Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

تعليق واحد

من مقومات تأسيس الأسرة المسلمة واستقرارها 3/3

البعد التعبدي للأسرة

قد يتوق الإنسان إلى تكوين أسرة، فيعمد إلى ذلك بمجرد الشعور الفطري والغريزي عموما، لكن خطر هذه النظرة السطحية البسيطة يكمن في عدم القدرة على الاستمرار في تحمل المسؤوليات الأسرية، والتي تعتبر أخطر على كيان الأسرة والمجتمع، مما يوقعنا في النظرة السطحية لمعنى الأسرة، والتي وقعت فيها تيارات عدة في واقعنا اليوم.

ولإن فطرنا الله على الغريزة الجنسية وأودعها فينا باستمرار؛ فإنه أقدرنا سبحانه على تنظيمها وجعلها في خدمة الإنسانية، ذلك بواسطة إعلاء الميول والتعالي عن الوقوع في مستنقع الرذيلة، وسلوك القصدية في بناء الأسرة، وهذا لا يتأتى إلا بشعور المؤمن داخلها بالطابع التعبدي، فقد ورد في صحيح مسلم عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “وفي بضع أحدكم صدقة” قالوا: “أيأتي أحدنا شهوته يا رسول الله ويكون له فيها أجر؟” قال: “أليس إن وضعها في حرام كان عليه وزر؟ وكذلك إن وضعها في حلال كان له أجر”.
إنه التأطير الأول والأولي لبناء الأسرة في الإسلام، والذي يؤدي مع غيره دور الضامن لاستمراريتها، بل والقاطرة الأساسية لسيرها.

بهذا الطابع التعبدي الذي ينظر به المؤمن إلى علاقته الجنسية رجلا أو امرأة، وإلى وضعيته الأسرية وهو يساهم في بناء صرحها الهانئ وعشها الدافئ، يستمد العون من ربه على إرضائه أولا بجهد تأسيسها واستمراريتها، وعلى تحمل مسؤوليات ذلك وتبعاته، مستلهما ذلك من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ثلاثة حق على الله عز وجل عونهم: المكاتب يريد الأداء، والمتزوج يريد العفاف، والمجاهد في سبيل الله” [1] . فالمؤمن بهذا الاعتبار يتزود من مفهوم دينه الحنيف للزواج، والذي هو المدخل المشروع لتأسيس الأسرة بدر كاف من الجدية والقصدية والشعور التعبدي، وكل هذه تستدعي إتقانا في أداء المسؤولية وإخلاصها.

كما أن الحقيقة الإسلامية فيما يتعلق بالأسرة تكتسب ديمومتها واستمراريتها لدى الفرد المسلم كونها مؤصلة من دينه الحنيف ومفصلة بتعاليمه وتوجيهاته الربانية، ويسلي المؤمن ويدفعه دفعا إلى تكوين الأسرة وفق مقومات دينه المرتضى لقوله عز وجل: “وانكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإماؤكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم” [سورة النور، الآية: 32]، حيث تشعر الآية المؤمن بالموجب، وتحثه عليه بوعده بأجري الدنيا والآخرة.

ذلكم هو المقوم الأساسي الأول حسب ما أعتقد، والذي يؤسس لأسرة إيجابية مستقرة، إنه البعد التعبدي للفعل الإنساني عموما، ولتأسيس الأسرة خصوصا.

عندها تنسد جميع أبواب الصلح والرجعة، فينسى الجميع مسؤولياته تجاه من تكون خلفته الأسرة منثورة بنين وبنات، إذ التفريط في ذلك جُرم في حق المجتمع والإنسانية قاطبة؛ لأن الأبناء يشكلون الامتداد الطبيعي للزوجين ولأسرتيهما، وكل تسريح بغير إحسان يؤدي إلى الجناية على هؤلاء نفسيا، وربما ماديا بسبب الصراع المستمر بين أبويهم من جهة، وبين أسرتي الأبوين من جهة أخرى.

فالضابط الأخلاقي الديني بين الزوجين على الخصوص وبين أسرتي الأبوين عموما، يجنب العلاقة الزوجية عوامل التفكك في الغالب، ويضمن استمراريتها مطلقا ببقاء العلاقة الزوجية، أو نسبيا بالافتراق بالإحسان.

