Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

٪ تعليقات

من قيم الإسلام في علاقة الآباء والأبناء

      من المثير للاهتمام في الأحوال الشخصية للإنسان عموما، وفي علاقات أفراد الأسرة خصوصا، أنها لا يمكن أن تنتظم بواسطة سلطة القانون الوضعي حيث النفعية المباشرة والجزاء على الأفعال؛ لأن القانون الوضعي في عمومه يحتاج إلى سلطة رادعة وجزاء عند المخالفة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى ونظرا  لكثرة الاحتكاك اليومي بين أفراد الأسرة؛ فإنه لا يمكن لرقابة القانون التدخل في كل لحظة لفض الخلافات الداخلية لأفراد الأسرة وإلا أفسدتها. من هنا كانت الأولوية في التعامل بالقيم لفض نزاعات الأسرة خصوصا بين الزوجين إلى الأقارب، قال الله عز وجل: “وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من اَهله وحكما من اَهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما” [سورة النساء، الآية 35] ولا نحتاج القانون الوضعي أثناء ذلك إلا لردع  الفئة الشاردة والمتمردة عن أداء الواجب الأسري.

      لذا فالمعول عليه في مجتمعاتنا اليوم، الاعتماد على السلطة القيمية ووازع الأخلاق للسير الطبيعي لمؤسسة الأسرة.

      فما هي بعض القيم الإسلامية في معاملة الأبناء لآبائهم؟ وأية ثمرات للالتزام بهذه القيم؟

      1.  بعض قيم الإسلام في معاملة الأبناء لآبائهم

      تعد علاقة الأبناء بآبائهم في الإسلام علاقة خاصة بمستويين:

      بعدها النوعي العميق والذي لا حدود له وإن افترقوا في العقيدة، ولنا في قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام مع أبيه نموذجا أولا في عمق هذه العلاقة، وإذا تكلمنا عن هذا العمق، تكلمنا عن سلوك تغذيه قيم الإسلام الذي هو عقيدة الأنبياء عليهم السلام جميعا وأتباعهم في كل زمان ومكان إلى يوم القيامة. ففي حسن معاملة الابن لأبيه، وهو على غير ملة الإسلام ومحاورته بأسلوب في غاية من الأدب وروعة في اللين والتذلل، والحرص على مصلحة الأبوين والرغبة في إنقاذهما من أي خطر أو مكروه، خصوصا إذا تعلق الأمر بالعقيدة التي تحدد طبيعة الأقوال والأفعال وتكون موجهة بها، والتي على أساسها يتحدد مصير المرء يوم القيامة، قال الله عز وجل حاكيا حوار سيدنا إبراهيم عليه السلام مع أبيه آزر: “اِذ قال لأبيه يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم ياتك فاتبعني أهدك صراطا سويا” [سورة مريم آيتين: 42 و43]، حتى قال سبحانه: “قال سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا” [سورة مريم: آية: 47 ]، والقصة حبلى بالقيم الإسلامية النبيلة في المعاملة بين المسلم وغيره عموما، والمسلم وأبويه خصوصا، مما ينبغي أن يحتذي به كل إنسان عاقل متبصر.

      والقصص في هذا المستوى لا تكاد تحصى، وكل سلوكاتها مؤصلة من قيم الإسلام الإنسانية، مسددة بتوجيهاتها وترشيداتها.

      أما في عمقها القيمي، فلا تكاد تحدها الحدود سوى حد المعصية، يقول سبحانه: “وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما” [سورة لقمان، الآية: 15]، أما فيما دون ذلك، فالمعاملة الطيبة، قال الله عز وجل: “وصاحبهما في الدنيا معروفا” [نفس الآية السابقة].

