Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

٪ تعليقات

أخطاء الآباء في مواجهة أخطاء الأبناء

إن ما تطالعنا به وسائل الإعلام المحلية والعربية، سواء المرئية منها والمكتوبة والمسموعة من نتائج الدراسات الاجتماعية – حول سلوكيات أولادنا الناشئة عن ممارسات الآباء تجاه الأبناء  – يكاد لا يصدق، ويصيب بالدهشة وخيبة الأمل، خاصة إذا ما نظرنا إلى الأرقام المهولة والتحولات الكبرى في محيطنا الاجتماعي على المستوى التربوي؛ وكيف اختفت قيمنا بهذه السرعة؟ وكيف حدث هذا الخلل في منظومتنا الاجتماعية إلى هذه الدرجة؟ فالإحصائيات تقول:

•    مليون ونصف طفل يهربون من بيوتهم سنويا بحثا عن الحرية المفقودة في البيت؛
•    أكثر من ستة آلاف طفل ومراهق ينتحرون سنويا بسبب سوء معاملة الآباء للأبناء؛
•    وآخر ما نشرته بعض الصحف أن أبا انهال على ولده الوحيد (ثلاث سنوات) ضربا حتى الموت؟ في محاولة

منه لتدريب طفله على عدم التبول على نفسه،  ولم يرحم بكاءه أو توسلات أمه… وأكد الأب بعد فوات الأوان أنه كان يؤدبه ولم يقصد قتله.

إن مثل هذه الممارسات القاسية من الآباء بقصد تصحيح أخطاء الأبناء وتربيتهم وتقويم سلوكه،م ينتج عنه ما تمت الإشارة إليه من نفور وارتماء في أحضان الملاذات البئيسة، والاستسلام لليأس وفقدان الأمل في الحياة الكريمة… كل هذا يستدعي دق جرس الخطر، لمراجعة أساليبنا في التعامل مع أخطاء الأبناء، وذلك وفق المبادئ الآتية:

1-  تجنب علاج خطأ بخطأ آخر:  بعض الآباء لديهم مشاعر مرهفة يولد الخطأ – لديه- أثرا قد يغفل فيه عن الأسلوب الأمثل في التوجيه والتقويم والتسديد، وهذا شيء مركوز في النفس الإنسانية، وإذا استقرأنا صفحات تاريخ الرجال؛ فإننا نجد أمثلة كثيرة لهذه النماذج المتسرعة في ردة الفعل الغاضبة، دون تقدير لمشاعر المخطئ، حتى من أرقى النماذج تربية وأعلاها سواء، ومنها ما وقع لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الأعرابي الذي بال في المسجد، فعن أبي هريرة رضي الله عنهُ قال: قال: بال أعرابيٌ في المسجد، فقام الناسُ إليه ليقعوا فيه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “دعوهُ وأريقُوا على بوله سجلاً  [1]من ماءٍ، أو ذنوباً من ماءٍ، فإنما بُعثتم ميسرين، ولم تبعثوا مُعسرين”[2] ، ومثله الحديث الصحيح الإسناد لأبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: إن فتى شابا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ائذن لي بالزنا فأقبل القوم عليه فزجروه وقالوا: مه مه فقال: ادنه فدنا منه قريبا قال: فجلس قال: أتحبه لأمك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم قال: أفتحبه لابنتك قال: لا والله يا رسول الله جعلني الله فداءك قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم قال: أفتحبه لأختك قال: لا والله جعلني الله فداءك قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم قال: أفتحبه لعمتك قال: لا والله جعلني الله فداءك قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم قال: أفتحبه لخالتك قال: لا والله جعلني الله فداءك قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم قال: فوضع يده عليه وقال: اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وحصن فرجه” [3] فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء.

