Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

أقبل على العلم

      تعيش جميع الأسر خلال هذا الشهر، حدث الدخول المدرسي الذي طال انتظارها إياه لتعيد فلذات أكبادها لاستئناف دورة طلب العلم، وكلها دعوات وآمال في أن تكون السنة الجديدة حافلة بالعطاءات، وصبر على المكاره، والرضى في المنشط والكره، ونتائج تنشرح لها الصدور، وتطير بها العقول.

      وفي بحر هذه الخلجات والتمنيات التي تراود قلوب الآباء والأمهات، نلاحظ بعضا من التلاميذ والطلبة يعلو وجوههم التردد والتثاقل عن التأهب لطلب العلم كأنهم في عقال، وإذا قاموا إليه  قاموا إليه كسالى، وكأنهم يدفعون إليه دفعا؛ وبالتالي فإن من هؤلاء حالهم فلا تنتظر منهم أسرهم أن يحققوا تلك الأحلام الوردية، والأماني العريضة، وأمام تفشي هذه الظاهرة التي سوف لن تعود على الوطن بل الأمة إلا بالارتكاس في أحضان التخلف، فلا يسعنا جميعا إلا أن نتحسر لهذه الظاهرة، ولا نكتم النصح العام ولجميع الأطراف ذات الصلة بالتعلم والتعليم من طلبة العلم وأساتذة التعليم وكذا الآباء والأمهات، وإلى هؤلاء جميعا أقول:

      1- إلى طالب العلم: هل علمت أيها التلميذ، الطالب مكانة العلم وأهميته في حياة الأمم والأوطان؟ هل تصفحت مصادر ثقافتك من القرآن الكريم، والسنة المطهرة، وأقوال الحكماء من الشعراء والأدباء لمعرفة تلك المكانة؟ وهل تأملت لحظة الواقع من حولك، وما يعج به من مخترعات كانت بالأمس القريب من المستحيلات؟ كل ذلك كاف ليحرك همتك نحو طلب العلم الذي يعد حياة القلوب، ومصباح الأبصار، وأساس التمدن، وسلم النجاح وركن السعد، ومصدر المجد، ومعدن العمران، به يرفع الله صاحبه في الدنيا أرقى المقامات، وفي الآخرة أعلى الدرجات، “يرفع الله الذين ءامنوا منكم والذين اُوتوا العلم درجات” [سورة المجادلة، جزء من الآية:11]. ويكفيك شاهدا على مكانة العلم لتتحفز على طلبه أن النبي صلى الله عليه وسلم، لم يستزد من شيء إلا من العلم، قال تعالى حكاية عن هذا النبي العظيم: “وقل رب زدني علما” [سورة طه، جزء من الآية:114]. وقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم، في شرف طالب العلم أنه قال: “من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضى بما صنع”[1]. ويحمل العلم على معناه العام ليشمل كل العلوم النافعة وكذا جميع اللغات إذ بمقدار تعلمك للغات تتسع دائرة معارفك، ويزداد قربك من الناس من حولك، كما يقول الشاعر صفي الدي الحلي:

      بقدر لغـــــــات المرء يكثــر نفــعــــه          وتلك لــــــه عند الشدائــــد أعوان

      فبـــــادر إلى حفظ اللغات مسارعـا          فكــــــل لسان بالحقيقة إنســـان

      والعلم أفضل من كل شيء، أفضل من المال الذي يلهث الناس وراءه، ويبذلون من أجله مهجهم وأرواحهم، قال بعض الحكماء: “العلم خير من المال، فالعلم يحرسك وأنت تحرس المال، والعلم حاكم، والمال محكوم”، وفي نفس المعنى يقول الشاعر:

      عليك بالعلــــــم لا تطلب لـــه بدلا          واعلـــــم بأنك فيـــــه غير مغبــون[2]

      العلـــــم يجدي ويبقى للفتى أبدا          والمال يفنى وإن أجدى إلـى حين

      وقال آخر:

