Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

تعليق واحد

تحية إلى الأميرة عائشة زعيمة النهضة النسوية

      في مجلة مشبوهة حملها إلي رجل مشبوه من غير طلب ولا سبق معرفة بهما معا، قرأت كلمة ركيكة في موضوع تعليم البنت المغربية ونتائج المدارس العصرية، تعرض فيها كاتبها لما ليس له به علم من حكم الدين في تعلم المرأة، ولما لا يهمه من الاحتفاظ بالتقاليد والعادات المغربية؛ لأنه أجنبي عنها، ثم تورط في التهجم على مقام كريم يراه المغاربة رجالا ونساء مثالا أعلى في التخلق، والتأدب وقدوة سامية للتعليم والتهذيب.

      فقلت يا للوقاحة والجهل المركب، وافتيات الدخلاء على الأصلاء، واجتماع ثمانية الأشخاص الذين يستحقون الصفع في شخص واحد، وأنشدت ما كنت قلته منذ مدة، ولا تزال الأيام تذكرني به كلما نسيته:

      وفـــــــي خــروج المـــرء عن طـــوره          مــــــــــا إن رأيت منكـــــــــرا قطعــا

      كعالـــــــم يفتــــي ويرعى الخطـــــا          وجــــــاهل يفتــــــــــــي ولا يرعـى

      فماذا يعني هذا التحكك بنا وبديننا وبملكنا وشؤوننا الخاصة؟ أصِرنا إمعات في كل شيء حتى في علم الدين الذي هو بضاعتنا ومادة اختصاصنا، فيأتي الدخيل فيه يريد أن يلقننا أحكامه ويبين لنا حلاله وحرامه، كأننا بحاجة إلى فتواه الاستعمارية ونصيحته الشيطانية؟ أما كان كافيه أن يبقى واغلا في طوائف المتفقرة، يموه عليهم بزخرفه الباطل ويغويهم بنسكه الأعجمي ولا يخوض فيما لا يحسن الخوض فيه، ولا يخاطب لا يسمع منه؟ ولكنه الغرض السوء والنية الفاسدة أمليا عليه فكتب، وعند أسياده أجر ما كتب.

      إننا في غنى عن نصيحتكم أيها القوم، وقد عرف الناس مقاصدكم فصاروا يتعمدون مخالفتكم فيما تشيرون به، ولما منعتم عنا عونكم فيما أنتم بصراء به من علوم الحياة وأمور الدنيا، فلا تظنوا أننا نقيم لكلامكم وزنا في غير ذلك من الشؤون التي نحن أدرى بها منكم وأحق وأولى.

      إن المغرب ملكا وشعبا على بصيرة من أمره، عارف ما يقصد، لا يصده صاد عن الهدف الذي يرمي إليه وهو التحرر من عبودية الجهل، وعبودية الفقر، وعبودية الظلم والتسخير، وهو مؤمن أشد الإيمان بأنه لا يمكن الوصول إلى هذه الغاية إلا بانتشال الفتاة المغربية من وهدة الجهل والخمول التي سقطت فيها منذ أن قضي عليها بالذل والهوان، فلا تنتظروا منه أن يتراجع في هذا الأمر، ولو تقولتم عليه من الزور والبهتان ما تقولتم.

      إن كل مغربي مغربي، لا يرضيه بعد اليوم إلا أن يرى في زوجه وبنته وأخته قرة نفس، وملء عين، وسلوة قلب، لا كمية مهملة لا دخل لها في عد ولا حساب، يريد أن يرى في زوجه شريكة حياة، وربة منزل، ومربية أولاد بالمعنى العلمي الصحيح، لا لحما على وضم إن لم يحرسه أكلته الكلاب.

      إن عائشة الصديقية كانت قدوة لجميع المؤمنين في تربية بناتهم وتعليمهن وتخريجهن في جميع الفنون، وقد كانت نساء الصدر الأول والعصور الإسلامية الزاهرة كلهن مهذبات مثقفات، يشاركن أزواجهن في تحمل أعباء الحياة، وبذلك كثر النابغون في العلوم والآداب والقواد والفاتحون من الرجال؛ لأن الأم التي هي المدرسة الأولى كانت تبث في أبنائها روح الشجاعة والإقدام، وتغرس في نفوسهم حب العلم والآداب.. كيف وقد كان من تلك النساء الشاعرات الكاتبات، والفقيهات المحدثات، والطبيبات الحكيمات، بل النساء الحاكمات، والنساء المقاتلات، والنساء المتطوعات لتحريض المقاتلين، وتمريض الجرحى اللائي هن أفضل بكثير من مجندات الحرب العصريات، لتصونهن وترفعهن عن عبث هؤلاء العابثات.

