Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

٪ تعليقات

الدعاء والتأديب

      قال تعالى: “وإذ قال موسى لقومه إن الله يامركم أن تذبحوا بقرة قالوا أتتخذنا هزؤا قال أعوذ بالله أن اَكون من الجاهلين قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك فافعلوا ما تومرون قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا وإنا إن شاء الله لمهتدون قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول تثير الاَرض ولا تسقي الحرث مسلمة لاشية فيها قالوا الآن جئت بالحق فذبحوها وما كادوا يفعلون” [سورة البقرة، الآيات 67-71].

      تضمنت الآيات التي بين أيدينا جملة من الأدعية المتتابعة، والتي أعقبت إخبار موسى عليه السلام قومه من بني إسرائيل أن الله تعالى أمرهم بذبح بقرة. والمقام الذي سيق فيه هذه الآيات الخمس من سورة البقرة هو مقام مقالي ذم الله تعالى من خلاله بني إسرائيل بسبب ما ارتكبوه من مساوئ مختلفة.

      فقد ذم الله سوء أدبهم مع نبي الله موسى؛ لأنهم عوض أن يستجيبوا للأمر الإلهي بالذبح ركنوا إلى السفه، فاتهموا نبي الله موسى بالاستهزاء بكل ما قد يلزم عنه من مزاح وسخرية. وذلك من الجهل والجهالة التي يتلبس بها الجاهلون. لم يكن أمام موسى لدفع تهمة الاستهزاء إلا أن طلب من الله تعالى أن يعيذه من أن يكون من الجاهلين لقوله تعالى: “أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين”.

      كما ذم الله تعالى دعائهم؛ لأن صيغته تنم وتدل على أن الشكوك لا زالت تراودهم في مدى جدية نبي الله موسى في ما أوحى إليه الله تعالى من التكليف بذبح البقرة: “ادع لنا ربك” فكأنما هو ربه وحده لا ربهم، بل ورب العالمين كذلك.

      كما ذم الله تعالى نوع تلقيهم للتكليف بذبح البقرة؛ لأنهم عوض أن يهبوا إلى ذبح أي بقرة تجزئهم فضلوا أن يخوضوا أولا في دعاء ماهية البقرة، وثانيا في دعاء لونها حتى وقعوا في الاشتباه والاستشكال؛ لأنهم ضيقوا على أنفسهم دوائر تطبيق الأحكام الإلهية المتسعة وفسيحة والسهلة بسبب اتساقها مع الفطرة الإنسانية ومواءمتها لإمكاناتها المختلفة. ولهذا لجأوا في نهاية المطاف إلى دعاء الهداية من الله تعالى فقالوا: “إن البقرة تشابه علينا وإنا إن شاء الله لمهتدون”.

      إن خوضهم في أدعية من قبيل السؤال عن ماهية البقرة وصفتها، ثم عن لونها فعن ماهيتها مرة أخرى دليل واضح على سوء تلقيهم استوجب من الله تعالى تأديبهم بأن تتوفر البقرة على صفات قد يتعذر أو قد يصعب وجودها مجتمعة.

      وهكذا إن البقرة يجب أن تكون وسطا: لا هي عجوز ولا هي شابة كما في قوله تعالى: “إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك”. ويجب أن تكون “صفراء فاقع لونها تسر الناظرين”. ويجب أن تكون غير مذللة ولا مدربة على حرث الأرض أو سقي الزرع. فهي كما قال تعالى: “لا ذلول تثير الاَرض ولا تسقي الحرث مسلمة لاشية فيها”. وكلها صفات المغزى من ضرورة توفرها تأديبهم على أدعيتهم التي تدل على سوء أخلاقهم التي يتوسلون بها للعصيان الذميم، والتي تكشف في الوقت نفسه سوء تلقيهم وفهمهم للتشريعات الإلهية”[1].

——————————-

  1.  تماما كما “يؤدب طالب العلم إذا سأل سؤالا لا يليق برتبته في العلم… ومن ضروب التأديب الحمل على عمل شاق” ابن عاشور، التحرير والتنوير ج 1 ص: 552.