2- المبالغة في تصحيح الأخطاء: يعتقد البعض من الآباء أن المنهج الناجح في التربية يعتمد على رصد الأخطاء، وتسطير قائمة طويلة ومتجددة من تلك الأخطاء، ليتمكن المربي من التصدي لها بالعلاج حين وقوعها؟؟ مع اختلاف – بين الآباء – في درجة التضخيم لها حسب الاختلاف في الأمزجة والمعايير…

إن التطرف في تقدير الخطأ، ورهافة الحس في الشعور به، ينم عن خلل في  وزن الأمور بميزان الشرع والعقل معا، إذ الشرع الحكيم ينظر إلى الخطأ بالعفو والتجاوز، وما قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) [4] إلا دليل على إلغائه من الاعتبار ومن المؤاخذة عليه، فكيف يجيز الآباء لأنفسهم – مع كل هذه المبادئ والقيم المثلى في التعامل مع الأبناء – الإمعان في المؤاخذة على أخطائهم، حتى ولو خارج المنهج الإسلامي في تقويم السلوك؟ إنها مفارقة تربوية عجيبة تستدعي مراجعة منظومتنا الفكرية والتربوية للتخلص من آثارها السلبية والمسيئة إلى حق الأمة في رعاية أبنائها، فالأبناء أبناؤها ورصيدها الغالي، وأمل مستقبلها الواعد بالعطاء الزاهي، لذا فالأجدر بنا تفعيل طاقاتهم وتنمية مواهبهم، وتوفير جو الطمأنينة والسعادة لهم ليسعدوا وتسعد الأمة بهم، بدل مواجهة الخطأ بخطأ أفضع منه .

3- عدم التغاضي عن الخطأ: ولا يعني ما تقدم من الكلام أن نتجاهل الأخطاء حتى تستفحل؛ لأن المشكلات الكبيرة لا تولد دفعة واحدة، فالنار تنشأ من مستصغر الشرر، فكثير من الانحرافات تبدو بذرة صغيرة فإذا غذاها الإهمال، وأمدها التجاهل للعواقب، نمت وترعرعت وتجذرت في النفوس فيصعب اقتلاعها، وأكبر شاهد على ذلك ما نراه  ممن يضلون بعد الهدى، وينتكسون بعد الاستقامة، كان السبب في ذلك – غالبا- أخطاء وحالات من الضعف تدرجت بهم وتركوها حتى بلغت مداها، فوقعوا أسرى لتلك الأخطاء، وأصبحت جزءا من سلوكهم، وسواء كان الدافع لإهمال العلاج وتأخيره العجز والكسل، أو اعتقاد أن الزمن كفيل برفعه وتجاوزه، أو الخوف على جرح مشاعر المخطئ، وسواء كان هذا أو ذاك أو ذلك؛ فإن النتيجة لا تعدو أن تكون واحدة من اثنتين:

•    أن يستفحل الانحراف فيصبح صفة لازمة للمخطئ، وبالتالي يتصور أنه لا يستطيع الفكاك منه، وأكثر من هذا قد يدعوه ذلك إلى ركوب الانحراف واستمرائه واستعذابه؛ فتتضاعف المأساة

•    أن يستيقظ بعد فوات الأوان فيلقي باللائمة على أولئك الذين تجاهلوا خطأه ويشتط في اللوم، ما قد يفقده الصواب فيفقد معه المعين والناصح الأمين، فيزداد بعدا، ويغرق في أتون الآلام والهوان.

خلاصــــات:

إن تناول هذا الموضوع بالدرس والتحليل يتغيى الهمس في أذني الآباء، وإرسال رسالة مفادها ما يلي:

1. إن التربية علم يقوم على كذا من القواعد والمبادئ الموجهة للسلوك، فإذا أردنا أن نمارس هذا الواجب فيجب أن تكون خطوتنا الأولى إلى تنفيذه، الوعي بأهم مبادئ وقواعد هذا العلم.

2.  التزام منهج الإسلام في علاج الأخطاء؛ لأنه يعد الرائد الأول على كل المناهج التربوية، ومن أبرز معالمه الحكمة والرفق و.. و……(إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه)[5] ، حتى لا نقع في خطأ أفدح.

