Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

الدعاء والإصلاح

do3ae_almithaq_172

يقول الله عز وجل تعالت صفاته: “قال يا قوم أريتم إن كنت على بينة من ربي ورزقني منه رزقا حسنا وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد اِلا الإصلاح ما اَستطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب” [هود، 88].

سيق هذا الدعاء في مقام تحاوري بين ما قاله نبي الله شعيب عليه السلام، وبين ما قاله الملإ من قومه. فمن جملة ما قالوا أنه بقدر ما تدل صلواته على ترك عبادة الآباء؛ فإنها تقتضي في الوقت نفسه تصرفا مخصوصا في ما يملكونه من أموال. قال تعالى: “قالوا يا شعيب أصلواتك تامرك أن نترك ما يعبد ءَاباؤنا أو اَن نفعل في أموالنا ما نشاء إنك لأنت الحليم الرشيد” [هود، 87]. إن رد شعيب لم يكن مجرد بيان مقاصده الحقيقية من دعوته ومن رسالته، كما لم يكن هذا الرد هو مجرد التضرع إلى الخالق بطلب العون والإنابة والتوفيق. كان رد شعيب بالإضافة إلى ما سبق تحذيره الشديد من مغبة أن يصل بهم الخلاف والشقاق إلى درجة السقوط في مهاوي ما أصاب الأقوام السابقة عليه مثل قوم صالح وقوم لوط. وهذا واضح في قوله تعالى: “ويا قوم لا يجرمنكم شقاقي أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح اَو قوم هود اَو قوم صالح وما قوم لوط منكم ببعيد” [هود، 89].

لا يتجسد مقصد شعيب عليه السلام من التبليغ مجرد نيل تميز المخالفة لقومه فيفعل ضد ما ينهاهم عنه. ليس هذا هو مقصود شعيب؛ لأنه لا تناقض بين أقول وأفعال الأنبياء والمرسلين وسائر المصلحين. لبس التناقض من شيمهم، وإنما هو من شيم الطغاة والجبابرة وسائر المفسدين الذين يضفون على أقوالهم سمات النصح ويصبغونها بألوان الحكمة والمنفعة، أما أفعالهم فتنبئ عن الشرور والضلال والمفاسد. وإلى الملمح أشار قوله تعالى: “أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم و أنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون” [البقرة، 43].

إن شعيب عليه السلام هو من المنتقدين لما عليه قومه من فساد[1]، نعم لا شك في ذلك، ولكنه ليس كغيره من المنتقدين “المتقعرين“، الذين ينتقدون الأشياء ويقفون عند حدود النقد دون أن يرتقوا إلى بيان ما يصلح المنقود، وإنما شعيب من صنف المنتقدين الذين يبينون وجوه الأخطاء ويعقبون بيانهم ببيان آخر يبرزون من خلاله ما يصلح تلك الأخطاء[2].

إن الإصلاح هنا يكون بتوفيق الله وعونه. قال الإمام الرازي رحمه الله: “إن قوله: “عليه توكلت” يفيد الحصر، وهو أنه لا ينبغي للإنسان أن يتوكل على أحد إلا الله تعالى وكيف وكل ما سوى الله سبحانه ممكن لذاته فان بذاته، ولا يحصل إلا بإيجاده وتكوينه، وإذا كان كذلك لم يجز التوكل إلا على الله تعالى. وأعظم مراتب معرفة المبدأ هو الذي ذكرناه، وأما قوله: “وإليه أنيب” فهو إشارة إلى معرفة المعاد، وهو أيضا يفيد الحصر؛ لأن قوله: “وإليه أنيب” يدل على أنه لا مرجع للخلق إلا إلى الله تعالى”[3].

—————————————————

1. كالتطفيف في المكاييل والموازين.

2. قال الإمام ابن عاشور رحمه الله: “ولما بين لهم حقيقة عمله وكان في بيانه ما يجر الثناء على نفسه أعقبه بإرجاع الفضل في ذلك إلى الله تعالى، فقال: “وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت و إليه أنيب” فسمى إرادته الإصلاح توفيقا وجعله من الله لا يحصل في وقت إلا بالله”. ابن عاشور، تفسير التحرير والتنوير، ج: 12 ص: 145.

3. الرازي، مفاتيح الغيب، ج: 18، ص: 38.

أرسل تعليق