Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

المسيرة البشرية على مفترق الطرق

المسيرة البشرية على مفترق الطرق

كيف تواجه أمة تراجعت رؤاها حين بعد حين وتهرأت عصرا جديدا، بفكر قديم سقيم يحدث فجوة تشمل كل مناحي الحياة، وفوضى عارمة اختلطت فيها الرؤى في دوامة طمست كل الأبعاد الإيجابية للتقدم، والسقوط في هوة ومأزق كبير؛ فصورة الأمة في أعين البشرية مرسومة في أذهانهم ينبغي أن تكون مثالية في مواكبتها لكل متطلبات العصر، برؤية دقيقة لاكتشاف الواقع المزري، ومواصلة النهوض والتقدم الحضاري الإنساني الذي لا يرحم. في جو من الجدية والعزيمة والإرادة المتواصلة..

ومع كل أزمة يطرح الإشكال للصورة المشوهة لانعدام الوعي، وإرادة امتلاك سنن التغيير وآلياته، وليس من الإنصاف، والمشكلة التي تواجه الأمة مع الإنسان المعاصر، وكيف تتعامل مع العالم الجديد السريع التغير، وتحديد وضعها الخاص في هذا العالم، بل وفي الكون بره وجوه وبحره، مع هذه السيطرة التكنولوجية التي لا تتفق مع مسلوبي الإرادة، والقوة الهائلة التي أبدعها عقل الإنسان من الجانب الآخر، والمفارقات الصارخة وانعدام التوازن، والأمة في حاجة إلى شباب قل أن يجود الزمان بمثلهم، من أهل الكفايات، يجندون الأقلام والسواعد والعقول للرفع من مستوى العمل الذي يوظف لخدمة الأمة وصالح الإنسانية؛ لأن صاحب الكفاءة الفائقة جدير بالتقدم وأحق بالاحترام والتبجل، وليس من الطبيعي ولا من المستحسن أن يهمل الشباب المتعلم هذا الإهمال الشنيع، فترقية الشباب من دلائل نهضة الأمة، ورقي الإنسان بصفة عامة، والعمود الفقري إذا قدرنا أهمية النهوض.

إن الأمية بجميع معانيها ومعالمها وأشكالها، من جهل القراءة، وجهل مبادئ الزراعة الحديثة، وأصول حفظ الصحة وانعدام الوعي الاجتماعي، ومشكلة المشكلات هذا الإنسان الجاهل الاتكالي المحنط، وهو التمسك بالتقاليد السيئة، وهذا التأخر هو الذي يحتاج إلى التوجيه ليرقى إلى حيث نريد له أن يكون، والإصلاح الأبتر من نخبة انتهازية لا يسمن ولا يغني من جوع، نريده أن يرقى بفرق من الشباب متعاونين يهاجمون المشاكل ويطوقونها من جميع أطرافها، ويغيرون على المصاعب جماعات متآزرة، والتجاوب بين الشباب والأسر والمجتمع ركن أساسي يشجع على امتياز الثبات ليكون النجاح أعظم بألف مرة من الفشل في بعض الأحايين، مما يثير الدهشة ويدعو إلى الإعجاب ويلجم اللاهين والعابثين، وصفوة القول، أن العاقل من اعتبر يومه بأمسه، والعاجز من عجز عن سياسة نفسه.

والأرض بها خفايا كثيرة نريد من شبابنا أن يكشف عنها، بما يبني عليه سعادة الأمة والإنسانية على حد سواء في الأحقاب القادمة من الزمان، فالمهمة الملقاة على عاتقه مهمة ضخمة، للكشف على مسالك للحياة جديدة، ولا يعمل في الاتجاه المضاد؛ لأن الحياة تتحرك وهي تحمل أثقال ماضيها، والشباب السوي لا يمكن أن يكون خصما للتطور، ولو توقفت الحركة لانعدمت الحياة أصلا، والأمة أو المجتمعات التي لا تدرك القانون الإلهي تصاب بالشلل، والحركة عليها تقام أسس الرقي والتقدم والتطور، وإذا ثبتت الحياة كان ثباتها عائقا لمسيرة التطور والحياة في مجراها الطبيعي، ويحصل الارتباك وتختلط المفاهيم وتتشابك ويومها تموت الحياة بل ويموت الإنسان.