3. إن الأبناء هبة من الله غالية، ونعمة منه سبحانه تستوجب شكرا، ومن أولى الأسباب التي يستعين بها الأب على تقويم سلوك أبنائه الدعاء، ومزيد من التقرب إلى الله بأزكى القربات، فقد أثر عن محمد بن المنكدر قوله لولده: والله يا بني، إني لأزيد في صلاتي ابتغاء صلاحك، وليكن قول الشاعر رائدنا في نظرتنا إلى فلذات أكبادنا لمزيد من الحلم والعطف والحدب عليهم:

                  وإنما أولادنا بيننــــــــــــــــا       **        أكبادنا تمشي على الأرض
لو هبت الريح على بعضهم        **         لامتنعت عيني من الغمض

والله ولي التوفيق يتبع…

————

1. “السجل” بفتح السين المهملة، وإسكان الجيم: وهي الدلو المُمتلئة ماءً، وكذلك الذَنوبُ.
2. رواه البخاري، رقم (220) / ومسلم، رقم ( 284).
3. حديث صحيح الإسناد.
4. رواه الطبراني في الأوسط.
5. رواه مسلم، 2594.

التعليقات

  1. أحمد

    في الحقيقة موضوع مهم جدا ونعانيه كلنا، فالشباب في حاجة إلى النصح، والآباء كذلك.
    فهذه المواضع تتيح الفرصة لهما الأولاد والآباء إلى التفكير في شأن معاملاتهما مع والدهما، وفي النظر إلى الحياة بطريقة جدية، فشبابنا اليوم يعاني الكثير من الصراعات النفسية؛ لأن هناك ضغوط خارجية تتحكم فيه، وتجعله يتصرف بطريقة عفوية رغم نصائح الوالدين، فهذه فرصة لتوجيه هذه المقالات إلى الشباب والآباء كذلك لكي تساعدهم على حل مشاكلهم وغيرها…
    وشكرا

  2. رشيد ففاس

    بسم الله الرحمن الرحيم
    بداية أود شكر الأستاذ الفاضل والمشرفين على هذه المنارة الاعلامية النيرة، أريد تقديم بعض المعطيات المتواضعة
    عالميا:
    العنف ضد الطفل ظاهرة عالمية ففي تقرير الخبير المستقل المعني بإجراء دراسة للأمم المتحدة بشأن العنف ضد الأطفال، باولو سيرجيو بنهيرو، أن 53000 طفل قتلوا عام 2002 فقط وأن 80 إلى 98 في المائة يعانون من عقوبات بدنية في منازلهم مع معاناة الثلث من عقوبات قاسية باستخدام الآت وأدوات للعقاب، ويقدر عدد الأطفال الذين تعرضوا للعنف الأسري، سنويا على نطاق العالم، بما يتراوح بين 133 مليون طفل و 275 مليون طفل.
    أما محليا فالعنف ضد الأطفال في المجتمع المغربي ظاهرة ليست وليدة اللحظة، بل يمكن القول أن الانسان المغربي تعايش مع العنف وألفه وذاق من مختلف صنوفه، وصار من لوازم وضروريات التربية. فكلنا نذكر الامثال الشعبية من قبيل العصا لمن يعصى، والعصا خارجة من الجنة، وغيرها… كما نذكر كيف كنا نعاقب في المسيد والمدرسة بل كانت الصرامة والعنف على رأس الصفات اللازم توفرها في الاستاذ الجيد.والأب الذي يربي بشكل جيد في المخيال الشعبي هو الذي لا يفارق حزامه أو بلغته.
    فالمتغير الآن ليس هو ازدياد نسبة العنف فقط، بل هو ازدياد الوعي بخطورة هذا السلوك الغير المسؤول، وارتفاع الأصوات الداعية إلى وقفه وتجريمه، مما جعل الظاهرة تبدو على أنها راهنة وأنها بأبعاد أكبر لكن في الحقيقة هي أمر من صميم تقاليدنا.
    والملاحظ هو أننا نعيش حراكا قيميا خطيرا، فنحن نمر من ثقافة الحظر والمنع إلى ثقافة "افعل ما تشاء" وكل ما تشاء مع غياب الضمانات الكفيلة بالنجاح في تربية بدون حد أدنى من الإلزام والفرض.