فلطرفي الآية 126 من سورة البقرة إذا الأثر الإيجابي في تأسيس الأسرة في الإسلام على دعامة متينة، وفي استقرار أحوالها المختلفة.

تلك بعض ملامح مقومات بناء الأسرة في الإسلام واستقرارها التي إن انضافت إليها عوامل نفسية واجتماعية واقتصادية لا شك تثمر إنتاج العش الدافئ الذي تترعرع فيه الأجيال السوية.

وختاما، فإن مهمة تأسيس الأسرة وتكوينها ونجاحه بات رهينا اليوم – بعد ما ذكرنا – بتحمل المجتمع المدني مسؤولياته في تأهيل الشباب للقيام بمهمته في هذا المجال، وعدم ترك الأمر لمجرد الإقدام العفوي الفطري الغريزي البسيط، ولكن العقلي القصد، حيث يتعلق الأمر بالنواة الأولى للمجتمع؛ ولأن أعمال العقلاء تسمو عن مجرد العفوية وبعيدة عن الاعتباطية.

فالمجتمع المدني بات اليوم مسئولا وأكثر من أي وقت مضى، وأكثر من غيره على تخريج الشباب القادر على تحمل مسئولياته الأسرية، وذلك بواسطة خلق أوراش دائمة للتأهيل الأسري مواكبة لعملية الإقدام على الزواج، وعدم الاقتصار على المحاولات الخجولة والمؤقتة التي لا تؤطر إلا من الشباب وبشكل موسمي، على أن تكون هاته الأوراش مُسَددة ومرشدة بتعاليم ديننا الحنيف حيث أشرت إلى نزر منها في مقالتي المتواضعة هاته.

والحمد لله رب العالمين

————-

 1. رواه أهل السنن إلا النسائي.

التعليقات

  1. أحمد ديدي عضو المجلس الاكاديمي للرابطة

    بسم الله الرحمن الرحيم
    وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين

    المعاشرة الزوجية كما أرادها الإسلام هي تعبد لله ومودة ورحمة ولباس وسكن، ينبغي أن تكون العلاقة الزوجية، بالقناعة والمعاشرة بحسن الطاعة، والرعاية للزوج والعيال متبادلة بين الطرفين، المقصود منها عبادة الله المتمثلة في الإحصان والعفاف وتكثير سواد الأمة، وبحسن التقدير والتدبير والحشمة والعفة، ولو أن الأزواج اتقوا الله وراقبوه ليسر الله الزواج للشبان والشابات، ولكن أكثرهم عصوا ربهم فسلط عليهم المشكلات وأزمة السكن والإسكان، وصعوبة المهر ناطقة بذلك، حيث أن الشباب إذا أرادوا الزواج فليضعوا نصب أعينهم تقوى الله، لييسر لهم ذلك وهو القائل سبحانه: "ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب" [سورة الطلاق، الآية 2-3].
    والإسلام عالج مشكلة الزواج لمن أراد أن يحفظ نفسه، ويصونها عن فعل الحرام، ولا سيما ونحن في عصر تفاقمت فيه الفتن والأهواء، ولو أن الأزواج توقفوا عندها لجنبوا أنفسهم وبلادهم شر كثير من المفاسد، لأن الزواج البسيط هو تعبد لله عز وجل، واختيار المراة ذات الدين من خلالها يكون عش الزوجية بأقل التكاليف بعيدا عن المظاهر وخداع النفس لذلك قال عالم جليل:

    يا طالب الخليلة عليك بالأصيلة********* من أمها مهذبة في قومها مؤدبة
    تقول آت النار ولست آت العار********* لها أب يحاكي الأسد مؤديا حق الصمد.

    وعليه فلا ينبغي للمسلم أن يتخلى عن الزواج بحجة أو بأخرى، فقد ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما انه قال: "لا يتم نسك الناسك حتى يتزوج"
    وأخيرا، لا يسعني إلا أن أقدم شكري للأخ الكريم السيد علي حماني الذي وفق في اختيار هذا الموضوع الحساس والسلام.

أرسل تعليق