Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

شبابنا والمستقبل

      إن الإنسانية في الحقيقة ذات أبعاد متعددة متكاملة، لا تقبل التجزئة وفصل بعضها عن بعض، وهذا التكامل يتجلى في الوعي؛ لأن الإنسان هو المخلوق والكائن الوحيد الذي يملك الإرادة والوعي، والإدراك له جانبان: التفكير والإحساس وهما جانبان متصلان كوجهي عملة واحدة، وعملهما مترابط ومتداخل، ولا يستغني أحدهما عن الآخر، والتفكير يقود الأجيال الناشئة إلى القيام بالأعمال المحسوسة الملموسة، ورغم مشاركة الناس في الوعي والإدراك، لكنهم متفاوتون في العمق والاتساع، تبعا لثقافة الأسرة والمدرسة والمجتمع، حيث ينشؤون مع تفاوت في الملكات والتحصيل، وبذلك تسير الحياة دورتها الطبيعية من وقت لآخر، وتقاطع الطرق هي بداية النهاية لمجتمع منغلق مسدود الأفق، والمستقبل في جعبته كل عجيبة، ورحم الله الوزير بن إدريس الفاسي الذي كان يردد هذه القولة: “ليالي الشباب حبالى يلدن كل عجيبة”؛

      الأسرة والمجتمع يتطلعان إلى ما به نعصم الأجيال الناشئة ويفيدهم في مسيرتهم عبر الحياة بالتأمل الصادق، وتحريرهم من أغلال الحجر العقلي والتبعية العمياء، والتدرج بهم لينتقلوا من المعلول إلى العلة ومن المعلوم إلى المجهول، حتى يصبحوا أساتذة العلم والدنيا، وقادة الرأي والفكر، ورواد المعرفة والنهوض، وإقامة ميزان العدل في الخلق، وإفراد الله عز وجل بالعبادة والتعظيم قال تعالى: “الَذِينَ ءَامَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ” [الرعد، 29]، والتمسك بقيم الحق والخير والتزام الفضيلة ليذوق الناس طعم الحياة الحرة، وبركة الإسلام الحنيف الذي يخرج المجتمعات من التعاسة والشقاء، ورحم الله الإمام الشافعي يوم قال:

          ولرب نازلــــــة يضيق لهــا الفتــى **** ذرعـــا وعنـــد الله منهــا المخــرج

          ضاقت فلمـا استحكمت حلقاتهـــا **** فرجـــت وكنت أظنهـــــا لا تفـــرج

      والمصلحون عبر التاريخ لا يبالون بسفاهة السفهاء، ولا بسخرية الساخرين، والفضائل تتفاوت في دنيا الناس بين الشموخ والضآلة، ولكن قمة الفضائل معروف يسدى عن طيب خاطر إلى الغير ويتخلص المرء من غروره البشري الذي يعد العقبة الكؤود، فإسداء الخير آية كمال الإيمان وهو الزاوية التطبيقية لأنوار الإيمان التي تسطع فتضيء جوانب النفس فتوقظ فيها بواعث الخير، وشبابنا اليوم تعصرهم الأزمات والشدائد وهم بحاجة ملحة بما يثلج صدورهم ويريح قلوبهم المكدودة، نريد لهذه البراعم كالنبات أن تخضر وتورق، ثم تبلغ أقصى حالات الإيناع والنضرة، ومنهم لتسع ميدان الإنسانية اللاحب الأرحب، ليسعد الناس كما شاء خالق الناس، ولقد صدق الشاعر وهو يقول:

          وإني لأرجو الله حتى كأننـــــي **** أرى بجميــل الظن ما الله صانع

      والأمة في مقدمتها الأسر بشبابها اهتمامها باللباب دون القشر، والاشتغال بالجوهر دون العرض، والاستعداد الدائم لسلوك طريق الخير، والناس بسعيهم وإرادتهم في الأمور بالإضافة إلى الثبات، ومن ثمة فصدور الفضائل من الإنسان بغير ثبات عليها لا يجعله من الفضلاء، رجال ونساء يشاركون الناس في أحوالهم ويعيشون همومهم. إن أجيالنا الصاعدة في حاجة إلى من يؤطرها ليحس بعضها ببعض ويعين بعضها بعضا في حركته، ثم تترك لأمرها لتجد أن فيها من القوة الحيوية ما يجعل منها العمالقة كما كان أسلافها، وبذلك لا تحتويها المواقف الخاطئة، فتتحول أكثر إيجابية وانفتاحا، ومعروف أن الجماعة الصالحة أو الرفقة الطيبة الطاهرة تذكر الناسي وتعين الذاكر على السلوك والتطبيق، بل تدفع إلى الرقي في جميع الميادين ولا تتسفل أو تتدنى بل تصقل النفوس وتطهرها، والعدل مع هذه الصفوة لا ينقطع، والأمانة لديها لا تنشطر.

          والله من وراء القصد

أرسل تعليق