      وحقوق الآباء تقترب في حجمها دون نوعها من حقوق الله، ومنها أن نعمة الله لا يستطيع العبد شكرها مهما بلغ جهده؛ لأنه إن بلغ  بهذا الجهد أقصاه، فسيفتقر قبل ذلك الجهد وبعده إلى شكر الله على التوفيق للشكر وهكذا، فكذلك حق الأبوين، وهذا في حد ذاته ما يعطي لمعاملة الأبناء للآباء بعدها القيمي العميق، وقد قال رسول الله سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام: “لا يجزي ولد والدا إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه”[1]

      ويبلغ برهما مبلغه عندما لا يؤثر عليهما أحد من الخلق إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك ما قص علينا في حديث الثلاثة أصحاب المغارة، حيث توسل أحدهما إلى الله بما كان يوثر به أبواه من اللبن على أبنائه، فقبل الله بسبب ذلك دعاءه ففرج عنه كربته[2] وما رد به المصطفى عليه السلام على من سأله عن حاجة أبيه إلى ماله قال: “أنت ومالك لأبيك، إن أولادكم من كسبكم، فكلوا من كسب أولادكم”[3].

      امتداد هذه الحقوق الملخصة في كلمة البرور كما وردت على لسان أنبياء الله عليهم السلام، قال سبحانه عن زكريا عليه السلام “وبرا بوالديه ولم يكن جبارا عصيا” [سورة مريم، الآية: 14]، وقال على لسان عيسى عليه السلام: “وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا” [سورة مريم، الآية: 32] عبر مجموعة من الأقوال والأفعال التي لا حدود لها في الزمان ولا المكان ولا الإنسان، فهي تبتدئ من مهد الأبناء إلى هرم الآباء، ومن حياتهم إلى ما بعد موتهم، وقد لخص الحق سبحانه هذه المعاملات المختلفة في قوله: “اِما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب اِرحمهما كما ربياني صغيرا” [سورة الاسراء، الآية: 23-24].

      2.  من ثمرات الالتزام بهذه القيم

      يتبين من خلال هذه الدردشة السريعة عن قيم الإسلام في علاقة الأبناء بالآباء، أن الأمر يتعلق  بمدرسة للقيم يتلقن فيها الأبناء عمليا ومنذ المهد مبادئ الأخلاق الرفيعة والسلوكات الطيبة التي تمكن الإنسان المتشبع بها من الإندماج السلس في المجتمع والفعل فيه ومعه، فمن تخرج  منها بنجاح أو بتفوق  كان خير الناس وأحسن الناس وأقربهم إلى ربه، ولذلك وردت الوصية بالوالدين مقرونة بتوحيد الله لبيان أهميتها في تربية النفس وتزكيتها وتصفيتها من كثير من الأكدار كالحسد والبغض ونكران الجميل ومقابلة الإحسان بالإساءة وغيرها، قال سبحانه: “وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا” [سورة الاسراء، الآية:23].

      ومن خرج منها بغير أخلاق بحيث كان يعامل أبويه بالسوء، خرج مذموما مدحورا، وكان ما بعدها من حياته ومن مصيره كدرا، بسبب ذلك حرم الله ورسوله العقوق واعتبراه من الكبائر بعد الشرك بالله. قال سبحانه: “والذي قال لوالديه أف لكما أتعدانني أن اَخرج وقد خلت القرون من قبلي وهما يستغيثان الله ويلك ءامن اِن وعد الله حق” [سورة الأحقاف: الآية: 17].

      وقال عليه الصلاة والسلام: “ألا أخبركم بأكبر الكبائر ثلاث؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: الإشراك بالله وعقوق الوالدين…” [أخرجه البخاري في صحيحه، رقم 2654].

      وبعد أعزائي القراء، يلاحظ أن معاملة الأبناء للآباء بميزان الإسلام حبلى بالقيم الإنسانية النبيلة؛  كالاعتراف بالجميل، ورد بعضه تقوية وتعزيزا لنفسية الآباء وإشعارهم أن جهودهم بنا ومعنا لم تذهب سدى، ثم خلق الشكر الذي هو شيمة الإنسان الحضاري، قال الأعز من قائل: “حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اَشكر لي ولوالديك إليَّ المصير” [سورة لقمان، الآية: 14]، والطاعة المتبصرة والبر والإحسان والتجرد في العمل لله حيث إن البر بالوالدين غير مرتبط دائما بمدى أدائهم لواجباتهم، ولكن طاعة لله. وغير هذه القيم كثير.

