Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

تعليق واحد

الاجتهاد الجماعي، مفيد النعم ومبيد النقم

      إن حال الأمة الإسلامية التي ما فتئت تتلمس المخرج والحلول لأزماتها المختلفة منذ سنين عدة يفرض علينا القناعة بأن عصر الاجتهاد الفردي وعلماء الموسوعات قد ولى أو كاد، وآن الأوان أن يحل محله عصر اجتهاد المؤسسات والمجامع والهيآت العلمية. وهذا يعني أن الفكر الإسلامي المعاصر مطالب بتجاوز الاجتهاد الفردي المحدود، واعتماد الجماعية الأكاديمية الاجتهادية في كل القضايا والأمور، سيرا على نهج الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين الذين كانوا إذا نزلت بهم قضية، ليس فيها من رسول الله صلى الله عليه وسلم أثر، اجتمعوا لها وأجمعوا، فالحق فيما رأوا.. كما نص على ذلك الإمام الدارمي في سننه (ج1، ص46).

      ولا يسعني في هذا المقام إلا أن أشاطر رأي ثلة من الباحثين المعاصرين الذي يرون أنه ليس من اليسير تحقيق الرؤية المنهجية الخاصة بالاجتهاد الجماعي في وقتنا الحالي، كما يصعب الحديث عن “مجمع اجتهادي” أو “اتحاد” المجامع الفقهية والعلمية وخضوعها لمجمع علمي واحد، لكن هذه العراقيل يمكن التخفيف من حدتها إذا تم التفكير في بداية الأمر في إحداث هيئة علمية متفرغة تضم مجموعة من علماء الأمة وفعالياتها الذين تحملوا الإشراف في بلدانهم على مجمع فقهي أو رابطة علمية أو معهد أو مركز بحث أو مؤسسة علمية تهتم بقضايا الأمة، ويشكلون وحدة علمية تشرف على عملية التنسيق بين الهيئات السابقة، وتتولى إعداد تقارير بهذا الشأن توحيدا للجهود وتكثيفا للأعمال وربحا للوقت.. وتعقب هذه المرحلة الأولى، مرحلة ثانية تسعى فيها الهيئة العلمية المنسقة إلى تأسيس أرضية لعقد مؤتمر عام على صعيد الأمة لتدارس قضاياها الكبرى، بعيدا عن الخلافات والتعصبات وكل ما من شأنه أن يؤثر على هذه العملية الاجتهادية.

      إن هذا الاقتراح لا يختلف كثيرا عن بعض الاقتراحات المشابهة في هذا الموضوع التي تحفل بها ساحة الفكر الإسلامي المعاصر، ولكن يمكن التقدير على أنه سيفي بالغرض المقصود، خاصة إذا علمنا أن وسائل التنسيق متوفرة في عصرنا الحالي بشكل كبير وفعال، ويقصد بذلك الطرق التقنية للتواصل، مثل شبكة الأنترنيت التي يجب استغلالها جيدا في هذا الإطار.

      أما وسيلة دعم هذا المشروع الطموح؛ فإن أهم مقترح يمكن التعويل عليه هو الذي يقول بمصدرين أساسين:

      المصدر الأول هو الحكومات الإسلامية التي يجب أن تعمل جاهدة لإنجاح هذه العملية العلمية، وتقديم كافة أشكال المساعدات والتسهيلات للعلماء والباحثين في هذا الشأن.

      المصدر الثاني: إحياء دور الأوقاف في خدمة العلم والعلماء، مثل ما كان يفعله أهل الأريحية من أمراء وأغنياء السلف، حيث كانوا يشرفون على أعمال علمية وينفقون عليها بسخاء، محتسبين أجرهم عند الله سبحانه وتعالى، وخاصة أن الأمة الإسلامية لا ينقصها بناء المساجد ونقشها، وطباعة المصاحف وزخرفتها، بقدر ما هي محتاجة إلى بناء الأفهام وتهذيبها، وتشكيل العقول وصقلها، وإحياء خصائص الحضارة الإسلامية وبعثها.

      إن الاجتهاد الجماعي في عصرنا الحالي ضرورة مقاصدية وواجب وقتي، وإن الأمة الإسلامية اليوم في حاجة ماسة إلى توحيد الرؤى والجهود لتجاوز كثرة المشكلات والعقبات التي تعترض سبيلها، والاجتهاد الفردي عاجز عن المعالجة الشمولية لهذه الأمور، وأضحى الاجتهاد الجماعي الأجدر بالاهتمام والبحث والتطبيق، والأليق بطبيعة العصر وظروفه، والمجال الخصب للممارسات التعليمية الجماعية، والأنسب لتعاليم الشريعة الإسلامية ومقاصدها، والباعث للحركة والفعالية في جسم الفكر الإسلامي المعاصر..

      وإن شئنا قلنا بتعبير الإمام تاج الدين السبكي إن الاجتهاد الجماعي هو “مفيد النعم ومبيد النقم”.

التعليقات

  1. جميلة المغربية

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    حياكم الله أستاذنا الفاضل
    نعم، إن الاجتهاد الجماعي ضرورة وقتية ومقاصدية في آن واحد، ولقد دعا الإمام محمد الطاهر ابن عاشور إليه، لكن تظل مأسسة الاجتهاد محفوفة بمجموعة من الإشكالات التي تعوق المسيرة الاجتهادية حتى ذهب البعض إلى استحالته في عصرنا الحالي، لعدد من العوامل نحو: انتشار الفتوى فأصبح كل من يعرف نزرا من العلم يفتي الناس وينسب نفسه إلى المجتهدين، وهناك من ذهب إلى أن الاجتهاد الجماعي في أصله فردي، والأفراد فيما بينهم مختلفون وما يزالون مختلفين حتى يشاء الله، ويصعب جمع كلمتهم؛ لأن الكل يدعي أن الحق معه ومن ثم إذا استفتي في مسألة يفتي بما يراه حقا، ومن ثم يكون مخيرا بين أمرين: إما أن يفتي بالقول الآخر، وإن كان يعتقد غيره لتغليبه مقصد الوحدة على غيره أو يفتي بما يراه.
    لكن تظل أكبر إشكالية في الاجتهاد المؤسسي هي غياب المصداقية لعوامل عدة، الشيء الذي يضطر إلى أن تنفصل هذه المؤسسات الاجتهادية عن أية جهة حتى لا تكون متحيزة، الأمر الذي قد يساهم في إعادة المصداقية لهذه المؤسسات الاجتهادية في أعين المستفتي وحتى نسد الباب أمام أي شخص يرفض الأخذ بهذه الفتوى الجماعية بحجة انتمائها إلى جهة ما.
    لكن إذا تم تحقيق هذا، فما السبيل إلى إلزام المفتين بهذه الفتوى الجماعية حتى نقطع هذه الفوضى الإفتائية التي يعرفها العالم عموما والمغرب خصوصا؟
    وشكر الله لكم

أرسل تعليق