Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

أهمية علم التزكية (2)

      علم التزكية أو علم التربية الروحية أو علم التصوف أو علم أحوال القلب.. كلها مسميات لمعنى واحد وهو: تصفية النفس من المعاصي والدناءات الظاهرة والباطنة وتحليتها بالفضائل والكمالات الخلقية، وترقيتها عبر المقامات السنية للوصول إلى حضرة رب البرية.

      وللتزكية أهمية كبيرة في حياة المسلمين، لا تستقيم بدونها، ولا يمكن أن نبني حضارة إسلامية متميزة تحتل الصدارة وتقدم النموذج الأمثل لما ينبغي أن تكون عليه الإنسانية من التقدم والرقي والازدهار إلا على ضوئها.

      1- بعد معرفة عيوب النفس وخطرها لابد للإنسان من تزكيتها وتهذيبها وتطبيبها، فكما أن الإنسان يُطبب نفسه من الأمراض الظاهرة ويشمر لها، ويخشى على نفسه من تفاقمها، ويبذل في ذلك مدخراته وكل ما يملك من أجل البقاء سليما معافى، فالأولى الاهتمام بنفسه وقلبه الذي هو سبب النجاة والفلاح يوم لا ينفع مال ولا بنون، قال تعالى: “يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلا مَنْ اَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ” [الشعراء، 88-89].

      ولذلك قيل[1]:

          تُطبِّب جسمك الفاني ليبقى         وتترك قلبك الباقي مريضا

      وقال أبو الفتح البستي[2]:

          يا خادم الجسـم كم تشقى بخــدمته         لتطلب الربح فــي مـــا فيه خســـران

          أقبل على النفس فاستـكمل فضائلها         فــأنت بالنفـس لا بــالجسم إنســـان

      وهذا ما يسمى عند الصوفية بالمجاهدة، وهي مطلوبة شرعا، يقول الراغب الأصفهاني في مفردات غريب القرآن: “الجهاد والمجاهدة استفراغ الوسع في مدافعة العدو، والجهاد ثلاثة أضرب: مجاهدة العدو الظاهر، ومجاهدة الشيطان، ومجاهدة النفس، وتدخل ثلاثتها في قوله تعالى: “وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ” [الحج، 76]، “وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ” [التوبة، 41]، “اِنَّ الَذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّه” [الاَنفال، 7]”[3].

      وقال النبي صلى الله عليه وسلم: “المجاهد من جاهد نفسه في الله”[4].

      2- التزكية عنصر الفلاح والنجاة والأمن من سهام النفس الأمارة بالسوء، يقول الله تعالى: “وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ” [الحشر، 9] [التغابن، 16].

      كما أنها سبب في دخول النعيم المقيم، وإزالة الحجب الظلمانية عن القلب الغافل، ومشاهدة أنوار القرب والتملي بوجه الحبيب في جنات الخلد، قال الله تعالى: “وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى” [النازعات، 39-40]. وقال تعالى بعدما أقسم أحد عشر قسما: “قَدْ اَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا” [الشمس، 9-10] وقوله تعالى: “يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ اِرْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي” [الفجر، 30-32].

      قال ابن عطاء عن النفس المطمئنة هي: العارفة التي لا تصبر عنه “أي الله” طرفة عين. وقيل: المطمئنة بذكر اللّه تعالى؛ بيانه “الَذِينَ ءَامَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ” [الرعد، 29][5].

      وإذا كان الناس يبحثون عن السعادة، فالسعادة الحقيقية تكمن في القرب من الله والاستئناس به، وترك ما سواه، وذلك لا يتأتى إلا بتزكية النفس، قال تعالى: “إِنَّهُ مَنْ يَاتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى، وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى، جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الاَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى” [طـه، 73-75].

يُتبع..

—————————————————

  1.  حقائق عن التصوف، 35.

  2.  ديوان أبي الفتح البستي، تحقيق: درية الخطيب ولطفي الصقال، مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق، 1410هـ/1989م. ص: 183.

  3.  المفردات في غريب القرآن، للراغب الأصفهاني، 1/131-132.

  4.  أخرجه الترمذي في فضائل الجهاد، باب: ما جاء في فضل من مات مرابطا، رقم الحديث: 1621. 3/565. وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.

  5.  الجامع لأحكام القرآن، 20/306.

أرسل تعليق