Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

نظام القيم العليا

      نظام القيم العليا أهم ما تتصف به الحضارات الإنسانية الراقية، وهو عين ما عرفته الحضارة الإسلامية. بل إنها تميزت عن غيرها من الحضارات حين ارتبطت فيها القيم بالتصور الاعتقادي، وأضحى النظام الاجتماعي كله على صلة وثيقة بهذا التصور. بل إن الأستاذ سيد قطب رأى أن هناك ما هو أكبر من الارتباط الوثيق، إنه الانبثاق الحيوي، انبثاق النظام الاجتماعي من التصور الاعتقادي.. هذا الانبثاق، ثم هذا التكيف، وجه من وجوه الارتباط بين التصور الاعتقادي والنظام الاجتماعي، بل منهج الحياة كله بما فيه مشاعر الأفراد وأخلاقهم وعباداتهم وشعائرهم وتقاليدهم، وكل نشاط إنساني في هذه الأرض جميعا.

      فلا غرو أن ترتبط في الشريعة الإسلامية القيم بالعبادات، وجعلها من ثمراتها وفوائدها كما أشار إلى ذلك الشيخ يوسف القرضاوي، فإقامة الصلاة “تنهي عن الفحشاء والمنكر”  [سورة العنكبوت، جزء من الآية: 45]، وإيتاء الناس الزكاة “تطهرهم وتزكيهم بها” [سورة التوبة، جزء من الآية: 103]، والصيام: “لعلكم تتقون” [البقرة، من الآية 183]، والحج لا ينال الله من هدي ولا لحم ولا دم: “ولكن يناله التقوى منكم” [الحج : من الآية 37].

      كما ترتبط فيها كذلك القيم بالمعاملات، بل وبالحياة كلها سواء أكانت قيما دينية ربانية، وعلى رأسها الإيمان بالله تعالى، وبرسالاته وبالجزاء العادل في الآخرة، وما يثمره هذا الإيمان من قيم أخرى مثل حب الله تعالى والرجاء في رحمته والخشية من عقابه، والتوكل عليه والإخلاص له. أم كانت قيما إنسانية مثل: الحرية، والكرامة، والعدل، ورعاية الفطرة، والاعتدال أو الوسطية، واحترام الحقوق، والمساواة بين الناس، والرحمة بالضعفاء، إلى آخر تلك المعاني الجميلة.

      وقد فطن الغرب لهذه الثروة الكبيرة التي يمتلكها التصور الإسلامي، فسعى بكل ما أوتي من قوة ووسيلة إلى إضعافها وإقصائها من حياة الإنسان المسلم، واستبدالها «بقيم» أخرى بديلة عنها. واستغلت الحضارة الغربية «تقدمها» لتشيع مقاييس أخرى لرقي الشعوب والأمم وتخلفها، وجندت لهذا الغرض مجموعة من العلماء الذين انطلقوا من نموذج الحضارة الغربية فاعتبروها مقياس التحضر والتقدم، مما جعل الأستاذ منير شفيق يلاحظ في هذا الصدد أنه من البديهي أن يصلوا إلى هذه النتائج ما داموا قد اتخذوا الأنماط الاجتماعية الأوربية – الأمريكية على اختلافها، وشخصية الفرد في تلك الأنماط معيار القياس، وبهذا تصبح القيم الفردية والأنانية، وعناصر القسوة والعزلة واللامبالاة بالآخرين، وإسقاط مختلف العلاقات الإنسانية مقياس التقدم، وتصبح عملية ذوبان الفرد في الحزب والدولة مرحلة أرقى وميزان القياس للتقدم والتخلف. ثم تصبح علاقات العمل التي تقوم على أسس غير إنسانية – وذلك حين يستعبد الإنسان للوقت والسرعة والإنتاج المادي- تكون هي مقياس شخصية الفرد، مما يقود بالضرورة إلى اعتبار الشخصية الإسلامية متخلفة.. وهكذا تصبح أخلاقية المسلم الذي يرعى والديه في شيخوختهما ومرضهما قيمة متخلفة سلبية، وتصبح أخلاقية التمدن الغربي الذي يترك والديه، حتى وهو مقتدر، لرحمة ملاجئ العجزة التي تحط من كرامة الإنسان وتمتهن شيخوخته قيمة حضارية متقدمة!

      ومن هنا اعتبر الأستاذ رشدي فكار أن الحضارة الغربية «تتقدم» في غياب الإنسان، بل إن هذا الإنسان الذي يجعل الأشياء «تتقدم» يفقد من أجل ذلك ذاته وخصوصيته. وهذه المسألة في غاية الخطورة؛ لأن هذا الوحش الذي ينميه اليوم سوف ينقلب عليه غدا ليفتك به ويفترسه!

      كما أكد أن الحضارة الغربية يمكن أن تباع وتشترى؛ لأنها حضارة وسائل أدت إلى تحضر الأشياء، أما الجوهر فهو الذي تحتفظ به الحضارة الإسلامية: حضارة القيم التي تبدأ من القيم الروحية وتصل إلى قيم المبادئ الأخلاقية السلوكية.

أرسل تعليق