Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

جوانب من تاريخ المعرفة الطبية بالمغرب (2)

من رجالات الطب والصيدلة خلال العهد الموحدي الطبيب السبتي أبو الحسن علي بن يقظان[1]، وأبو بكر يحيى بن محمد بن عبد الرحمان بن بقي السلوي تـ 563هـ، اشتغل بالطب وظهر فيه[2]، والشريف الإدريسي مؤلف كتاب “الجامع لصفات أشتات النبات“، وهو أحد الكتب التي اعتمدها ابن البيطار في كتابه “الجامع“، كما ألف كتابا في الأقراباذين “الصيدلة[3]، والطبيب سعيد الغماري، وأبو الحجاج يوسف بن فتوح القرشي المري، توفي 561هـ، له معرفة بالنبات كان يجلبه ويتجر فيه[4].

زيادة على هؤلاء فقد كان بالمغرب في هذا العهد عدد وفير من الأطباء، والصيادلة برسم خدمة خلفاء الموحدين، وبرسم خدمة المارستانات، منهم أبو مروان عبد الملك بن زهر الاشبيلي تـ 557هـ، ألف لعبد المؤمن بن علي الترياق السبعيني، كما ألف له كتابا في الأغذية[5]. وقد أثر ابن زهر هذا أثرا بليغا في الطب الأوربي، وظل هذا التأثير إلى نهاية القرن السابع عشر الميلادي، وذلك بفضل ترجمة كتبه إلى العبرية واللاتينية[6].

من الأطباء أيضا الوزير أبو بكر ابن طفيل القيسي الودآشي تـ 581هـ، وأبو الوليد ابن رشد استدعاه يوسف الموحدي إلى سكنى مراكش سنة 578هـ برسم الطب[7]، وأبو جعفر أحمد بن حسان القضاعي البلنسي تـ 598هـ، الذي ألف كتاب”تدبير الصحة”[8] وأبو جعفر بن الغزال المري، كان المنصور يعتمد عليه في الأدوية المركبة والمعاجين، ويتناولها منه[9]، وأبو بكر محمد بن الحفيد أبي بكر ابن زهر 577-602هـ[10] وأبو محمد عبد الله بن أبي الوليد ابن رشد الحفيد[11]. واختص حريم الخلفاء بطبيبات لأنفسهن، ومن هؤلاء أخت الحفيد أبي بكر ابن زهر وبنتها، كانتا عالمتين بصناعة الطب والمداواة ولهما خبرة جيدة بما يتعلق بمداواة النساء..”[12].

وقد عرف خلال العصر الموحدي مرفق يعرف باسم “بيت الأشربة والمعاجين الطبية“، وقد كان خاصا بخلفاء الموحدين، وهو من مظاهر تنظيم الطب في عهدهم، وقد تولاه أيام يوسف، أبو محمد قاسم الإشبيلي، وتولاه أيام يعقوب، أبو يحيى بن قاسم المذكور، وبقي في وظيفته هذه إلى أن توفي أيام المستنصر، فجعل ولده في موضعه عوضا عنه[13].

جوانب من تاريخ المعرفة الطبية بالمغرب.. (1)

واهتم الموحدون بشكل كبير بالمستشفيات، فقد أسس يعقوب المنصور مارستانات للمرضى والمجانين وأجرى الإنفاق على أهلها[14]؛ قال عبد الواحد المراكشي وبنى -يعقوب المنصور- بمدينة مراكش البيمارستان ما أظن أن في الدنيا مثله وذلك أنه تخير ساحة فسيحة بأعدل موضع في البلد وأمر البنائين بإتقانه على أحسن الوجوه، فأتقنوا فيه من النقوش  البديعة والزخارف المحكمة ما زاد على الاقتراح، وأمر أن يغرس فيه مع ذلك من جميع الأشجار المشمومات والمأكولات، وأجرى فيه مياها كثيرة تدور على جميع البيوت، زيادة على أربع برك في وسطه إحداها رخام أبيض، ثم أمر له من الفرش النفيسة من أنواع الصوف والكتان والحرير والأديم وغيره بما يزيد على الوصف ويأتي فوق النعت، وأجرى ثلاثين دينارا في كل يوم برسم الطعام وما ينفق عليه خاصة، خارجا عما جلب إليه من الأدوية. وأقام فيه من الصيادلة لعمل الأشربة والأدهان والأكحال، وأعد فيه للمرضى ثياب ليل ونهار للنوم من جهاز الصيف والشتاء.

