Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

المسلم الحق موصول الوشائج بالروح الإنسانية

إذا أردت أن تتعرف على العالم قديمه وحديثه، فاصحب التاريخ في رحلة فكرية، وتمسك بالنزاهة والموضوعية أمام كل حقبة تسترعي انتباهك، إذا أردتها أن تكون رحلة إنسانية من النوع المثمر المثير، واعلم أنها مغامرة لها آثارها المتواصلة، يكتنفها الغموض والخوف والقلق، بل هي مخاطرة، وآنئذ سيتحول ضميرك إلى مسؤولية هي في ثقل الجبال، لأنك تنشد من خلال هذه الرحلة المعرفة بالكون ومن أبدعه، ولا تنسى أن الحياة على اليابسة رغم قساوتها تجعل الإنسان السوي يحمد الله على ما أعطى وقدر، ويحاول أن يجد لنفسه مكانا وسط المجتمعات القاسية التي لا تعرف للعواطف مقياسا أو ميزانا، ويعتبر نفسه مناضلا؛ لأنه يبحث عن مكان له بين العظماء، ويتعلم منها الحب والعطاء ليرتبط بكل ما يحدث في الدنيا، ولا يكتفي بالمنظر فقط داخل نفسه، وإنما عليه أن يخرج هذه النفس بكل المعاناة التي تعانيها البشرية قدم هذا الوجود، ومن خلال ذلك يحمل في قلبه حبا للبشرية جمعاء، وبهذا يكون قد وصل الحاضر بالماضي وأعاد للفكر والإنسان مكانتهما العريقة.

والمسلم في معاملاته المدنية ينبغي أن يكون موصول الوشائج بالروح الإنسانية، يشد على أيديها للكشف عن الدور الإنساني العظيم، ذلك لأن نهضة ألأمم وتطورها، وإن أثخنتها الجراح فهي الشاهد الحاضر الذي لا يغيب، والمشكلة التي تفرض نفسها علينا اليوم أن نقول ليس من حق أحد أن يفرض علينا مستلزمات حياة غير حياتنا، ولم يعد هناك مجال أن يقول إنسان اليوم أنا الكل في الكل أفعل ما أريد وأصنع كل ما يخطر لي؛ لأن الشعوب هبت من رقادها بوعي جديد لا يمكن معه وقف تيار النهوض، والآن لي همسة تصل إلى حد الرجاء فالحمد لله فالإسلام سيفتح الطريق إلى رضاء الله إلى الجنة، وقبل ذلك فالناس في حاجة إلى ما يخفف عنهم أعباء الحياة التي يعيشون أثقالها المادية الطاغية الطاحنة، وبالإسلام ستتغلب البشرية على هذه الحضارة المتمردة الهوجاء، وسنة الحياة هي التجديد والتغيير إلى الأفضل، وكل جيل يأتي بمجدديه المنبثقين من بين مفاهيم الماضي ومفاهيم الحاضر، والشعوب لا تتنكر لتراثها لكن عليها أن يكون هذا التراث منطلقا للتجديد والتغيير لا للتقليد والاجترار والتباكي على الدمن والأطلال.

وللتاريخ أمجاد تسيطر على جبين الزمان حافلة بالمعاني السامية، والقيم الأصيلة هي مشاعل التوجه إلى المستقبل، والغذاء الحقيقي لكل مجتمع إنساني يريد لنفسه التقدم والنهوض، والإنسان عليه أن يعترف أنه اختار إما التنكر الكامل لنفسه ليكون جسرا للعلم والمعرفة والآداب التي هي أسلحة المستقبل، وإما الانسحاب إلى موقع يتعامل معه كجثة هامدة، والإسلام يتسع لمعان أكثر نبلا وفهما لجوهر الحياة الإنسانية ومعناها وغايتها، ولقد ازدهرت الحضارة الإسلامية يوم كان الاجتهاد إبداعا حضاريا شاملا لحماية هذا البناء الحضاري وتمكينه من وسائل الإشعاع، ليكون منارة جاذبة هادية إلى صراط الإسلام المستقيم، والمسلم على الدوام في رحلة مباركة يسابقه النور وهو يعلم أن كل خطوة يخطوها مع كل يوم يمر نحو الآخر فهو إلى النصر القريب، ليمسح عن صدر أخيه الإنسان آثار الجراح التي رمته بها الحضارة المادية الجافة لأن الله جلت قدرته يقول: “واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون” [النحل، 127-128].

والله عز وجل قد أنزل على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم دينا لا ترقى إلى مقام حكمته وعقلانيته واتساق عقيدته وشريعته ما تعرفه الإنسانية من ديانات سماوية منزلة أو وضعية، ونحن اليوم نعلم مشاكل الحيرة الإنسانية بين أهل الثقة وأهل الخبرة، دون امتلاك كل الأدوات لتوفير القدرة الكافية على الإنجاز السريع لذلك فالمسيرة نحو الآخر صعبة المسالك ترتفع وتنخفض تستقيم وتلتوي كأنها تجاعيد الزمن، وهذا يحتم علينا أن نواصل تطوير وسائل الدعوة ورجالاتها بالأعداد المطلوبة، والإعداد الكامل بالمستوى اللازم وما يحتاجه من وقت ووسائل ودعم الاتجاه في التوازن والتكامل بقدر ما يخدم الإنسانية، مع مراعاة كل نموذج وبمواصفات معينة للعمل في أصعب الحالات والظروف.