التعليقات

  1. عتماني ابراهيم

    بسم الله الرحمن الرحيم والسلام عليكم ورحمته وبركاته أما بعد:
    بداية في مقامي هذا أود أن أوجه تشكراتي وامتناني واحترامي الكبير للأستاذ إسماعيل الحسني دائما وأبدا بكل ما تعنيه الكلمة من تقدير.على كل ما يقوم به من مجهودات عظيمة في مجالات العلم والمعرفة وعلى هذا الموضوع خاصة الذي اشعل حماسي في القراءة وحرك وجداني في التأمل المتعمق داخل الموضوع.
    حيث أثار الأستاذ موضوع دارس فيه بعض الآيات الكريمة من سورة البقرة من خلال مقامها المقالي الذي سيقت فيه التي تحكي قصة بني إسرائيل مع نبي الله موسى أثناء نزول أمر الله بذبح البقرة التي سببت لبني إسرائيل أن يسيء أدب التعامل مع نبي الله ومع أوامر الله، مما بين عنادهم وتماطلهم واستخفافهم بأوامر الله وكثرة أسئلتهم المجحفة، وهذا من صفات بني إسرائيل..
    ولا شك أننا استخلصنا واستفدنا من العبر والحكم ما لا يخفى على أحد.. ومجمل قولي أنني يجب أن نتأدب نحن كذلك مع الأوامر الإلهية، ومع الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ومع علمائنا وشيوخ الأمة الإسلامية.
    وأخيرا أتمنى أن يجعلنا الله ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.. أخوكم في الله عثماني إبراهيم
    الفصل الثالث الدراسات الإسلامية

  2. بلكوط جميعة

    زادك الله علما ومعرفة
    وجعلك الله مشعلا تنير طريق هذه الأمة
    فتقبل الله منك وجعل عملك هذا في ميزان حسناتك، فنحن في انتظار مقالاتك الرائعة…

  3. رشيد رفيق

    السلام عليكم
    أما بعد نشكر الأستاذ على اهتمامه بهده المواضيع الرائعة ومقالاته الشيقة التي أفدتنا في حياتنا نسأل الله أن يجعل عمله في ميزان حسناته.. الطالب رشيد رفيق

  4. الطالب: سعيد أيت غانم

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    سلام الله عليكم أجمعين
    أما بعد:
    أشكر فضيلة الأستاذ العلامة إسماعيل الحسني حفظه الله تعالى على مواضعه الرائقة ومقالاته الشيقة، ولقد عودنا حفظه الله دائما على الفائدة النافعة والعلم الغزير سواء في مقالاته أو محاضراته أو مناقشاته.
    فنسأل الله تعالى أن ينفعنا بعلمه؛
    وأن يجعل عمله في ميزان حسناته وأن يرزقه النجاح في مسيرته العلمية والدعوية.
    آمين والحمد لله رب العالمين

  5. محمد عادل فروال

    بسم الله الرحمن الرحيم
    سوء تلقي وفهم للتشريعات الإلهية يفضي لا محالة إلى سوء تنفيذها الشيء الذي يؤدي بدوره إلى فقدان الأجر بل إلى اكتساب الإثم..
    نفع الله بكم

  6. رضوان العمراني

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد
    أما بعد:
    أشكر الأستاذ الكريم إسماعيل الحسني على اهتمامه بفقه الدعاء، كما بين في هذه السورة الكريمة، وما تحمله في طياتها من أدعية..
    وأخيرا أجدد شكري لأستاذي الكريم على حرصه الشديد في خدمة الأمة الإسلامية
    الفصل الثالث
    مسلك الدراسات الإسلامية

  7. رشيد الزات

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    أشكر فضيلة الأستاذ العلامة إسماعيل الحسني حفظه الله تعالى على مواضعه الرائقة ومقالاته الشيقة، ولقد عودنا حفظه الله دائما على الفائدة النافعة والعلم الغزير سواء في مقالاته أو محاضراته أو مناقشاته.
    فنسأل الله تعالى أن ينفعنا بعلمه ؛
    وأن يجعل عمله في ميزان حسناته وأن يرزقه النجاح في مسيرته العلمية والدعوية.
    آمين والحمد لله رب العالمين

  8. الطالب احتشاو ابراهيم

    بسم الله وعلى بركة الله…
    سلام الله عليكم أجمعين
    أما بعد:
    من خلال المقام المقالي الذي سيقت فيه هذه القصة "قصة أمر موسى عليه السلام لقومه بذبح بقرة" نستشف من هذه القصة، سوء الأدب مع الخالق البارئ جل وعلا، تجسد هذا السوء في المعاملة في نقاط مجملها:
    1. عدم الفورية في تطبيق أمر سيدنا موسى عليه سلام الله؛
    2. كثرة الأسئلة والطلبات المنبعثة منهم؛
    3. جعل رب الأرباب ربا لموسى فقط، بغض النظر عن إقرارهم بالربوبية؛
    4. اتهام نبي الله موسى بالجهل والاستهزاء والسخرية..
    • كل هذا تظافر في صعوبة تطبيقهم لأمر الله، ولذلك فمنهي على أن يسأل عن ما يفوق طاقته، وبهذه المناسبة يمكن جرد هذا المثال حتى على طلبة العلم بألا يخوضوا في صياغة الأسئلة التي لا تليق بهم والتي تفضي عامة إلى شقاء الطالب والمطلوب…
    تقبلوا مروري
    مع تحيات الطالب إبراهيم الذي يحبكم
    تحياتي
    في أمان الله

أرسل تعليق