Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

من غرائب حفظ المغاربة والأندلسيين لكتب الحديث (15)

      هذا هو الجزء الخامس عشر من هذه السلسة المعنونة بـ: “من غرائب حفظ المغاربة والأندلسيين لكتب الحديث”؛ وقد جرت عادتي في هذا المقال أن أقدم بين يدي مسرد الحفاظ، تقدمة أمهد بها لذكرهم، وتعيين محفوظهم من كتب الحديث.

      وتمهيد هذا الجزء متعلق تعلقا تاما بالعَلَم المذكور فيه، ولأجل ذلك سأقدم ذكره على خلاف المنهج الذي درجت عليه في جميع أجزاء هذه السلسلة، والإمام المُلمَع إليه هو: أحمد بن أبي المحاسن يوسف المشهور فقال فيه الإمام محمد بن أحمد الحضيكي: “كان -رضي الله عنه– وعاء من أوعية العلم والتقوى، حتى كانت نسخ الصحيح تصحح من حفظه”[1]، وهذا حفظ باهر جدا، بحيث –لجودته- عرض عليه المكتوب، وحُوكِمَ إليه المرقوم من نُسَخ صحيح البخاري؛ وهذا مستوى من مستويات الحفظ من السموق بمكان، ومثله لا يتأتي إلا في بيئة تشتد فيها العناية بهذا الصحيح، إملاء وتدريسا. وهذا هو ما تؤكده شواهد الواقع إذا ذكر الحضيكي من في غضون طبقاته من عناية المغاربة بالبخاري ما يندر وجود مثله في بلاد الدنيا؛ فقال في ترجمة الشيخ ابن الوقاد: محمد بن أحمد التلمساني نزيل تردنت من بلاد سوس بالمغرب: “قال صاحب الفوائد[2]: لازمته سنين وسمعت عنه صحيح البخاري مرارا عديدة”[3]، وذكر عن ابن الوقاد المقروء عليه، أنه نفسه قرأ على شيخه الإمام أبي عبد الله محمد بن جليل التنيسي صحيح البخاري ست عشرة مرة”[4]، ونقل عن صاحب الفوائد الجمة أنه قرأ على شيخه محمد بن علي الهوزالي صحيح البخاري وهو يسأله عن غريبه، ونكت حديثه فيجيب بما يروي الغليل، ويشفي العليل[5]. ونقل من كتاب “بذل المناصحة” أن الإمام العلامة محمد بن أبي بكر الدلائي كان عارفا بصحيح البخاري متقنا لضبطه[6]، وقال في ترجمة علي بن عبد الواحد الأنصاري السجلماسي أنه قرأ على شيخه ابن أبي بكر الدلائي المذكور صحيح البخاري نحو إحدى وعشرين مرة[7]. ونقل عن المنجور أن شيخه علي بن هارون المطغري ختم على شيخه ابن غاري المكناسي صحيح البخاري عشر مرات[8]، ونقل عن صاحب الفوائد الجمة أنه تابع المسير إلى شيخه الإمام يحيى بن عبد الله الحاحي يقرأ عليه صحيح البخاري كل سنة في رمضان، وأن ذلك كان منه عدة من السنين.[9]

      فهذه عناية شديدة، مظاهرها: المداومة على إملاء الصحيح، وعدم الملال من قراءته بالغة ما بلغت مرات العرض، والمعرفة بغريب ألفاظه ونكت حديثه، والقيام به معرفة وضبطا وتحريرا، وما بالك بكتاب يقرؤه القارئ على شيخ صاحب تحقيق، وأخي تدقيق مرات عديدة، وفي سنوات مديدة؟ فأخلق به أن يكون ذاكرا لأبوابه، عارفا بتراجمه، مستحضرا لمتونه، مشرفا على أسانيده، عارفا برجاله. فإن قيل إن نسخ الصحيح كانت تصحح من حفظ أحد رجالات مغربنا، لم يستغرب ذلك؛ لأنه ثمرة من ثمرات شيوع عنايتهم التامة به، والاعتناء يَلِد العجب، وقد جلبت في هذا المقال نتفا من أخبارهم في ذلك، وهي قطرة من بحر وغيض من فيض.

      وسأعود إلى عنايتهم بحفظ الصحيح في المقال المقبل إن شاء الله تعالى.

————————–

  1.  طبقات الحضيكي1/52، تحقيق أحمد بومزكو، مطبعة النجاح، ط: 1 – 1427-2006.

  2.  التمنارتي.

  3.  طبقات الحضيكي1/287.

  4.  طبقات الحضيكي1/287.

  5.  طبقات الحضيكي1/292.

  6.  طبقات الحضيكي2/342.

  7.  طبقات الحضيكي2/474.

  8.  طبقات الحضيكي2/554.

  9.  طبقات الحضيكي2/599.

أرسل تعليق