Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

الممارسة الفاقهة للترقي في مدارج الصلاح والإصلاح

ما دامت الأمة محافظة على تنفيذ أوامر ربها ستعيش مرفوعة الرأس قوية بربها عزيزة الجانب بإيمانها وصلابة صبرها لإخلاصها لعقيدتها، حيث لا يراها سبحانه حيث نهاها، ولا يفقدها حيث أمرها، بهذا سيمكن لها أن تنطلق في الحياة تبني وتشيد وتعمرها بالعمل الصالح الذي يعود عليها وعلى الإنسانية بالخير والرخاء في الدنيا ورضوان الله تعالى وفضله يوم يقوم الناس لرب العالمين قال تعالى: “ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون” [النور، 50].

والناس اليوم يتساءلون قائلين: أين موقع المسلمين من الحضارة الإنسانية؟ هذه الحضارة التي لا تعرف مكانا للضعفاء والمتواكلين، ولا يرحم أهلها الأقوياء السائرون كل متخاذل منطو على نفسه لا يهمه غير منفعته، فمات عند البعض جوهر الدين وروحه، وظهرت في المجتمع المتناقضات، وتفشى الجهل.. والآن ألا يستحق هذا الإسلام الحنيف الذي رعى قضية العقل لدى الإنسان، وزكى سيادته؛ إنه يجب أن نتعلم منه كيف نتعاظم فوق الحوادث، ونتسامى فوق النكبات ونتعالى على المحن، ألا يستحق منا القرآن الكريم أن ندل الإنسانية عليه وهو يصب في نهر الحياة، لترى الحياة وهي تستقي من معينه الإلهي، والموفق من بني آدم وبناته هو من يرى القرآن والحياة متعانقان معا في حب وحفاوة وإخلاص وجلال، ولو صدقنا مع الله ومع أنفسنا لانتقلنا من التشرذم إلى التكتل، ومن الضعف إلى القوة قال تعالى: “ومن اَحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين” [فصلت، 32].

الممارسة الفاقهة للترقي في مدارج الصلاح والإصلاح

والأسر المسلمة هي تلك التي تدرك الحق من كل نواحيه وهي تتعامل مع الأجيال، وكيف تتصدى للانحرافات التي تصدر من بعضهم، وتعرف كيف تغرس الثقة الكاملة بأنفسهم أولا ثم بالمجتمع ثانيا، كيف تعلمهم التفاؤل لتكون نظرتهم إلى الحياة نظرة التعاون والتآزر بما يرفع الكل إلى عالم النابهين الخالدين، كنبت أصيل طيب طاهر فاضل، مهما تلوثت عند البعض المفاهيم وتشوهت القيم بفعل آثم غادر خائن، ومن هنا تبدأ الصرخة البريئة للأسرة المسلمة، لرفع راية الإصلاح سالكة بالأجيال رغم المعاناة والعذاب طريق الأنبياء في الصمود والمواجهة وهي تحمل على أكتافها هموم الحاضر والمستقبل لتحرير المجتمع من الجهل والفقر لتصبح كل أسرة منارة تضيء الحياة بالمعرفة وتعيد المجد الذاهب الضائع.

والأسرة القدوة هي الصورة الصامتة التي ينطلق عطاؤها حين تخلو الساحة من الصدق والعفة، تمضي مع أبنائها وبناتها عاكفة على العمل حاملة الراية في حماس وإحساس نابه لا يتوقف، غير منعزلة عن موكب الإنسانية وتطورها، مؤمنة بأصالة الفكر الإسلامي في جذور عطائه، ومتطلعة إلى الجديد في الفكر الإنساني، متأملة بثاقب عقلها، ووازنة بفطنة مستنيرة، تدرك وتفكر في عواقب الأمور، مسترشدة بقوة اليقين والحق وبالحجة والإقناع، حتى تمكن لتعاليم الإسلام من النفوس لتسكن أعماق القلوب بطابع الحلم والتسامح بالعطف واللين، والإيمان الصادق الذي تتحطم على جنباته قوى الشر قال تعالى: “والذين ءَامنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات لهم ما يشاءَون عند ربهم ذلك هو الفضل الكبير ذلك الذي يبشر الله عباده الذين ءَامنوا وعملوا الصالحات” [الشورى، 20-21]

وبهذه الإطلالة الكاشفة فأنا لا أدعي أنه بإمكان الأسرة المسلمة أن تضع كل الحلول لكل هذه التعقيدات الحياتية؛ ذلكم لأن وضع الحلول يحتاج إلى تعبئة إنسانية شاملة، وما دمنا لم ننتبه؛ فإن مستقبل الإنسانية يمكن أن يصاب بكثير من ارتباك في الشكل، وبكثير من ارتباك في المضمون، فلنكن على وعي حقيقي بطبائع المرحلة من خلال فهم المعادلة الحضارية الراهنة، بما فيها من فراغ زمني وفراغ روحي وفراغ فكري.. وها هي قافلة الأسر متوكلة على الله مستمدة منه العون سبحانه، تؤجج عواطف الأخوة الإنسانية، وتدل على منابع الخير، وربط القول بالفعل طاعة وعبادة لله عز وجل، إيمانا من أسرنا المسلمة بضرورة القدوة الصالحة ووجود الأمة المسلمة، لتكون نبعا يستقى منه الإيمان والخلق الكريم، ولتحمل الأجيال الناشئة للإنسانية نسائم الإيمان وأريج التقوى ونور العلم الإلهي، وانفتاح الإنسان الواثق بنفسه وليس المضبوع المنبهر.

ورغم سدود التعصب فسماحة الإسلام وبشاشة حامليه الخالدين الذين يتعاقبون على حمل رايته منذ عهد الفاتحين من الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم إلى يوم الناس، لتهب من جديد على الإنسانية نسمات حديثة العهد بربها تعطر الأرجاء بارتفاع أصوات المؤذنين الصادحة بكلمة “الله أكبر” تغشاها الرحمة، وكأن موكب الملائكة الكرام عليهم السلام جاءت تزف تحية من أهل السماء إلى أهل الأرض، وقد علت كلمة الله الأرجاء، وقد أهلت من جديد بشائر الإسلام عمارة وأمنا وتسامحا وعدالة، وليرى الناس في هذا الكون الممتد المتسع من جليل صنع الله وبديع خلقه، وسبحان الله الذي يقول: “الذي أحسن كل شيء خلقه” [السجدة، 06].

وبقدر ما ترتفع الأسر المسلمة إلى مستوى الممارسة الفاقهة وتحليها وتسربلها بما تدعو إليه يكون عملها ناجحا يغير الفكر والمسلك والمعتقد عند كل إنسان، وتترقى بأبنائها وبناتها مدارج الصلاح والإصلاح صعدا، وكلما تابعت خطواتها إلا وكثرت العناصر الصالحة الخيرة التي تؤسس للمجتمع الإنساني الخير، وتراها ضربت في تربة الفلاح بجذور يصعب اجتثاتها، وهي الوقاية التي تصون الأجيال الحاضرة والقادمة من أبشع العلل والأمراض الممثلة في التدني إلى دركات الشهوات الحرام والهوى والفساد المتدفق والوصول بها إلى مرتبة الاتصال الدائم بالله سبحانه.

وختاما فليعلم القارئ الكريم أن الأسرة المسلمة هي بوابة العالم الإسلامي والجدار المنيع الذي إذا انهار؛ فإن الكارثة سوف تقع بشكل آخر لذلك فالأسرة المسلمة استوعبت حقائق دينها لتبني النهضة الإنسانية المرتقبة إن شاء الله على أساسه..

وبالله التوفيق

أرسل تعليق