Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

مفهوم الاستدلال الحجاجي.. (7)

إن من أجمع التعاريف المقترحة للحجاج وأمنعها، تعريف الأستاذ طه عبد الرحمان حيث جاء فيه: “وحد الحجاج أنه فعالية تداولية جدلية، فهو تداولي لأن طابعه الفكري مقامي واجتماعي، إذ يأخذ بعين الاعتبار مقتضيات الحال من معارف مشتركة ومطالب إخبارية وتوجهات ظرفية، ويهدف إلى الاشتراك جماعيا في إنشاء معرفة عملية إنشاء موجها بقدر الحاجة، وهو أيضا جدلي لأن هدفه إقناعي قائم بلوغه على التزام صور استدلالية أوسع وأغنى من البنيات البرهانية الضيقة”[1].

من خلال هذه التعاريف يمكن القول إن الاستدلال الحجاجي يتصف بالخصائص التالية:

مفهوم الاستدلال الحجاجي.. (7)

1. أنه آلية استدلالية طبيعية إذ تبنى الانتقالات فيه لا بالاستناد إلى معطيات اللغة الصورية المجردة كما هو الحال في الاستدلال البرهاني، وإنما يتم ذلك في إطار اللغة الطبيعية التي تتصف أساسا بالانفتاح الدلالي الناتج عن ظاهرة الاشتراك والخفاء والغموض والطي المميزة لكل خطاب طبيعي، ومن ثم كان الحجاج أنسب استدلال لكل من يتوسل باللغة الطبيعية في التبليغ والتوجيه والتدليل، لأنه يحفظ عليها خصائصها الجوهرية؛

2. أنه يتأسس على صور استدلالية أغنى وأوسع من البنيات الاستدلالية البرهانية، إذ يشتمل على صور القضايا (المؤلفة للاستدلال) مجتمعة إلى مضامينها (مادة القضايا)، وهذا أمر طبيعي مادام من شأن أي خطاب طبيعي أن تتوالد فيه المضامين توالدا، وتتفاعل فيما بينها تفاعلا يؤدي إلى اغتناء الخطاب وتماسكه؛

3. أنه يهدف إلى تحصيل الاقتناع العملي السلوكي، ولا يقتصر فقط على تحصيل اليقين النظري كما هو الحال في البرهان، فإذا كان معيار اليقينية في هذا الأخير يتأسس على اعتبارات نظرية صرف لا صلة لها بالاعتقاد والسلوك فإن الأول يمتاز عن الثاني بنشدانه تغيير وتوجيه اعتقادات المخاطبين وحثهم على الانتهاض إلى العمل، ولاشك أن استدلالا بهذا الوصف العملي أقوى على التوجيه وأقدر على التغيير؛

4. أنه يأبى الخضوع للحساب الآلي لكونه موصولا بالمجال التداولي أوثق صلة، فلا يمكن فصل الأنساق الاستدلالية عن مقاصد المستدل وأغراضه وتوجهاته، وإذا علمنا أن المقاصد والأغراض والتوجهات تتغاير فيما بينها من ذات مستدلة إلى أخرى، أدركنا أن تكون نتائج هذا الصنف من الاستدلال غير ملزمة في كل مقام، وهذه الخاصية لا يمكن اعتبارها -بأي حال- منقصة أو مدخلا إلى الطعن فيه، والتشكيك في قدرته الإقناعية والتحصيلية، وإنما هي مزية تجعله أقدر على استيعاب التجربة الإنسانية المتميزة أساسا بالتشعب والاختلاف..

يتبع في العدد المقبل

——————————————

1. في أصول الحوار، ص: 59.

أرسل تعليق