Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

محمد المسناوي الدلائي

شخصية هذه الحلقة علم بارز من أعلام الزاوية الدلائية المباركة، يتعلق الأمر بأبي عبد الله محمد المسناوي بن أحمد بن محمد المسناوي بن محمد بن أبي بكر الدلائي. ولد في الزاوية الدلائية عام (1072هـ/61-1662م) وبعد سبع سنوات، حمله والده مع الأهل إلى فاس، بعد أن خرب السلطان الرشيد بن الشريف العلوي زاويتهم الرائدة.

نشأ محمد المسناوي في فاس وقرأ على كبار علمائها، أمثال عبد القادر الفاسي، والحسن اليوسي، ومحمد بن عبد الرحمن الفاسي، ومحمد العربي القادري، ومحمد القسنطيني، وعبد السلام القادري، وأحمد بن العربي ابن الحاج، وعبد المالك التجموعتي، ومحمد المرابط الدلائي، ومحمد البوعناني التلمساني.

 شغل محمد المسناوي على التوالي الخطابة والإمامة بالمدرسة البوعنانية، ثم بضريح المولى إدريس، ثم مفتيا، وشيخ الجماعة بفاس. يقول الفاضل محمد الأخضر في كتابه: الحياة الأدبية في المغرب على عهد الدولة العلوية (دار الرشاد الحديثة، 1977، ص: 197): “وقد دفع الناس إلى احترامه وتقديره سلوكه المثالي، ووقار شخصه، وجلال مظهره، فضلا عن بالغ المحبة ومتين التعلق. كان متمكنا أشد ما يكون التمكن من قواعد اللغة، والفقه والحديث، والتفسير، والجدل، ذا ذاكرة عجيبة، ومقدرة فائقة في التعليم. أصبح المسناوي أكبر رجال الفتوى، لا يرد له حكم. وكثيرا ما كانت فتاويه تتعلق بمسائل العقائد وأمور المعيشة المادية. أما ما يتصل بدعاوي الطلاق؛ فإنه كان يتجنبها خوفا من أن يساعد على فصم العلاقات الزوجية.. “.

تخرج على يد محمد المسناوي الدلائي جماعة من العلماء من بينهم أكثر المؤلفين في تراجم رجال القرن الثاني عشر الهجري، ومن أشهرهم: ميارة الصغير، وابن عبد السلام بناني، وابن المبارك وعبد السلام جسوس، وابن زكري.

ترجم لمحمد المسناوي ليفي بروفنسال، في مؤرخو الشرفاء، ص: 301-302، وذكر بعض مراجع ترجمته، ك بروكلمان، تاريخ الأدب العربي، 2: 608، وترجمته أيضا في الذيل والتكملة، 2: 685، ع.  وعند كنون في النبوغ 1: 286-287، وعند ابن سودة في دليل مؤرخ المغرب الأقصى، 1: 79-80، 88- 89، و110 وعند الشيخ مخلوف، شجرة النور الزكية، ص: 333-334، وعند سليمان الحوات، في البدور الضاوية، وعند الحجوي في الفكر السامي، ص: 11/8-119، رقم 782، وعند العلامة حجي في  الزاوية الدلائية، ص: 83.

لمحمد لمسناوي مؤلفات عديدة، منها كتب التراجم والفقه، والتصوف، والأدب. ففي ميدان التراجم كتب رسالة في أبناء الشيخ عبد القادر الجيلاني بعنوان نتيجة التحقيق في بعض أهل الشرف الوثيق، ورسالة أخرى عن الشيخ الصالح أحمد اليمني بعنوان: التعريف بالشيخ أبي العباس اليمني، ورسالة ثالثة في نسب الشرفاء الأدارسة بعنوان: رسالة في نسب السادة الأشراف الأدارسة الجوذيين، ومناقب الشيخ عبد الله الخياط المعروف باسم: جواهر السماط، في مناقب سيدي عبد الله الخياط، ورسالة حول الشرفاء المشهورين بفاس سماها: تقييد في الأشراف الذين لهم شهرة بفاس لما وقع في المسألة من خلاف.

أما كتب الفقه فلصاحبنا حض مهم منها. نذكر كتاب  نصرة القبض، في الرد على من أنكر مشروعيته في صلاتي النفل والفرض، وقد أثار هذا الكتاب شبه ثورة في القواعد التقليدية للصلاة بدعوة إلى القبض الذي لم يكن مطبقا آنذاك خلافا لمذهب مالك القائل بالبسدل في الصلاة، وبذلك يسجل رجوعا إلى مبادئ الإسلام والسنة النبوية، دون التقيد بمذهب معين، وهناك أيضا كتاب جواب عما يقع في زمن المسبغة من كثرة السؤال .. وكتاب القول الكاشف، عن أحكام الاستنابة في الوظائف. يتحدث عن الطريقة المتبعة في إنابة آخرين للقيام ببعض الوظائف. ورسالة في تعريف الذمة بعنوان: صرف الهمة إلى تحقيق معنى الذمة.