  3. ندى بسيوني

    بسم الله الرحمن الرحيم
    ماذا يفعل الآباء وهم يرون أبنائهم يسيرون في طريق الألم والدموع؟
    نحن نلوم أبنائنا لأنهم يخطئون.. ولكن هل أخطأوا فعلاً..؟
    ومن ذا الذي لا يخطىء حتى بين الكبار؟
    وهل حقيقة خطأ هذا الذي وقعت فيه الابنة التي فشلت في دراستها، أو الابن الذي ضل الطريق؟
    أخطاء الشباب: إن ما يقع فيه الشاب أو الفتاة من أخطاء، هو في واقع الأمر ليس بأخطاء، إنما هو نتائج لأعمال وتصرفات معينة جاءت تبعا لتفكير سريع متهور بعيد عن النضج والعمق والتروي، وهي أننا يجب ألا نتوقع أن يأتينا إلينا أبناؤنا بمتاعبهم، فقليلون هم هؤلاء الأبناء الذين يلجأون إلى الآباء سائلين النصح، ساعين وراء التوجيه والإرشاد، وتكون النتيجة أن يجد الآباء أنفسهم أمام الخطب وجها لوجه، وهم يرون أبنائهم يسيرون أمامهم في طريق الألم والدموع والندم، ولكن حتى في هذه المحنة يجب ألا نفقد الأمل في الشفاء..
    فالتسليم بالأمر الواقع والخضوع للهزيمة، يقتل فينا الأمل، ويقضي على كل رغبة لنا في الاستمرار في الحياة..
    فكم من أبناء ضلوا الطريق في صباهم، ثم رأيناهم بعد ذلك مصلحين وعظماء سجل التاريخ أسمائهم.
    ماذا يفعل الآباء: ماذا يفعل الآباء إذاً ليجنبوا أبنائهم مخاطر السير في طريق الضلال، إن الوقاية لا تأتي إلا عن طريق العلم وعلى عاتق الآباء وحدهم تقع مسؤلية تبصير أبنائهم بحقائق الحياة وأمورها، وتحذيرهم من عواقب الانحراف والسقوط.
    إن أخطر مرحلة يمر بها الشاب أو الفتاة هي مرحلة المراهقة. فالشاب في هذه السن يريد أن يشعر أنه أصبح رجلاً.. وكذلك الفتاة، فهي الأخرى تحتاج إلى من يؤكد لها أنها قد أصبحت إمرأةً مكتملة النضج والانوثة..
    ومن هنا يبدأ دور الأبوين، يجب ألا يقدما على أي عمل من شأنه أن يشعر الأبناء بأنهم يعيشون في عالم آخر صغير غير العالم الذي يعيش فيه أبويهم. يجب أن نساعد الابناء على الاحساس بأن مشاكل الحياة واحدة، وكما أن لهم مشاكلهم، فللآباء أيضاً مشاكل لا تقل أهمية، ولا تقل خطورة عن مشاكل الشباب. المهم هو أن ينمي الآباء في نفوس أبنائهم الثقة بأنفسهم، وأن يعاملوهم كما يعامل الكبار.. أن يشجعوهم على أن يفكروا تفكيرا سليماُ ناضجاً..
    والشباب يميل بطبيعته الى إلقاء اللوم على الآخرين، ولا بأس أن نسمع كلمة لوم من أبنائنا على ما حل بهم من متاعب وما صادفهم من مشاكل.. ويجب أن نتقبل هذا اللوم. فأخطاء الابناء من أخطاء الآباء..
    ولكننا في بعض الاحيان نلوم الظروف، ونلوم القدر الذي لم يكن لنا يد فيما فعله بنا أو أصاب أبنائنا.
    وقد نكون على حق في تصورنا، وقد لا نكون فمشكلنا من صنعنا نحن، قد يكون لسوء الحظ نصيب فيما حدث لنا، ولكن الأسباب الحقيقية التي تكمن وراء ما تعرضنا له من متاعب ومشاكل ترجع أولا وقبل كل شيء إلى هذا القصور الذي أصاب تفكيرنا أو إلى تسرعنا وقصر نظرنا..
    لاتلوموا أبنائكم عندما يخطئون، ولا تتخلوا عنهم في فشلهم.. بل قفوا بجوارهم وساعدوهم على أن يحولوا فشلهم إلى نجاح. . عاونوهم على أن يروا دائماً هذا الشريط من الضوء، في أية ظلمة تحيط بهم مهما اشتد الظلام ومهما ازدادت حلكته…

أرسل تعليق