Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

كشاف الكتب المخطوطة بالخزانة الحسنية

      قضية الفهرسة قضية كبرى اختلفت في تحديد مفهومها آراء الباحثين من أهل الاختصاص، وتباينت حولها مواقفهم ليس فقط في مجال التراث العربي المخطوط ولكن في التراث المخطوط الغربي كذلك. وبالرغم من الجهود التي بدلت في سبيل حل هذه المشكلة في مختلف المراكز العلمية العالمية؛ فإن الاتفاق حول منهج واحد لفهرسة الكتاب المخطوط لم يتم بعد. ولن تجد هذه المشكلة طريقها إلى الحل إلا عندما نعمل على تحديد مفهوم الفهرسة بالنسبة للكوديكولوجيا العربية أو علم المخطوط بمفهومه الحديث بمعنى عندما نميز بين وظيفة الكوديكولوجي، وبين مهمة المفهرس في تناول كل منهما للكتاب المخطوط. فالأول يهتم بالكتاب المخطوط باعتباره قطعة مادية يدرس مجموعة من المكونات لا دخل فيها للمفهرس، بينما يهتم هذا الأخير بإبراز مجموعة من البيانات لوصف الكتاب المخطوط والتعريف به دون المساس بوظيفة الكوديكولوجي.

      ومما يؤسف له أن كثيرا من الممارسين للفهرسة يبالغون في وصف الكتاب المخطوط فيلجون ميدان الكوديكولوجي بدون شعور، بل يتجاوزونه للاهتمام بقضايا علمية كالبحث في عنوان الكتاب مثلا فيدخلون مجالا يسمى عند المحدثين بالتحقيق العلمي. ومهما يكن من أمر؛ فإن فهرسة الكتب المخطوطة قديمة بدأت عند الأوربيين لما تجمع لديهم مجموعات حصلوا عليها بطرق مختلفة لا داعي لذكرها في هذا المقام. غير أن المحدثين من ذوي الاختصاص، عربا كانوا أو مستشرقين، تعودوا على وضع اللوائح والقوائم والكشافات للمجموعات الخطية يقتصرون فيها على عناوين الكتب، وأسماء المؤلفين، ورقم المخطوط، قبل وضع الفهارس المفصلة لهذه المجموعات. ونضرب مثلا هنا بالكشاف العام الذي وضعه المستشرق الفرنسي ذي الأصل المجري فاجدا المتوفى سنة 1981م بباريس، للكتب العربية المخطوطة المحفوظة بالخزانة الوطنية الفرنسية. وقد نشره في عام 1953م. فقد اقتصر فيه على عنوان الكتاب، واسم مؤلفه، ورقمه بالخزانة.

      وبعد مضي وقت قصير على هذا الإنجاز شرع المستشرق المذكور في وضع فهرس مفصل للمجموعة العربية بمعية مجموعة من المساعدين تمرسوا على التعامل مع الكتاب المخطوط مستفيدين من تجربة هذا الرجل الكبير.

      وقد مضت أربعون سنة ولم ينته الفرنسيون بعد من فهرسة السبعة آلاف مخطوط المحفوظة لديهم. وآخر ما ظهر من هذه الفهارس الجزء السادس. وربما يرجع هذا التأخير إلى المفهرسين في قسم المخطوطات العربية في الخزانة الوطنية الفرنسية من اقتحامهم مجال الكوديكولوجي حسب ما رأيناه في ما نشروه من فهارس.

      ولما وليت مقاليد خزانة الكتب الملكية سنة 1994م كان وضع كشاف عام لمحتوياتها أول اهتماماتي اقتداء بمن سبقني من كبار الباحثين من ذوي الاختصاص، فكلفت خلية من خلايا هذه الخزانة بإشراف الباحث عمر عمور لوضع هذا الكشاف، وكلفت لجنة أخرى تحت إشرافي بوضع الفهارس المفصلة. وبعد مضي بضع سنين تمت فهرسة كل مواد الخزانة باستثناء مادتي الفقه والحديث. أما الكشاف فتعذر نشره بسبب ما اصطلح عليه بالمجاميع التي سماها الفرنسيون بحق (Les recueils factices)، وظاهرة المجاميع هذه عامة في التراث العربي لا تكاد تخلو منها خزانة من خزائن الكتب في العالم. فقد يضم الكتاب الواحد مجموعة من الكتب قد تكون رسائل أو حواش أو تقييدات أو أوراقا من كتاب مفقود أو قصائد من ديوان أو أجزاء من كتاب أو غير ذلك.

      وقد تتعدد محتويات المجموع فتتراوح بين أربع أو خمس رسائل إلى خمسين رسالة. بعضها معنون وبعضها بدون عنوان تحتاج إلى البحث عن العنوان، وقد يتم ذلك بقراءتها قراءة العالم، وفحصها وتحديد مادتها حتى يمكن مقابلتها بما لدينا من نسخ لنفس الرسالة. وقد نخلص إلى تحديد العنوان بعض الأحيان وقد يتعذر ذلك أحيانا أخرى.

      ومن المشكلات الأخرى التي تعترض العاملين في هذا المجال هو حالة بعض المخطوطات كتلكم التي بترت أوراقها الأولى فتعذر العثور على عنوان المؤلف واسم مؤلفه. ومنها كذلك جهل النساخ الذين يحرفون العنوان أو ينسبون الكتاب لغير صاحبه. ومنها كذلك ما كان نتيجة للتسفير الذي خضعت له بعض المخطوطات حيث وقع اضطراب في ترتيب الأوراق، فكان لابد من قراءتها قراءة متأنية تمكن من وضع الأوراق في مكانها الصحيح. أما ما وضع بين معقوفين سواء بالنسبة لعناوين الكتب أو بالنسبة لأسماء مؤلفيها فهو إما أنه مشكوك فيه أو أنه لم يذكر أصلا في المخطوط وتم العثور عليه في نسخ أخرى أو في مصادر التراث.

      وقد أحصى الكشاف الحالي محتويات الخزانة الملكية الأصلية وما أضيف إليها في العصر الحديث من مكتبات الخواص كمكتبات عبد الرحمان ابن زيدان، ومحمد بن عبد الهادي المنوني، ومكتبة زاوية تنغملت التي تم اقتناؤها في عهد الملك الحسن الثاني رحمه.

      أما المصورات وهي متعددة فلا مكان لها في هذا الكشاف. وقد بدل الباحث عمر عمور بمعية الباحثة نبيلة بنمنصور، وهما مشكوران على ذلك، مجهودا كبيرا في إنجاز هذا الكشاف الذي سيفصح عن كثير من الرسائل والكتب والحواشي ظلت حتى الآن تعتبر في حيز المفقود، وذلك بفضل التكشيف الذي خضعت له المجاميع المتعددة الآنفة الذكر…

أرسل تعليق