      وما علينا إلا أن نجدد ثقتنا بالله وبدين الإسلام الذي أرسل الله نبيه سيدنا محمدا عليه الصلاة والسلام به ليسعد البشرية ويجنبها بعض اختياراتها المجحفة في حق الآباء بالزج بهم في دور العجزة مما لا يليق وتكريمهم، وليرشد سلوكها تجاه أغلى فئة في المجتمع، وليبقيها داخل حضنها الطبيعي الدافئ في الأسرة بين الأبناء والأحفاد معززة مكرمة، يقول الله عز وجل: “قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اِتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم” [سورة المائدة، الآيتين: 15-16]، صدق الله العظيم.

————————

 1.  ابن العربي في: عارضة الأحوذي، رقم: 307/4.

 2.  حديث أصحاب المغارة، رواه مسلم في صحيحه، رقم 2272.

 3.  إبن العربي في: عارضة الأحوذي، رقم: 329/3.

التعليقات

  1. sara

    raou3a moufide jidane

  2. الدكتور أحمدأيت لمقدم

    الشكر موصول لفضيلة الأستاذ سيدي علي حماني على هذا الموضوع الهام للغاية، ولذلك أستأذنك في هذه الإضافة المتواضعة فأقول: إن من قيمنا الأصيلة التي أرستها الشريعة الإسلامية عناية الآباء بالأبناء ورعايتهم رعاية فائقة، حتى إن كثيراً من الآباء يضحي براحته ووقته وجهده وماله ليوفر لأبنائه المستقبل الزاهر السعيد؛ فالأب يكد ويسعى جاهداً ليوفر لأبنائه أسباب الثقافة والتعليم؛ مما لم يتوافر له هو نفسه، ويجد في ذلك تعبيراً عن معاني الأبوة الصادقة، وواجباً دينياً نحو أبنائه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته.. الرجل راعٍ ومسؤول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها".. متفق عليه.
    ومن سمات الأسرة المسلمة احترام الصغير للكبير وتوقير الأبناء لآبائهم وأمهاتهم لقول الله تعالى: "وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ" [سورة لقمان، الآية: 14]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا"، ويمكن لمس أثر ذلك فيما يبديه الأبناء نحو آبائهم وأجدادهم من احترام وتقدير بالغ، ويبرز هذا الاحترام والتوقير حين تقعد الشيخوخة الآباء عن العمل، وحين يتعاون الأبناء عن رضا وطيب خاطر لإعالة الآباء والأجداد وفاءً لجميلهم واعترافاً بفضلهم، وذلك علاقة فطريه وليست تعاقدية.
    ليس كل شيء في المجتمع يُحكم بالقاعدة القانونية، وإنما هناك أيضاً القواعد الأخلاقية والدينية والعادات والمجاملات، ولكل منها مجالها، ومن يخرج على هذه القواعد يقابله المجتمع بالإنكار، وقد يتعرض للعذاب الأخروي، أما من يخالف القاعدة القانونية؛ فإن السلطة العامة توقع عليه الجزاء المادي والحسي المنصوص عليه، والعرف أحياناً أقوى من القانون، لذلك فان الشريعة الإسلامية تعتمد في مصادر أحكامها على القرآن والسنة وتجعل المعروف عرفاً شائعاً.
    تأديب الأبناء واجب على الآباء: " فعن ابن عمر – رضي الله عنهما – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال : "كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِى أَهْلِهِ وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِى بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِى مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ – قَالَ وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ – وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِى مَالِ أَبِيهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ البخاري (853، 2416، 2419، 2600، 4892، 4904، 6719)، مسلم (1829)، أبو داود (2928)،الترمذي (1705)، أحمد (2/5، 54).
    هذا التأديب لا يعني إباحة الظلم والقسوة في حق الأبناء.. وبدلاً من الضرب والعقاب، نبين للطفل منافع الطاعة والصدق والأمانة وكل القيم الخلقية السامية التي جاء بها الإسلام، وما فيها من فائدة له وللآخرين في الدنيا والآخرة، مستعينين في ذلك بنصوص من الكتاب والسنة، ونعلمه أن إتباعهما سبب لرضا الرب وثقة الناس، مما يبعث في نفس الطفل الفضائل، ويدفعه إلى الحق والخير دون خوف من عقاب بدني..
    ولا يتأتى للفرد اكتساب القدرة على التحلي بالقيم الاجتماعية- الدينية التي نشير إليها إلا من خلال عملية التنشئة الاجتماعية، وهي العملية التي تتم أساسا مع الأطفال وتتوجه في المقام الأول إليهم…

