Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

الكون كله ظلمة، وإنما أناره وجود الحق فيه

فمن رأى الكون ولم يشهده فيه، أو عنده، أو قبله أو بعده، فقد أعوزه وجود الأنوار، وحجبت عنه شموس المعارف بسحب الآثار

      في هذه الحكمة المباركة يجلي الشيخ بن عطاء الله رضي الله عنه حقيقة كبرى، وهي حكمة مستقاة من حياض قوله تعالى: “الله نور السموات والاَرض، مثل نوره كمشكاة فيها مصباح، المصباح في زجاجة، الزجاجة كأنها كوكب دُري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار، نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء، ويضرب الله الاَمثال للناس، والله بكل شيء عليم” [سورة النور، الآية:35].

      ومن مشكاة قوله صلى الله عليه وسلم: “أَعُوذُ بِنُورِ وَجْهِكَ الَّذِي أَشْرَقَتْ لَهُ الظُّلُمَاتُ وَصَلُح عَلَيْهِ أَمْرُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ” [أخرجه الطبراني في كتاب الدعاء، ص: 315]، فالوجود الحق هو وجود الحق سبحانه، وما عدا ذلك فالسوى، وإنما كان هذا الوجود التبعي بإرادة الحق سبحانه ومشيئته، لمقاصد حُجِّية وفَرْزية تتحقق بالابتلاء، كما في قوله تعالى: “وهو الذي خلق السموات والاَرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملا” [سورة هود، الآية: 7]، وقوله تعالى: “اِنا جعلنا ما على الاَرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا” [سورة الكهف، الآية: 7]، وقوله سبحانه: “الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور” [سورة الملك، الآية: 2]، وقوله عز وجل: “أو لم ير الذين كفروا أن السموات والاَرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي اَفلا يومنون وجعلنا في الاَرض رواسي أن تميد بهم وجعلنا فيها فجاجا سبلا لعلهم يهتدون وجعلنا السماء سقفا محفوظا وهم عن آياتها معرضون وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن متَّ فهم الخالدون كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون” [سورة الاَنبياء، الآيات: 30-35]. كما يتجلى ذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: “كان الله ولم يكن شيء غيره” [أخرجه البخاري في صحيحه، ح: 3191].

      فوجود الحق هو الوجود الأصلي وما سواه وجود تبعي لا وجود له بذاته، تفتّق ما انتمى إلى المدركات الممكنة بمشيئته سبحانه، فما بين رتق العدم وفتق الإيجاد إلا قوله سبحانه كن “إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون” [سورة يس، الآية: 82].

      والظلمة الواردة في هذه الحكمة يقصد بها ظلمة العدم، وقول الشيخ رضي الله عنه: “وإنما أناره وجود الحق فيه” يريد به أنه سبحانه هو الموجد لكل موجود سواه بمشيئته تعالى. فمن حُجِب عن إدراك هذه الحقيقة الجوهرية، وانحجب بكثافة الوجود التبعي، فقد حجبت عنه شموس المعارف الحق من مصدريها، الموحى والمخلوق، بسبب عدم ملامسة أنوار الإيمان فؤاده، ومن عُدِم الإيمان، فقد عُدِمَ الورود إلى أنوار الوحي. وهو قوله تعالى: “يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا فأما الذين ءامنوا بالله واعتصموا به، فسيدخلهم في رحمة منه وفضل ويهديهم إليه صراطا مستقيما” [سورة النساء، 174-175]، ومن عُدم هذه الأنوار فأنى له أن يشهد الحق في الكون وعنده وقبله وبعده.

      والله المستعان

الأمين العام

                                                                                                               للرابطة المحمدية للعلماء

أرسل تعليق