Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

وحدة المعرفة في الإسلام

      إذا تأملنا بعمق حقيقة الإسلام وعلاقته بالعلم؛ فإننا نجده ينظر إلى العلم نظرة تكاملية شاملة، فالإيمان بالله في الإسلام “علم”، والإيمان بالآخرة “علم”، والذين يعرفون أمر العمل الصالح في الدنيا هم أهل “علم”، والعلم في الإسلام يشمل العقيدة كما يشمل الشريعة، وبهذا المفهوم الواسع نستطيع أن ندرك المقصود من العلم في القرآن والسنة، قال الله سبحانه وتعالى: “شهد اَلله أنه لاَ إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لاَ إله إلا هو واَلعزيز الحكيم” [سورة اَل عمران، الآية: 18]. إن هذه الآية تعد من أجل شهادات القرآن على الاطلاق، فقد صدرت من الله وملائكته وأنبيائه وأهل “العلم”، يقول القرطبي في تفسيره تمجيدا للعلم: لو كان شيء أشرف من العلم لأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم، أن يسأله المزيد من العلم “وقل رب زدني علما” [سورة طه، جزء من الآية: 114]. وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “العلماء ورثة الأنبياء”، “والعلماء أمناء الله على خلقه” وأول أمر تلقاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، من ربه قوله سبحانه: “اقرأ” كما أن أول أداة ذكرها الله وأقسم بها: القلم في ثاني سور القرآن نزولا وهي سورة “ن” وفي هذا أعظم تمجيد للكلمة المنطوقة والمكتوبة، جاء في سورة النساء قوله سبحانه: “وعلمك ما لم تكن تعلم، وكان فضل الله عليك عظيما” [سورة النساء، جزء من الآية: 113]. في هذه الآية يبدو الترابط القوي بين جوانب المعرفة الإنسانية، مادية وروحية، بحيث نستطيع القول بأن الإسلام ينادي بوحدة المعرفة، وتكاملها في الوقت نفسه.

      وأول ما يسترعي الانتباه تمجيدا القرآن للعلم وضخامة هذه المادة في القرآن، بحيث إنها وردت هي واشتقاقاتها نحو 880 مرة، مما يعطينا فكرة عن مكانة هذه المادة في الإسلام، والوثبة الجبارة التي وثبها بالفكر الإنساني حاملا معه التراث القديم من الصين والهند وفارس واليونان والرومان، في الوقت الذي تنكرت فيه أوروبا لهذا التراث، وحفظه للأجيال التالية في أمانة وسعة أفق.

      وإن العلم بمعناه الشامل كان أمرا قائما في فجر الإسلام وازدهاره، لذا لم يكن من الغريب أن يبدأ العالم بالعلوم النقلية “علوم الشريعة” ويتابع سيره فيها، أو يتخصص بعد هذا بالعلوم العقلية أو جانب منها.

      وقد شهد الفكر الإسلامي شخصيات موسوعية أخذت بأطراف علوم كثيرة عقلية ونقلية، وتركت في المكتبة الإسلامية تراثا ضخما، وشخصيات غلب عليها التخصص بعلوم محدودة وسادتها جميعا نظرة تجمع بين الدين والعلم المادي في وحدة وتناسق وانسجام.

جريدة الميثاق، العدد 812، الخميس 14 شوال 1418هـ الموافق 12 فبراير 1998م، السنة الثلاثون.

أرسل تعليق