  3. نوال الزاكي

    من المتعارف عليه أن العلاقة بين الآباء والأبناء هي علاقة أزلية قديمة قدم الدنيا تتأثر بالمحيط الذي ينشأ فيه الأفراد فتتغير القيم السائدة والسلوكيات الفردية والجماعية في هذه العلاقة المصيرية بحكم الظروف المتجددة، ولكن رغم ذلك فلا تزال حكمة عربية مشهورة جديرة بالتأمل وهي قول أحدهم: "ربوا أبناءكم على غير أخلاقكم؛ فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم" .

    ومما يجب أن يدركه الآباء والأبناء عن علاقتهما ببعضهما تذكر رباط الدم والنسب وضرورة الوعي بالحقوق والواجبات والعمل بأخلاق عالية وحس إنساني رفيع للحفاظ على هذه العلاقة وتزكيتها وتطويرها والسمو بها عن الخسة والعقوق وهذا أمر بديهي ينبغي مراعاته في مجتمعاتنا الإسلامية الأصيلة وتنبع إشكالية هذا الموضوع من التناقض الصارخ بين ما يجب أن تكون عليه العلاقة بين الآباء والأبناء و بين واقع هذه العلاقة، فنحن نتأذى يومياً بأخبار العقوق من جانب الأبناء ونتألم لأخبار تعسف بعض الآباء في تربية أبنائهم !!‏
    فمن المؤسف والمخجل أن تنتشر هذه الظاهرة السلبية في مجتمعاتنا الإسلامية حيث يتناسى بعضنا حدود الله في تعامله مع غيره .‏
    فمن أسباب تأزم العلاقة بين الآباء والأبناء يبرز الجهل الفادح بعالم الطفل على رأس القائمة، فالطفل عند يربى غالباً على تقاليد لا تراعي طفولة الطفل وترى فيه خطأ رجلاً مصغراً يمكن معاملته معاملة الكبار الراشدين، وهذا بلا شك يؤثر في الأطفال فتكون طفولتهم معتلة التوازن غير مشبعة إشباعا كافياً بما تتطلبه الطفولة من تلقائية ولعب وفرص كافية لتنمية الشخصية التي تتأثر مباشرة بسلوك الوالدين مع أبنائهم وهم أطفال.‏
    إن توفيق الآباء في إسعاد أطفالهم لا يتطلب تكويناً أكاديميا عالياً، ولا تخصصاً رفيعاً وإنما يحتاج الأمر إلى نظرة متبصرة بالحياة عامة وبالطفولة بخاصة مع التشبع بالحب الكبير والتفاؤل غير المحدود بالمستقبل وليس من عيب على الأب أن يعتبر طفله قطعة من كبده والتمسك بذلك ولكن احذره بلطف من امتلاكه والإساءة إلى تربيته وإفساد مزاجه بما لا يرضي الله ولا العباد.‏
    الحياة ببساطة متناهية هي أن يسود السلم العلاقة بين الأبناء والآباء وأن تختفي كل المسافات وكل مظاهر العقوق والتعنيف والعداء.‏

