Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

٪ تعليقات

قرآن المرضى ومرضى القرآن

      القرآن الكريم شفاء لما يعتري المؤمن من اختلالات وظيفية في حياته الإيمانية. فهو قادر على إضفاء الطمأنينة والسكينة في شتى مناحي نفس الإنسان، وكذا مساعدته على الاستقرار الروحي وإبعاد ما يجول في خاطره من هواجس ووساوس مرضية.

      فكتاب ربنا عز وجل شفاء لمرضى الشك والقلق والحيرة، وشفاء لمرضى الأهواء النفسية والنزغات الشيطانية المتعددة، وشفاء لمرضى الاضطرابات بشتى أنواعها، وشفاء لكل مرضى الاختلالات في الحس والشعور والتفكير.

      وصدق عز من قائل في محكم كتابه: “وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْءانِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ للْمُومِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَارًا”. [سورة الاِسراء، الآية: 82].

      هذه الآية الكريمة قال فيها الإمام الطبري: يقول تعالى ذكره: “ونزل عليك يا محمد من القرآن ما هو شفاء يستشفى به من الجهل من الضلالة، ويبصر به من العمى للمؤمنين ورحمة لهم دون الكافرين به؛ لأن المؤمنين يعملون بما فيه من فرائض الله، ويحلون حلاله، ويحرمون حرامه فيدخلهم بذلك الجنة، وينجيهم من عذابه، فهو لهم رحمة ونعمة من الله أنعم بها عليهم”.

      وقال فيها الإمام السيوطي: “الله تعالى جعل هذا القرآن (شفاء ورحمة للمؤمنين) إذا سمعه المؤمن انتفع به وحفظه ووعاه، (ولا يزيد الظالمين إلا خسارا) لا ينتفع به ولا يحفظه ولا يعيه”.
وقال الإمام ابن قيم الجوزية في نفس المعنى: “فهو شفاء للقلوب من داء الجهل والشك والريب، فلم ينزل الله سبحانه من السماء شفاء قط أعم ولا أنفع ولا أعظم ولا أسرع في إزالة الداء من القرآن”.

      وهكذا يتضح أن القرآن الكريم دواء فعال لمن استشفى به مما سبق ذكره من الأمراض والعلل..

      إلا أن هذه الحقيقة تنقلب رأسا على عقب عند بعض الناس في مجتمعنا، أولئك الذين لم يمعنوا النظر في الوصفة العلاجية القرآنية، فطاروا بالقرآن كل مطير حتى أصبحوا هم مرضى القرآن!!

      فمنهم من يتخذ له “عيادة” أو “مصحة” يعالج فيها بالقرآن الكريم شتى الأمراض المزمنة، حتى المستعصية منها كداء السرطان ومرض فقان المناعة المكتسبة والحالات الوبائية!!

      ومنهم من يكتبه في قرطاس ويعلقه في التمائم ليفرق بين المرء وزوجه والوالد وولده!!

      ومنهم من يستجدي به الناس في القبور والحافلات والأماكن العامة، سواء أعطوه أو منعوه!!

     ومنهم من يضع المصحف الشريف بجانب سرير الرضيع ليحميه نهارا من شياطين الإنس وليلا من شياطين الجن!!

     ومنهم من يضعه على صدره أو في جيبه أو في محفظته ليحفظه من شر ما خلق!!

     ومنهم من يمكن له في ركن من أركان منزله ليحميه من شر غاسق إذا وقب!!

     ومنهم من يخصص له مكانا في مدخل بيته ليحفظه من شر النفاثات في العقد!!

     ومنهم من يضعه في مدخل متجره أو شركته أو مكتبه ليقيه شر حاسد إذا حسد!!

     ومنهم من يتخذ له موضعا في مقدمة سيارته ليحميها من السراق، ويجنبه حوادث السير، ويساعده على الإفلات من المراقبة الطرقية!!

     ومنهم من يتبرك به، فيجعل بداية يوم عرسه قرآنا يذكر ونهايته خمرا يسكر!!

     ومنهم من يجعله في حياته قرينا للجنازة والموت، حيثما سمعه إلا وعلم أن أجل أحدهم قد جاء أو كاد!!

     هؤلاء ومن على شاكلتهم هم مرضى القرآن.. اشتغلوا برسمه وشكله، ولم يهتموا بجواهره وحقائقه..

