Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

رِعَاية المرابطين لِلأدب وأهْلهِ

لم يكن المرابطون أقلَّ بِرًّا بالأدب وأهله منهم بالعلم والعلماء، وليس أدلَّ على نفي ما يتهمهم به خصومهم في مجافاة الأدب وعدم الاهتمام به، من هذه الرعاية الكريمة التي أولاها أمراؤهم لعِليَة الأدباء من كتاب وشعراء منذ اليوم الذي توطَّدت فيه دعائم ملكهم. ولقد كانت عنايتُهم بأدباء الأندلس على الخصوص فائقة الحد، حتى لم يبق منهم أديب مرموق لم يُنَط به عملٌ في بلاط أمير المسلمين بمراكش أو في ديوان أحد الأمراء بالأقاليم.

رِعَاية المرابطين لِلأدب وأهْلهِ

وأول ما نذكر منهم الكاتب عبد الرحمان بنُ أسباط الذي كان في خدمة يوسف ابن تاشفين قبل دخول هذا إلى الأندلس، وهو الذي استشاره يوسف في الأمر عند ورود كتاب المعتمد عليه فقال له: إن أرض الأندلس ضيِّقة، إنما يعمُر المسلمون منها الثُمن وسبعة أثمان يعمُرها النصارى، ومن دخلها كان تحت حكم صاحبها. وهذا الرجل الذي استدعاك ليس بينك وبينه صداقة قديمة فربما إذا جزت إليه، وقُضي الغرض أمسك بها، فاكتب إليه انه لا يمكنك الجواز إلا أن يعطيك الجزيرة الخضراء، فتجعل فيها أثقالك وجندك ويكون حينئذ بيدك متى شئت الصدور عنها صدرت؛ فعمل بإشارته ولم يعبُر إلى الأندلس حتى سلَّم إليه المعتمد الجزيرة الخضراء فشحنها بالعَتاد والرجال.

واستكتب يوسف بعد ذلك أبا بكر بن القَصيرة، وكان من وزراء المعتمد وكتَّابه. وهو الذي أجاب عن كتاب الأذفونش[1] إلى يوسف عند عبوره إلى الأندلس، وكان “الأذفونش” يحاول أن يصرف يوسف عما عزم عليه من نصرة عرب الأندلس فأغلظ له في القول، ووصف ما معه من القوة والعدد وبالغ في ذلك ولهذا احتفل ابن القيصرة في جوابه أيُّما احتفال، وكان كاتبا مُفلِقا فلما قُرئ الجواب على يوسف قال هذا كتاب طويل، وأحضر كتاب “الأذفونش” وكتب على ظهره: “الذي يكون ستارهُ”  وقيل أنه كتب: “الجواب ما ترى لا ما تسمع” وأرسل إليه. فلما وقف عليه “الأذفونش” ارتاع له وعَلِم أنه بُلِي برجل له دهاءٌ وحزم يفعل ولا يقول، ويظهر من بعض عبارات الفتح في القلائد أن الكتاب المذكور تعرَّض لبعض شدائد الدهر قبل أن يُسعده الحظُّ بالالتحاق بخدمة أمير المسلمين..

يتبع في العدد المقبل..

عن كتاب النبوغ المغربي في الأدب العربي تأليف عبد الله كنون دار الثقافة، ج: الأول، ص: 78-79.

———————————————————-

1. ذكر في الاستقصاء 124 ج ل أن كلمة “الأذفونش” لقب لمولوك الأسبان وما نراها إلا تعريبا لاسم الفونش.

أرسل تعليق