهة نظر الآخرين، وهذا مكمن الخطأ والخلط، لأن كلا من الرأيين عبارة عن وجهة نظر وفهم للأمور، يمكن الاختلاف فيها فطريا، لأن الفهم هو الإدراك التصوري للشيء، ومدارك الناس لحقائق الأمور مما هو مختلف فيه جبلة: “فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله” [ سورة الروم، الآية: 28].

ولهذا فإن “وجهة نظري صواب تحتمل الخطأ، ووجهة نظر غيري خطأ تحتمل الصواب”، ويجب علي باعتباري من أهل الرأي تنزيلها واقعيا وعدم تركها شعارا فحسب.

2) ومن أهم الأخطاء المنهجية التي يغفل عنها الكثيرون أو يتعمدها بعضهم: محاولة إغفال إمكانية الاختلاف وصحة وجوده من أجل الوصول إلى آراء أكثر نضجا وفاعلية، لأن الاختلاف في الرأي مثمر لا محالة، إن على المستوى الفكري، وإن على المستوى السياسي، وإن على المستوى المعرفي، وإن على المستوى الاجتماعي، وهلم جرا، ويمكن أن يقال: إن تطور النظر الاجتهادي عند الفقهاء إنما كانت نتيجة لهذا النوع من التفاعل المبني على ثقافة الاختلاف عندهم.

3) وثمة خطأ آخر في منحى قبول الاختلاف، وهو النظرة السلبية المسبقية نحوه، فهو – حسب هذه النظرة – شر، وحصوله ضرر، ووجوده هلاك… وهذا أمر في غاية الخطورة، لأن إلغاء الاختلاف والسيطرة عليه واعتماد الرأي الواحد أمر غير مرغوب فيه شرعا، فقد جاء في القرآن الكريم استسماج محاولة فرض الرأي الخاص وإنكاره على فرعون الذي قال: “ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد” [ سورة غافر، الآية: 28].

هذا غيض من فيض، والكلام يطول، والمقصود ما يصل منه إلى القلب، لأن الزمن يذهب بصاحبه ولا يعود، وما يذكر إلا أولو الألباب.

———–

1.  أرجو أن تكون هذه الاستشكالات مثار تفكير من لدن الباحثين عن الحقيقة، ولا سيما المفكرين والمثقفين، لأن تأمل النص القرآني واستخراج الضوابط المحددة للحياة من خلال تدبر معاني آياته جملة هو أفضل سبيل.
2.  رواه الترمذي في سننه (أبواب الصلاة باب ما جاء في ليليني منكم أولوا الأحلام والنهي، ح228) من حديث عبد الله بن مسعود، قال الترمذي: “حديث ابن مسعود حديث حسن صحيح غريب”.
ورواه أبوداوود في سننه (كتاب الصلاة باب تسوية الصفوف، ح664) والنسائي (كتاب الصلاة باب كيف يقوم الإمام الصفوف، ح811) من حديث البراء بن عازب.
ورواه النسائي أيضا (كتاب الصلاة باب موقف الإمام، ح807) من حديث أبي مسعود عبد الله بن سخبرة.
3.  رواه مسلم (كتاب الإيمان باب الأمر بالإيمان بالله ورسوله وشرائع الدين والدعاء إليه، ح126-127) من حديث ابن عباس.
4,  رواه الإمام مالك في الموطأ (كتاب حسن الخلق باب ما جاء في حسن الخلق) من حديث عائشة.

التعليقات

  1. nadia

    Monsieur Mouad
    j’ai beaucoup apprécié votre façon de traiter ce sujet, je vous souhaite bon chance et j’espère vous lire d’autres articles.
    Merci infiniment

  2. مصطفى الحسن

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    وتقبل جميل شكري على اختيارك الموفق لموضوع جدير بالمتابعة والبحث، والتحليل والمتاقشة، وأن تتفرع عنه مواضيع أخرى من جنسه

    مثل:
    – الرأي في الاختلاف بين الاستعاب والممارسة أولا.

    – اختلاف الثقافات الادراك الواقعي وواقع الادراك ..؟

    – التأصيل المنهجي العلمي لادارة الاختلاف في الرأي .

    وبذلك نؤسس علما أو مبادئ أساسية علمية لمنهاج جق الاختلاف، وواقع الخلاف، وبذلك نحتوي الخلاف، ونستثمر الاختلاف للبناء لا للهدم.

    وتبقى هذه ومضات من وحي صاحب المقال مشكورا.

    مصطفى الحسن بن محمد تارودانت.

  3. د. محمد معاذ الديوري

    أشكركم جميعا على ملاحظاتكم القيمة التي تثري الحوار البناء
    وأعدكم بأن مقالات متوالية ستنصب على دراسة أخطائنا تجاه الاختلاف أولا، ثم الإجابة عن الإشكالات التي طرحتها الأخت سعاد مشكورة ثانيا، وكذا الإجابة عن سؤال:
    كيف ينبغي أن نتعامل مع الاختلاف ثالثا.
    والله يوفق الجميع ويسدد الخطى.

  4. سعاد

    سلام الله عليكم
    مداخلة قيمة وموضوع جدير بالمناقشة دكتور معاذ، فالاختلاف في الرأي حقيقة يغني ثقافتنا ويثمرها لكن أحيانا كثيرة يغرس في النفوس الحقد والكراهية؛ لأن هناك من يعتقد أن الاختلاف في الرأي أو وجهة نظر الصواب والرأي الآخر الخطأ، في حين أنه كل من الطرفين ينظران إلى الشيء أو تختلف أفكارهما حول معتقد ما حسب مجالات الموضوع. وهنا مربط الفرس، فالإشكالية هنا كيف يمكننا الجزم والإيمان بفكرة الاختلاف لا يفسد للود قضية؟
    وما هي الحلول المقترحة لمحو نتائج هذا الاختلاف والمتجلي في غرس الضغينة والحقد في نفوس المختلفين في الرأي؟
    وفقك الله دكتور معاذ
    سعاد

  5. alhayba ben al hassan

    merci Mr mouad pour ces idées qui doivent être vraiment bien traitées et discutées et surtout de la part des chercheurs et des intellectuels.
    merci encore

  6. hassan brqia

    merci de votre importantes idées.

  7. ابن عتيق

    السلام عليكم ورحمة الله تعالى و بركاته؛

    أخي الأستاذ معاذ، أشكرك على هذا الموضوع الجيد والقابل للمناقشة، لقد تطرقت في موضوعك هذا عن الاختلاف في الرأي ولكن لم تتطرق لأسباب هذا الاختلاف .
    فالإسلام اليوم، وعند التطرق لمناقشة الدين يمارس أسلوب الغلظة في كثير من الأحيان بدل من اللين في القول كما أمرنا الله تعالى باستعمال وإتباع أسلوب اللين عند التصدي لأي حديث، فوجود الغلظة في الكلام يؤدي إلى الاختلاف في الأفكار وبالتالي وجود العنف والكراهية .
    فكما قلت فإن الدين يسر.. ووفقك الله فيما هو خير للأمة .
    .

  8. bilal

    thank you very much for this good article .

أرسل تعليق