     اتخذوا من كتاب الله تعالى مصحفا مجردا لا روح فيه، ونسوا أنه منهج حياة تفنى دونه الأعمار..

     أبدعوا في اقتناء أحجامه وطبعاته وألوانه، وفاتهم أن نسائم الشفاء تهب من رقراق أسراره، وطعم الصحة والعافية يسري بين أحرفه وآياته، لا يتذوقه إلا من تفاعل معه تلاوة وفهما ومدارسة وتزكية وتنزيلا..

     إن مثل مرضى القرآن كمثل الذي اقتنى وصفة طبية هو في أمس الحاجة إليها، وتركها جانبا بشكل من الأشكال، ثم ظل يرتقب وينتظر منها أن تفعل فعلها.. ألا ما أضناه وأشقاه!!

     وصدق الله العظيم في قوله: “وَلَوْ اَنَّ قُرْءانا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الاَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَل لِّلّهِ الاَمرُ جَمِيعًا” [سورة الرعد، من الآية 31].

التعليقات

  1. عبد الرحيم بن بوشعيب مفكير

    القرآن منهاج حياة. إن الواقف على معاني كتاب الله وغاياته ومقاصده يدرك حقيقة الاستعلاء على التبرك به فقط، أو وضعه في أماكن لدفع العين والضرر كما هو سائد عند غالبية من الناس لم يربطهم بالكتاب سوى ما توهموه اعتقادا خاطئا منهم.
    إن غايات هذا الكتاب الذي هو شفاء للصدور وتزكية للنفوس ارتقاء بالإنسان إلى درجات الكمال، وان يجعله منهج حياة ينير له الدروب ويدلل عليه الصعاب. فقد سئلت أم المؤمنين عن خلق النبي عليه السلام فذكرت أن خلقه كان هو القرآن، فأن يكون القرآن تجسيدا عمليا في حياتنا، نتصف بما اتصف به المؤمنون الصادقون ونبتعد عن خصال المنافقين، ومكر الماكرين، ونرتقي بالعقل عن البدع والخرافات، ونتدبره آناء الليل والنهار، ونضمن به الحقوق لذويها، ونعرف من خلاله الحلال والحرام، ونتتبع فيه قصص الأنبياء والرسل، ونطلع على سيرة المصطفى عليه السلام وصحبه وآل بيته الكرام، وغيرها من القضايا النافعة لنا في الدنيا والآخرة منفعة للأمة ووسيلة لتجاوز اختلالاتها ومحنها، ونرتبط ارتباطا وثيقا بخالقنا… وغيرها من الفوائد والعبر والنعم.
    إن علينا تدبر الكتاب لقوله سبحانه: " أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها"..

  2. طه لحميداني

    أستاذي ومعلمي الفاضل
    اسمح لي بهذه الوقفات التي لست أهلا لها، لكن سعة خاطركم تستوقفني دائما للتواصل معكم.
    اعلم أستاذي صدق مقصدكم، من أن الأصل في القرآن توجيه ومنهج، فكر وشفاء للمجتمع، تدبر وتفكر. لكن لا مانع من حمل الشفاء على كل المعاني، من باب عموم المجاز، أو من باب حمل المشترك على معانيه. كما دلت على ذلك سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، بقوله للذي رقى اللديغ بسورة الفاتحة"… وما أدراك أنها رقية".
    وبالتالي، فمرض السرطان لا نجزم بنفي علاج القرآن له، ولا إثباته، لكن يرجى أن يكون القرآن سبباً للشفاء منه.
    صحيح أن الفعل المجتمعي -والذي عددت بعضه أستاذي-، في تعامله مع القرآن، لم يصب بعد إلى سر القرآن وغايته، حجته ومنهجه. والشيء الذي يستوقف الباحثين المسلمين، ما أسباب فشل توظيف القرآن الكريم والسنة المطهرة في المجتمع؟
    ربما الحاجة لاستيفاء شروطهما، ولقلوب عامرة بالإيمان، متسلحة بالعقيدة والطاعة والمحبة والإخلاص.
    كم فارس في الحرب نال شهادة ويكون عند الله غير شهيد
    كم قارئ في الناس يحمد ذكره وهو عند الله غير حبيب

  3. جميلة المغربية

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    حياكم الله
    وهذا متمم لقوله تعالى: "يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا"، فالقرآن الذي هو مصدر هداية قد يصير مصدر ضلال لتأويل فاسد أو فهم عقيم.

أرسل تعليق