      العلــــــم أنفس ذخــــر أنت ذاخــــره          من يدرس العلم لم تدرس مفاخـــره

      أقبل علـى العلم واستقبل مقاصـده          فــــــأول العـلم إقبـــــــــال وآخــــــــره

      2- إلى معلم العلم: أيها الأستاذ الكريم، معذرة فليس لأحد من الناس أن يعتلي منبر النصح لينصحك، فأنت ممن حباك الله ذلك المقام السني، والموقع العلي، من علمك تنهل الأجيال، وعلى سلوكك تسير وتهتدي، فقط أريد أن أذكرك بالمحامد التي خص الله بها معلم الناس الخير، فاقرأ معي هذا الحديث الشريف: “إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرض حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على معلمي الناس الخير”[3]، وهل بعد صلاة واستغفار كل المخلوقات لمعلم العلم في السماء وفي الأرض على السواء من شرف؟ وهل بعد هذا الفضل من فضل؟ كلا وألف كلا، لكن إلى جانب هذا التشريف تكليف وأمانة، وقد أوجب الله تعالى القيام بها والإحسان فيها، ووعد على الوفاء بمقتضياتها بالجزاء الأوفى، كما نهى أشد النهي عن الإخلال بها فقال: “ياأيها اَلذين ءامنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون” [سورة الاَنفال، الآية: 27]. فالمسؤولية جسيمة “يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو اَن بينها وبينه أمدا بعيدا” [سورة اَل عمران، جزء من الآية: 30]. فلنكن جميعا أوفياء لرسالاتنا وأماناتنا، ونعزم على الخروج من أسر أهوائنا، ونطرد الترهل الجاثم على أرواحنا، لتعود الثقة إلى مؤسساتنا التعليمية بعد أن تزحزحت عن مكانها بفعل سلوكيات أثارت سخط الكثير.

      3- إلى الآباء والأمهات: إن دور الآباء في حفز الأبناء على التعلم لا يقل أهمية عن دور الأساتذة، إذ هما طرفان متلازمان ومتكاملان لا يغني أحدهما عن الآخر، فإذا غاب دور الآباء كما هو ملاحظ بدرجة عالية في العقدين الأخيرين، نتيجة انشغالهم بشواغل الحياة الضاغطة؛ فإنه لن يفلح دور المؤسسة وحده مهما كان إيقاعه ووتيرته، وهذا النوع من التقصير لا يبرره أي مبرر؛ لأن الأبناء أمانة في أعناق الآباء ومسؤولية عظمى، يتضح ذلك من خلال الحديث النبوي “كلكم راع وكلم مسؤول عن رعيته الإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها…”[4].

      ولا تنحصر تلك المسؤولية في توفير الحاجات المادية فحسب، بل تتعداها إلى كل المقومات الضرورية لقيام الإنسان بواجب الخلافة في الأرض وفي مقدمتها العلم.

      لذا كان العلم بحق من أجل القيم الإنسانية منزلة، وأعلاها شأوا، وأكثرها نفعا، وأبقاها ذخرا، ومن أجل هذه المحامد الثابتة للعلم في أوسع مصادر المعرفة انتشارا، وأشدها وثوقا، كان الترغيب في طلبه والإقبال على تحصيله أمرا بلغ من الوضوح مبلغ سطوع الشمس في صحو النهار، ولإصلاح الوضع الذي لا يرضى عنه الكثير، لابد من تصحيح القصد، وتسديد التوجه، وضبط الخطى، وتعبئة كل الإمكانيات المتاحة، وبذل الغالي والنفيس في سبيل طلب العلم.

—————————

 1.  سنن الترمذي، ج: 5، ص: 50.

 2.  مغبون: مخدوع.

 3.  أخرجه الترمذي في سننه، ج: 5، ص: 28.

 4.  صحيح البخاري، رقم: 893، ج: 3، ص: 120.

أرسل تعليق