أما في مجال التصوف فقد ألف المسناوي كتاب فوائد التصوف، وهو مجموعة أفكار مأخوذة عن مختلف الصوفية المشهورين، كأبي مدين الفاسي، ومن بين ما جاء في هذا الكتاب النفيس إشارات ولطائف تدل على علو همة هذا الفاضل من ذلك قوله في معرض الأخطاء الواقعة في الأنساب: ونظير هذا الإشكال ما وقع في نسب الشيخ سيدي محمد بن سليمان الجزولي من أنه من ولد جعفر بن عبد الله الكامل؛ فإنه لا يعرف في أولاد عبد الله الكامل من اسمه جعفر، باتفاق جميع من عدهم من الزبيري، وابن حزم، وابن أبي زرع، والتنسى. وإنما يعرف له محمد النفس الزكية.. فلعل في العمود إسقاط أو خطأ. وقد نبه على هذا بعض شيوخنا في أرجوزة له سماها بالإشراف على نسب الأقطاب الأربعة الأشراف.

يقول الفاضل محمد الأخضر في كتابه: الحياة الأدبية في المغرب على عهد الدولة العلوية” (دار الرشاد الحديثة، 1977، ص: 200): “إن مما يلفت النظر هذه الدقة الفائقة التي للمؤلف في الاهتمام بتأريخ الأشراف وأنسابهم. وقد رأيناه يخصهم بجميع مؤلفاته في التراجم والتصوف. ويسترعى الانتباه كذلك اعتماده في أنسابهم على أعلام النسابين المشارقة والأندلسيين، والمغاربة، والتونسيين، دون تمييز.

وفي جواب عن سؤال: هل العارف الكامل يملك الدنيا، ويتعاطى الأسباب الموصلة إليها، أم لا؟ وعلى فرض تعاطيها، فهل تشغله عن الله تعالى أم لا..؟ أجاب المسناوي: “إنه يملكها ويتعاطى أسبابها كغيره ظاهرا، وإن كان بخلافه باطنا، ولا يخل ذلك بزهده ومعرفته، كما لا يشغله عن قصده ووجهته؛ فإن الناس في طلب الدنيا على قسمين: عبد طلب الدنيا للدنيا، وعبد كلب الدنيا للآخرة.. “.

لا يمكن أن تكون هذه اللهجة سوى صوفية، كما تشهد بذلك الألفاظ الاصطلاحية الواردة فيها..

ولصاحبنا المسناوي كتاب جهد المقل القاصر، في نصرة الشيخ عبد القادر، وهو مؤلف في الدفاع عن الشيخ عبد القادر الجيلاني. يلتقي هذا الكتاب بالرسالة التي للمسناوي في نفس الموضوع، ليبين مدى إعجاب المؤلف بهذا الشيخ المربي الصالح عكس ما سيفعل الفقيه محمد أكنسوس بعد ذلك بقرن..

وقد خلف العلامة المسناوي كتبا في مجال الأدب العالي، نذكر منها المقامة الفكرية، في محاسن الزاوية البكرية، وهي طويلة في مدح الزاوية الدلائية.

يقول الفقيه المسناوي في المقامة الفكرية: “حكى النسيم بن سحر، عن الروض بن مطر، قال: لما تراكمت على الفوائد المبرح أعباء الأشجان، وتناوبت نوائب الدهر الحاقد في نفسي الأحزان، فلم أر لدواء علتي، وإطفاء غلتي، إلا السفر من حضرة فاس، وإن كانت عاطرة الأنفاس. فلما حان ارتحالي، وأحضرت ما هو أليق بحالي، أحاطت بي الإخوان جملة، وغشيتني منهم البدور والأهلة.

ولما وقفوا بفنائي، وما علموا في وقوفهم فنائي، وتتابعت زفراتي ولا كريح فيها إعصار، أنشدتهم ولساني يعثر متلعثما، ودموعي قد استحالت دما:

يا من لهم أقصى الحشا والـفوائد       منازل بـــل فـــي ســـواد البـــصر

ما عن رضــــى يا إخــوتي نأيـكمّ       بل نأيكـــم داء بقـــلـبي اســتقـرّ

لكن من قـد قضـى عليـــنا النوىّ       سيقضــي بالجــــمع إذا مــــا أمر

إن موضوع هذه المقامة يتحدث عن حدث جلل ومصيبة كبرى في تاريخ المغرب الفكري؛ يتعلق الأمر بتخريب زاوية الدلاء والإقامة الإجبارية لأهلها بفاس، ظل مدة طويلة محط كلام الأدباء الدلائيين وأحبائهم.

ولما أحس المسناوي بدنو أجله، نظم قصيدة يضرع فيها إلى الله تعالى أن يغفر ذنوبه، وأوصى أن يشيع بها إلى قبره ومنها:

يا رب عــطــــفا عــــلى مسئ       أتـــي بــــــه القوم للـــمقــــابر

فــــــجـــــاء فــــردا بغـــــير زاد       فخـــلف الأهــــــل والعــــشائر

وقد جرى عمل الناس في فاس بعد ذلك بقراءة هذه القصيدة عند تشييع الموتى، وكانت وفاة الشيخ المسناوي رحمه الله يوم 16 شوال 1136 هـ/ 1724 “وكان موته في العاصمة حدادا عاما حقا. ودفن في قبر كان قد حفره بنفسه منذ ثلاث سنوات خلت داخل ضريح محمد العايدي بروضة العلماء، خارج باب الفتوح“.

رحم الله محمد المسناوي وجازاه عن المغرب خيرا، والله الموفق للخير والمعين عليه.

أرسل تعليق