Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

من غرائب حفظ المغاربة والأندلسيين لكتب الحديث (3)

      هذا هو الجزء الثالث من مقال “من غرائب حفظ المغاربة والأندلسيين لكتب الحديث”، وهو لِما سبق صلةٌ، ولِلذي مضى تكملةٌ، وقد كان مجموعُ مَن ذُكر بباهر الحفظ في الجزأين السابقين سبعةً، ذُكروا بحفظٍ عزّ له الوجودُ، وَظهور مثلِ هؤلاء النبغاء يدل على شيوع الاعتناء، إذ إن العناية بالعلم إذا كثرت في نحو[1] من الأنحاء، وتعدّدت الهممُ المتوفِّرَة لذلك الاعتناء، نَبَغ مِن جملة جمهور المعتنين أفراد أفذاذ، فالشفوف في علم من العلوم، معرفةً بِدَقِيقِه، أو استظهارًا لما أُلف فيه مِن مصنفاتٍ كبيرة، لا يتأتى لِمَن يُذكر بذلك في الغالب الأعم، إلا إذا شاعت العناية بذلك الفن في قطره، وكثر المشتغلون به مِن أهل جهته، إذ إن تَمَيُّز فردٍ لا يكون إلا بوجود عددٍ يشاركه فيما فيه تَمَيَّز، إذ التميز لا يكون إلا بوجود المنافِس، فتَحْمِل المنافسةُ على الجِّد والتشمير، وتتعلق الهممُ بالسبق والانفراد، وقل جِدّا أن يصيب بضاعةَ العلم في قطر من الأقطار الكسادُ، ثم ينبغَ في أهلها نابغ؛ لأن النبوغ تبع للرواج، فإذا كانت بضاعة العلم في جهة من الجهات، أو وقت من الأوقات كاسدةً، وسُوقُه غيرَ نافقَة، تَبَلَّدَت القرائح، وفَتَر الحفظ، وجَمُدَت الهِمم، وتقاعس الناس. فَأَنَّى في مثل هذه الأحوال أن يظهرَ مُحَقّق، أو يَبْرُز حافظ.

      وهذه أسامي ثلاثةٍ من حفاظ كتبِ الحديث خاصةً بهذه الجهة، وهم مِن أقطار متعددة، تجمعهم جهةٌ واحدة، فيهم مَن هو من أهل مَغربنا الأقصى، وفيهم من هو من أهل الأندلس؛ فيهم الأمراء ومَن سِواهم، وهو منبئ إنباءً واضحا أنَّ العلم شاع في طبقات الناس جميعا، وأنه لم يكن مختصا بقطر معين دون مَا سِواه، فهي حركةٌ علمية واسعةُ الانتشار، وعنايةٌ بهذا الحديث الشريف، شَمِلَت جملةً وافرة من الأقطار، من مراكش إلى تلمسان، إلى مدن الأندلس المعروفة.

      فمن هؤلاء الحفاظ من أهل المغرب: الأمير أبو يعقوب يوسف بن أبي محمد عبد المؤمن بن علي القيسي الكومي (580)، نقل ابن خلكان أنه كان يقال إنه يحفظ صحيح البخاري[2].

      ومن أهل الأندلس: أبو بكر محمد بن عبد الملك بن زهر الإشبيلي الطبيب المشهور (595)، وآل ابن زهر معروفون بالعلم والوجاهة في الأندلس والمغرب، وأما أبو بكر هذا فقد قال ابن الأبار: “وكان أبو بكر بن الجد يزكيه ويحكي أنه يحفظ صحيح البخاري أسانيد ومتونا”[3].

      ومن أهل تلمسان: أبو عبد الله محمد بن يخلفتن بن أحمد بن تنفليت التجيبي (621)، قال ابن الأبار: “كان يحفظ صحيح البخاري أو معظمه”[4].

      فهؤلاء ثلاثة من أعيان الحفاظ، وسأتبعهم إن شاء الله في المقال القادم بجماعة آخرين.

يتبع

———————-

  1. النحو الجهة.

  2. وفيات الأعيان 7/134 (تحقيق إحسان عباس، دار صادر، الطبعة الأولى 1414هـ).

  3. التكملة لكتاب الصلة 2/75 (تحقيق عبد السلام الهراس، دار الفكر، الطبعة الأولى 1415هـ).

  4.  التكملة لكتاب الصلة 2/164- 165.

أرسل تعليق