  4. نور الأماني

    بسم الله الرحمن الرحيم،
    سأبدأ من حيث انتهى صاحب المثل الذي قال فيه أن نربي أبنائنا على أخلاق أخرى غير أخلاقنا؛ لأنهم سيعيشون زمانا غير زماننا، أنا أقول هذا الإطلاق غير صحيح فمن قال هذا، لابد من التوضيح هنا نعم إن كانت أخلاق الآباء سيئة فهذا الأمر لا يحتاج إلى مثل نستشهد به، أما إن كانت أخلاق الآباء حسنة موافقة لما أمر به الله ورسوله فهذا المثل فيه من الشبهات ما فيه، ولهذا قلت إن إطلاق الأمر هكذا ليس صحيحا ولا صحيا، وهذا المثل يقودنا إلى تساؤل أرى أن طرحه أمر مشروع، والسؤال هو: هل الأخلاق تتغير بتغير الزمان والمكان؟ أم الأخلاق مبدأ ثابت لا يتغير بزمان ولا مكان؟
    أقول ألأخلاق أمر ثابت لا يغيره لا زمان ولا مكان ولهذا نجد أن الديانات السماوية مشتركة في هذا الموضوع، فمن يقول إن بر الوالدين أمر نسبي يتغير بتغير الزمان والمكان؟ ومن قال إن الحلم يتغير بتغير الزمان والمكان؟ نعم تتغير السلوكيات والتصرفات والعادات والتقاليد لكن هذا لا يعني أن نكيف أخلاقنا وتصرفاتنا وعلاقاتنا بالآباء وفق هذه المتغيرات، بل العكس هو الواجب أن نكيف هذه التقاليد والعادات… وفق أخلاقنا والتزاماتنا وواجباتنا. نعم يلعب الوسط الأسري دورا كبيرا في توجيه تصرفات الأبناء،وفي تكييف علاقاتهم بالآباء، وفق المستوى الذي يتصرف به الآباء.
    وأختم بقول الرسول الأعظم عليه الصلاة والسلام كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه…

  5. عبد الرحيم بن بوشعيب مفكير

    مهما تقدمت الدراسات؛ فإنها ستكتشف عدم قدرتها على إدراك عمق الحكم والدلالات والعبر المتضمنة في منظومة الأسرة، والتي تحتاج إلى تعبئة كل الفاعلين التربويين من أجل الحفاظ على هذه المؤسسة والذود عنها؛ لأن معاول الهدم تحيط بها من كل حدب وصوب.
    فهذه َالقلعة تحاول كثير من التيارات هدمها للإتيان على ما تبقى من معالم وأسس البناء الإسلامي، لعلمها بمحافظته على القيم.
    إن الحفاظ على بناء الأسرة مهمة صعبة، وقد احتلت مجالا لا بأس به في كتاب الله وسنة نبيه عليه السلام. قد تنفق الدول والأمم أموالا طائلة لبناء شخصية الإنسان وتنشئته التنشئة الحسنة على منهاج الشرع. ولن تحقق مبتغاه إن هي لم تأخذ بوصايا الإسلام وتوجيهاته، إن الآباء، في ميزان الإسلام، يحتلون مكانة عظيمة ويحتاجون إلى الاعتراف بالجميل الذي قاموا به، فقد عانت الأم منذ أن كان الطفل نطفة حتى يبلغ أشده وكذا والده.
    وما لم تتم تربيته على مبادئ الإسلام تضيع الأمة ونبدأ في مشاهدة الاعتداء على الأصول وضرب الآباء والتمرد عليهم والتنكر لهم، وبهذا تضيع القيم والمبادئ الإسلامية.
    إن وقفة تأملية تفرض علينا جميعا كل من موقعه إعادة النظر في التعاطي مع هذا الموضوع والتأصيل له من منطلق الإسلام باستقراء الآيات وتدبرها والتمعن في الأحاديث النبوية الشريفة التي حثت على بر الوالدين وطاعتهم والدعاء لهم والاستغفار وزيارة صديقهم، فالعبد إذا مات انقطع عمله إلا من ثلاث منهم ولد صالح يدعو له، وضمان كل الحقوق سواء في حياتهم أو مماتهم. إن قتل القيم في محيط الأسرة بداية الانهيار…

أرسل تعليق