      والإسلام لما قرر أن النساء شقائق الرجال في الأحكام بشاهد “قل للمؤمنين وقل للمؤمينات” [سورة النور، الآيتين: 30- 31]. أوجب عليهن من طلب العلم ما أوجبه على الرجال حتى صار العامة يروون هذا الحديث “طلب العلم فريضة على كل مسلم” بزيادة ومسلمة، تصريحا بما تضمنه اللفظ من عموم الدلالة.

      ولما كان الرجال لا حجر عليهم في طلب العلم، ولا حد لما يقفون عنده منه؛ فإن النساء كذلك يطلبن من العلم ما يرتئين ويتخصصن فيما شئن، ومن ادعى خلاف ذلك فعليه أن يأتي بالدليل، وحديث “خذوا شطر دينكم عن هذه الحميراء” إذا لم يصح لفظا، فهو صحيح معنى، وهو صريح في أنه لا نهاية لما تطلبه المرأة من العلم، ولا غاية يجب أن تنتهي  إليها فيه، وشطر الدين المراد به ما يتعلق بالنساء من الأحكام وهذا دليل آخر على أنهن شريكات الرجال في الواجبات، ومن جهة أخرى؛ فإن السيدة عائشة على علمها بشطر الدين أعني ما يتعلق بالنساء منه كانت عالمة بالشطر الآخر؛ أي ما يتعلق منه بالرجال، وهذه غاية لا تدرك، وكما جاز ذلك في علم الدين يجوز في علوم الدنيا، بل إن العلوم كلها إذا طلبت بنية حسنة كان طلبها من الدين.

      ومن حسن صنع الله للمغاربة ولطفه بهم، أن وهب لهم قدوة حية في هذا السبيل، بعد أن طال عهدهم بالقدوة السابقة، وجعل هذه القدوة من أنفُسهم ومن أنفَسِهم، وفي ذؤابة العز والشرف وذروة المجد والفخار، ألا وهي الأميرة عائشة التي تزعمت الحركة النسائية في المغرب على فتاء من السن، فهي ما تزال تحفز الهمم، وتشد العزائم، وتعلم بقولها وفعلها وحركاتها وسكناتها، وكم خطبت في الجموع الغفيرة، وأهابت بالفتاة المغربية إلى النهوض والتقدم ومجاراة سنن الحياة في التطور، حتى أصبحت منارا يهتدى به في هذا المقام، ورمزا لفتاة المستقبل التي تقر بها عين العروبة والإسلام، فالله يحفظها ويبقيها ذخرا للوطن، وشجى في حلوق الأعداء الذين يكيدون له في السر والعلن “آمين”.

      وحيث أن الحركة التعليمية في المغرب قائمة على هذا الأساس، من هدى الدين وسنة السلف الصالح ودعوة سيدة فتيات العصر، فكيف يتطرق إليها الخلل أو تسوء بها الظنون أو تعلق بها شبهة من الشبه؟ إلا أن يختلق ذلك زنيم ظنين متهم في دينه وعرضه وخلقه، وقد أمرنا بعدم طاعة هذه الطائفة بقول الله تعالى: “فلاَ تطع اِلمكذبين” [سورة القلم، الآية. 8]…

      “مفاهيم إسلامية، مكتبة المدرسة، ودار الكتاب اللبنانية للطباعة والنشر، بيروت، ط: 1، 1964”.

التعليقات

  1. الورياشي عبد الكريم

    رحم الله العلامة عبد الله كنون، ورحم الله تعالى الأميرة الطاهرة للا عائشة وأطال الله عمر علمائنا الأجلاء، وجعلهم ذخرا لهذا البلد السعيد، وحفظ بهم ديننا الأغر، ودنيانا السعيدة.

أرسل تعليق