المسلم الحق موصول الوشائج بالروح الإنسانية

ومن هذا المنظور سيتغير الوضع من اليأس المقلق في أعين الناس إلى أمل حقيقي، وبالمثابرة سنتخلص من عالم الأحلام إلى عالم الواقع، علاجه الحاسم الناجع، إيمان مطلق بالله سبحانه وتعالى، ومن كل ما تقدم نرسم صورة مثيرة تبشر بفتوحات رائعة، ونحن في العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين، ستفتح الكثير من مغاليق أسرار الهداية الربانية في دورة الحياة الإنسانية الحائرة، وفي تصوري أن كل هذا ممكن إذا توفرت الإرادات وبدأنا العمل من اليوم قبل أن تدركنا وصمة التواكل والكسل التي يتولد منهما الخراب والدمار للذمم وقد صارت واتجهت المجتمعات الإنسانية إن عاجلا أو آجلا إلى التفكك والانحلال وانتهى الأمر إلى ما لا يحمد عقباه وصدق الله العظيم إذ يقول: “قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السموات والاَرض” [الاَعراف، 158].

ولترويض الإرادة فالحقيقة تقول: إن خلف الأبواب المغلقة ووراء جدران الجفاف الإنساني حياة لا يعرف حقيقتها إلا الله عز وجل، والمسلم لا مفر له من الاحتكاك الطبيعي بالحياة والناس والمجتمعات، ومع بداية هذا الاحتكاك تتولد الخلافات والصراعات في الظهور بسبب التباين البيئي والاجتماعي وعدم التوازن الفكري، وبقدر من الذكاء والصبر وبقدر من نقاش لأفكار الآخرين، تفتح مساحة حوار لتلاقي الأفكار المتنافرة تجعل أهل الحق في مستطاعهم أن يوجهوا سفينة الحياة ليكونوا مع الإنسانية سفراء النيات الحسنة، وخاصة الشباب المتعلم من ذوي الشخصيات الممتازة والثقافة المنورة، ليوطدوا بين الإنسان وأخيه الإنسان أسباب التلاقي والصفاء، لذلك فهم الجديرون بهذا العمل، وبما يعزز أواصر التواصل الذي يحلم به كل الناس مع طرق الأبواب على الناس في كل بقعة من أرض الله الواسعة وإلا بقيت الدعوة باهتة قال تعالى: “وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين” [الاَنبياء، 72].

والحضارة نظام اجتماعي يعين الإنسان على الزيادة من إنتاجه بما يملكه من عوامل الإبداع، وبعدئذ تدفع به الحوافز تستنهضه للمضي في طريقه إلى فهم الحياة وازدهارها، وما دام الأمر كذلك فالمطلوب اليوم من الأجيال الحاضرة، والتي تعقبها أن تكون الأسوة، لمساعدة الإنسان على تقوية إمكانات التقدم والتبلور والنضج مساهمة في ترقية الحياة البشرية كلها، وفي نفس الوقت نصيرا لحرية الأفكار، والدفاع عن حق الاختلاف، وصاحبة حضور قوي بسرعة البديهة وجمال العبارة، تلقى الناس ببشر ووجوه طلقة وتواضع العلماء، وبما يثري العقول ويؤدب النفوس بما يرونه فيها من الصلاح والوقار والاتزان، ومراعاة عقول الناس وقدرتهم الفكرية ليستوعبوا بالفهم الصحيح ما يلقى إليهم، والبعد عن الاحتراف والنقل بدلا من الابتكار حتى لا يقع انفصام للعلاقة بين الملقن والمتلقي، وبين الحياة برحابتها وتكريس التخلف على التخلف.

وفي حياة كل إنسان نقطة تغير مجرى حياته علينا أن نبحث عنها لنحمل هموم الناس، ونشاركهم عذاباتهم ليتنفسوا عبير عبق الإسلام وأنسامه العطرة، وأن نتخذ من محبة ألإنسان وسيلة وغاية لنمحو من ذاكرته، ونضيف ليدرك الحقائق العليا في الوجود الإنساني المبرأة من دوافع الأنانية، وبواعث الهوى والعصبية، وغير خاف على ذي لب أن الناس في الحياة يألفون ذا الأريحية، وينجذبون إليه انجذابهم لشذى الورود والرياحين، وإيلافهم ينابيع السعادة، والفضائل في دنيا الناس تتفاوت بيت الشموخ والضآلة، والذي لا مراء فيه أن المسلمين الذين يسعون إلى هداية ألآخرين سيتبوأون قمة الفضائل الإنسانية؛ لأن الإسلام أرشد إلى التحلي بالأريحية لكونها الدعامة الأساسية الندية لتعزيز أواصر الأخوة الإنسانية..

والله هو الهادي إلى الصواب

أرسل تعليق