فإذا برئ المريض فإن كان فقيرا أمر له عند خروجه بمال يعيش به ريثما يستقل، وإن كان غنيا دفع إليه ماله وتركته وسببه ولم يقصر على الفقراء دون الأغنياء بل كل من مرض بمراكش من غريب حمل إليه وعولج، على أن يستريح أو يموت، وكان في كل جمعة بعد صلاته يركب ويدخله ويعود المرضى ويسأل عن أهل بيت أهل بيت يقول كيف حالكم وكيف القومة عليكم؟ إلى غير ذلك من السؤال ثم يخرج، ولم يزل مستمرا على هذا إلى أن مات رحمه الله[15].

جاء في روض القرطاس[16] أنه في سنة 571هـ كان الطاعون الشديد بمراكش وأحوازها، فكان الرجل لا يخرج من منزله حتى يكتب اسمه ونسبه وموضعه في براءة ويجعلها في جيبه، فإن مات حمل إلى موضعه وأهله، وهذا النوع من “الكارني” الذي سبق الموحدون إلى استعماله كاف في الإعراب على عظمة الموحدين في ميداني الابتكار والنظام في مجال الطب[17].

إننا بلا شك إزاء نهضة طبية وصيدلية ملموسة المقاصد والأبعاد، يشهد على ذلك عدد الأطباء وقيمة مؤلفاتهم وعدد المستشفيات والمارستانات المنظمة وفق تنظيم دقيق، وليس غريبا أن يوازي هذا التقدم في الطب تشجيع الحركة العلمية بشكل عام خصوصا في العلوم الكونية والعلوم الفلسفية..

في ذروة هذا الازدهار الموحدي في مجال الطب ظهر مؤلف تصنيفي للمادة النباتية كتبه عالم إشبيلي قام بعمل ميداني في الغرب الإسلامي، هو أبو الخير الإشبيلي صاحب “عمدة الطبيب في معرفة النبات“؛  وهو الكتاب الذي خصصته بدراسة منشورة حول منهجه ومادته العلمية وقيمته المضافة[18].

يتبع في العدد المقبل

————————————————-

1. جمال الدين أبي الحسن علي بن القفطي. أخبار العلماء بأخبار الحكماء، مطبعة السعادة، الطبعة الأولى. 1326هـ. “3”، 160.

2. الضبي في البغية 1464، والتكملة 2782.

3. أحمد المقري، نفح الطيب، “2” 44 و 138.

4. ابن الأبار القضاعي البلنسي، التكملة لكتاب الصلة، المحقق: عبد السلام الهراس، الناشر: دار الفكر للطباعة لبنان، 1995 – 2079، ابن بشكوال، بن عبد الملك. الصلة في تاريخ أئمة الأندلس، عني بنشره وصححه وراجع أصله، السيد عزت العطار الحسيني، الناشر: مكتبة الخانجي، الطبعة: الثانية، 1955- 410.

5. ابن أبي أصيبعة: طبقات الأطباء، “2” 66؛  التكملة 1717.

6. دائرة المعارف الإسلامية، مجلد، “1” ع “3”.

7. ابن أبي زرع، روض القرطاس، 131 و 137 طبقات ط “2” 76.

8. ابن أبي أصيبعة: طبقات الأطباء، “2” 79.

9. ابن أبي أصيبعة: طبقات الأطباء، “2” 80.

10. ابن أبي أصيبعة: طبقات الأطباء، “2” 74.

11. ابن أبي أصيبعة: طبقات الأطباء، “2” 78.

12. ابن أبي أصيبعة: طبقات الأطباء، “2” 70.

13. محمد المنوني، مرجع سابق.

14. القرطاس، 138.

15. المعجب، 190 – 191.

16. روض القرطاس، ص: 171- 172.

17. العلوم والآداب والفنون على عهد الموحدين، لمحمد المنوني، الطبعة الثانية الرباط، 1397هـ/ 1977م.

18. جمال بامي: دراسة في كتابي عمدة الطبيب لأبي الخير الإشبيلي وحديقة الأزهار للوزير الغساني. هاديات من التراث لتطوير علم النبات الطبي بالمغرب. الرابطة المحمدية للعلماء. دار أبي رقراق، 2012.

الوسوم

أرسل تعليق