Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

وربك الأكرم الذي علم بالقلم

منذ بدأت الحركة الوطنية تعمل على رفع مستوى الشعب المغربي من الناحية الفكرية، وهي تتخذ شهر رمضان المعظم وقتا لإعداد دروس أولية للكبار والدعوة لها، ومطالبة الشباب المثقف بالتطوع لتثقيف إخوانهم من الطبقة الشعبية، ولقد أثمرت ثمرتها المرتقبة بالرغم عما كان يعاملها به المستعمرون من مضايقة وكبت واضطهاد.

لقد قدر لها أن تتوج بالنجاح وأن تخرج مواطنين كثيرين من ظلمة الجهل إلى نور المعرفة، ومن حالة الانحلال واللامبالاة إلى المواطنة الصالحة التي تهتم بمستقبل البلاد وتعمل على التضحية لمصلحة المجموع.

لقد كنا مترسمين في ذلك سيرة الرسول عليه الصلاة والسلام، والخطة التي أعلنها القرآن في أول آية نزلت منه ليلة 17 رمضان وهي قوله تعالى: “اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الاِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الاَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الاِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ” [العلق، 1-5].

فقد ذكر في هذه الآية القراءة والكتابة أو التعليم بالقلم، وذكر العلم والتعليم كل ذلك ذكر بصفته من النعم العظمى التي أنعم الله بها على البشر، والتي يجب أن يشكروه عليها، وأن يذكروه بها، وأم يجعلوها نظاما لحياتهم وأساسا يبنون عليه مستقبلهم.

وقد طبق الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك تطبيقا دقيقا، فقد اتخذ من المسلمين الأولين كتابا يكتبون الوحي عنه، وجعل يراقب كتابتهم مراقبة دقيقة، ويحتفظ بما كتب. وكل ذلك يدل على أنه قد جعل للكتابة والقراءة وربك الأكرم الذي علم بالقلمقيمة كبرى لم تكن لها قبل نزول هذه الآية؛ لأن سكان مكة إذ ذاك وهم قريش كانوا يعتبرون الكتابة صناعة من الصناعات التي كانت خاصة بطبقة يسمونها بالنبط مثل الحدادة والخرازة؛ أي كانوا يحتقرون من يتعاطاها، ويعتبرونه مكتسبا لعيشه بعرق جبينه لا بالسيف والنهب والسلب الطريقة المثالية في نظرهم، وزاد الرسول صلى الله عليه وسلم في قيمة القراءة والكتابة يوم اتفق مع المشركين من أسرى بدر التي وقعت يوم 17 رمضان على أن يطلق سراحهم إذا علم كل واحد منهم عشرة من صبيان المدينة القراءة والكتابة بمنزلة المال الذي يفدى به الأسير نفسه، ولقد كان لهذه الخطة أثرها الفعال في المسلمين، فانتقلت الأمة العربية فجأة من أمة أمية جاهلة إلى أمة كاتبة قارئة عالمة، ولم تمر إلا سنوات قليلة حتى أصبحت الأمة العربية أمة ذات شأن، بيدها مقاليد العالم لا في الشؤون السياسية والعسكرية فحسب بل حتى في ميدان الفكر والمعرفة، وقبضت على زعامة الإنسان لعدة مئات من السنين فلهذا السبب تختار الحركة الوطنية لحملة محاربة الأمية شهر رمضان اقتفاء منها بالخطوات التي سار عليها الرسول عليه أزكى الصلاة والسلام..

وإذا نظمنا محاربة الأمية فينا فلسنا في ذلك إلا صادرين من توصيات ديننا الحي، وتوجيهات الرسول عليه الصلاة والسلام. ولنا الحق في أن نفاخر كل أمم العالم، وكل الأديان بوجود هذا الأساس العظيم في ديننا، وفي تاريخنا المجيد، وأن المسلم منا إذا كان يتعلم القراءة والكتابة؛ فإنما يعتبر نفسه قائما بوجبات دينية، وينتظر الأجر الجزيل عليها من الله سبحانه وتعالى، ولنحذر الحذر الشديد في أن يكون ذلك فخرا فارغا لا يتجاوز حركة اللسان؛ فإن ذلك يتنافى أشد التنافي مع ديننا الذي هو الصراحة بعينها والوضوح بنفسه..

يجب أن نغير ما بأنفسنا ليغير الله ما بنا فنقلب الأوضاع التي نعيش فيها رأسا على عقب ونقضي على مختلف الأغلال التي تشغل أعناقنا لكي نتمكن من شق الطريق أمامنا طريق النهوض بأنفسنا وإصلاح حالنا إصلاحا عميقا يقضي على كل رواسب التعفن ويعصف بالأوهام والخرافات، ويحطم الركود الذي ران علينا وبذلك نقوم بنفس الثورة التي قام بها الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه ونحقق نفس الأهداف وما ذلك على الله بعزيز..

 

دعوة القرآن، ص: 93-96 الطبعة الأولى 1966م، مطبعة الرسالة الرباط..

أرسل تعليق