التوكل والنجاة
قال تعالى: “وقال موسى يا قوم إن كنتم ءَامنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين فقالوا على الله توكلنا ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين ونجنا برحمتك من القوم الكافرين” [يونس، 84-86].
سيقت الآية في مقام مقالي يتعلق بمجموعة قصص تحكي أطوارا قصة موسى مع قومه. منها أن فرعون وملأه لم يؤمنوا بموسى وصمموا على إعراضهم. وهكذا ما آمن برسالة موسى إلا ذرية من قومه. وعلة ذلك علو فرعون وما يقتضيه من جبروت و طغيان واعتداء واستبداد وإسراف، وهو ما بينه قوله تعالى: “فما ءَامن لموسى إلا ذرية من قومه على خوف من فرعون وملأيهم أن يفتنهم وإن فرعون لعال في الاَرض و إنه لمن المسرفين” [يونس، 83]. ومنها أن الله تعالى أوحى إلى موسى وأخيه هارون عليهما السلام باتخاذ أماكن للسكن تكون مفتوحة إلى القبلة وبإقامة الصلاة، وهو ما أوضحه قوله تعالى: “وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة وأقيموا الصلاة وبشر المومنين” [ يونس، 87].
يبدو من هذا المقام الكيفية التي استجاب بها فريق من قوم فرعون لخطاب موسى عليه السلام. لقد خاطبهم بوجوب التوكل على الله وبوجوب الاجتهاد في الاعتماد عليه. أي أن يحصروا توكلهم على الله تعالى لقوله تعالى: “وقال موسى يا قوم إن كنتم ءَامنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين“. لا يعتمدون على أنفسهم بمصانعة فرعون، ولا يعتمدوا على فرعون بإظهار الولاء له. وإن هذا النوع من التوكل هو الدليل العملي على صدق ما صرحوا به من إيمان و من إسلام[1]. وإزاء هذا الخطاب النبوي ما كان منهم إلا أن تضرعوا إلى الله تعالى قائلين: “على الله توكلنا ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين ونجنا برحمتك من القوم الكافرين” [يونس، 86].
لما حصر مؤمنو موسى عليه السلام توكلهم على الله وحده دون سواه اشتغلوا بالدعاء فطلبوا أمرين:
الأول: أن لا يكونا فتنة للظالمين من قومهم؛
والثاني: أن ينجيهم الله تعالى من القوم الكافرين، وقد علق الإمام الرازي رحمه الله على هذا الدعاء بقوله: “واعلم أن هذا الترتيب يدل على أنه كان اهتمام هؤلاء بأمر دينهم فوق اهتمامهم بأمر دنياهم، وذلك لأنا إن حملنا قولهم: “ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين” على أنهم إن سلطوا على المسلمين صار ذلك شبهة لهم في أن هذا الدين باطل فتضرعوا إلى الله تعالى في أن يصون أولئك الكفار عن هذه الشبهة وقدموا هذا الدعاء على طلب النجاة لأنفسهم، وذلك يدل على أن عنايتهم بمصالح دين أعدائهم فوق عنايتهم بمصالح أنفسهم”[2].
——————————————-
1. قال الإمام بن عاشور رجمه الله: “إن كنتم آمنتم بالله حقا، كما أظهرته أقوالكم فعليه اعتمدوا في نصركم و دفع الضر عنكم. ولا تعتمدوا في ذلك على أنفسكم بمصانعة فرعون، ولا على فرعون بإظهار الولاء له“. ابن عاشور، تفسير التحرير والتنوير ج: 11، ص: 261
2. الرازي، مفاتيح الغيب، ج: 17، ص: 123.
أرسل تعليق