وبناء على هذا فليس بغريب على البشرية أن يتواجد ضمنها المستهجن والمتشدد والمتساهل، واليوم أوجه السؤال الآتي إلى القارئ الكريم: فأين حاضر الأمة من كشف سنن الكون التي تحكم الحياة والأنفس؟ والأزمات تفاقمت أبعادها، وانعكس ذلك على التنمية؛ لأن الإنسان غير السوي فاقد لآليتها المرتبطة بالعلم والتكنولوجيا، ولغة العصر أصبحت لغة الحاسوب وصناعة المعلومات والتطور التقني، ولا يغيب عن الأذهان أن هناك سننا للتداول الحضاري، والتخلف والانحطاط له أسباب وأسرار، والأولى أعمق من الأخرى، أضف إلى العوائق الفهم المغلوط للعلاقة بين الدين والدنيا، وسيطرة تقاليد الوهم، ويرحم الله الشيخ محمد الغزالي يوم قال: “إن الدين بالنسبة للإنسان كتيار الكهرباء للمصابيح، فإذا انقطع التيار أمست زجاجات فارغة لا يشعلها عود الثقاب”، والعالم المادي الكوني ليس فقط محكوما بالسنن، ونسق البناء الواحد، بل الأنفس والعمران البشري وسبل الحضارة والتحضر تخضع أيضا لسنن وقوانين، والشباب مطالب اليوم أن يفك ألغاز هذه الأشياء للناس، لتفادي الفجوة الحاصلة عند الطرفين، لنهوض حضاري فاعل منفتح لنقل تجارب السابقين، ومن سنن الحضارة ألا تكون فجوة بين أهل العلم وأهل الحكم، بل تعاون وصلة وثيقة.

وعلى شبابنا أن يفهم أن المسيرة البشرية على مفترق طرق، وعلى الشباب العالم ألا ينام له جفن، وينشغل بهموم الإنسانية، لوضع الحلول المقنعة للأزمات المتفاقمة، حتى يستيقظ كل إنسان ويتخلص من براثن التخلف والجهل والكسل والتواكل، فهو نبعها الصافي ومعينها الفياض وعطاؤها المتدفق، ويعايش الأحداث بالعرض والتوجيه والتقديم والنقد والتحليل، لتفادي الممارسات الخاطئة التي يكرس لها دعاة التخلف، ومن لا يلقي لأفكار الشباب بالا فالأيام له بالمرصاد؛ لأنه ركب بساط الرياح المادية بكل مساوئها متابعة للضلال فعجلة الحياة تلفظه، وإن دستور الثقافة الإنسانية الواحدة لمستقبل الحضارة والحياة هو الشباب، فكان ولابد للمجتمعات الإنسانية من إيجاد صيغ أكثر تطورا للحوار والتعبير والإقناع، لذلك فأرى أن الحاجة الماسة في عصرنا أن الشباب هو الذي له القدرة على انتقاء الصالح والمفيد، وهو المالك للضوابط الكابحة لمطامع الافتراس، وهو وعاء التواصل وليس مجرد أداة، وإلا بقيت الأمة ومعها البشرية في دوامتها لا ترى النور، وهو فوق ذلك صانع هوية أعمق وأوسع وأبعد مما يعنيه كثيرون من الذين لم يعيشوا وسط مجتمع إنساني متجانس، يرفض بعضهم البعض، مع عدم استحضار أهمية الآخر.

ومن اليوم ستودع الدنيا حياة بلا معنى ولا هدف، وستدب فيها الروح الفوارة، لينتشر النور الخالد، نور الإيمان معلنا لعهد جديد، يكتسح ليل ظلام دامس، انطفأت فيه مصابيح الهداية، فاندفع الإنسان يتردى في مستنقعات الغي الكالح، لمواصلة طريق الحياة الناعمة.

ولا ننكر أن البعض قد انحرف عن الجادة باسم مسار التجديد، غير أن ذلك لا يمكن أن يكون عائقا لمسيرة التجديد الصحيحة المنضبطة الواعية، والحراك العالمي اليوم هو حقبة تاريخية جديدة، لا مجرد تقدم في الثورة التقنية، وهذه الحشود البشرية كالقطعان المستلبة وعيا وإدراكا صارت كأنها لا ترى ولا تسمع، عليهم أن يحتكموا إلى الدراسات المقارنة في حياة الأمم والشعوب، وليس إلى وعاظ البؤس والفجيعة..

والله ولي التوفيق

الوسوم

أرسل تعليق