Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

النوازل الاقتصادية في المذهب المالكي.. (4)

 الجانب الاقتصادي للنوازل المرتبطة بالاستثمار الزراعي

النوازل الاقتصادية في المذهب المالكي.. (4)

النموذج الثاني: نوازل الخماس[1].

وهذا النوع من النوازل يعبر عن خصوصية الغرب الإسلامي في تطوير الشركة الزراعية، ويصور حدود وظيفة الخماس، وطبيعة العلاقة التعاقدية بين الخماس ورب الأرض، كما يبحث في الإشكالات القانونية التي تنشأ عن هذا التعاقد، وتبرز أهمية نوازل الخماس في الكشف عن الجوانب الاقتصادية التي سادت في الغرب الإسلامي والتي جرى بها العمل في أقطاره.

فمن ذلك أن أبا علي القوري سئل عن مسألة الخماس، فأجاب: أما الخماس فلا يجوز إلا إذا كان بمعنى الشركة، وتكون قيمة عمله بقدر الجزء الذي له، ويكون له، وعليه من جميع ما يتعلق بالشركة جزؤه، فذلك جائز، وله حينئذ حظه من كل ما يكون في الزرع دون شريكه، ثم انتقد الطريقة المستعملة عند الناس فهو يقول: “والمستعمل منه اليوم بين الناس غالبا ما لا يجوز لكونه آجر نفسه بشيء مجهول”[2]، وذهب بعض الشيوخ إلى أن وظيفة الخماس أن يحرث، وينقي، ويرفع الأغمار، ويحصد ويدرس، وينقل السنبل إلى الأندر، وإن شرط عليه غير ذلك فلا يجوز، إلا أن العادة في البادية أن رب الأرض يشترط على الخماس القيام بالبقر، والاحتشاش له، وحمل الحطب، واستقاء الماء إن احتاج إليه، وهذا يفسدها كما أن الخماس يشترط على رب الأرض الكبش والجلابية والسلهام[3].

فهذا يبين طبيعة الالتزامات التعاقدية التي كانت قائمة بين الخماس ورب الأرض ببادية الغرب الإسلامي، سواء ما تعلق منها بطبيعة عمل الخماس وما يجب عليه أو بحقوقه اتجاه صاحب الأرض، من كسوة وطعام وغيره.

ومن الإشكالات التي تطرحها مسألة الخماس قضية العمل، هل كلها على الخماس أم أن الحصاد والدرس والعمل كله بينهما، وهو مذهب مالك[4]، إلا أن العمل بقرطبة أن الخماس يقوم بالعمل كله، فقد سئل ابن لبابة[5] عن الذي يشترط على المناصف والمثالث والخماس ألا يحصد رب الأرض معه ولا يدرس، وأن يكون العمل عليه كله، فأجاب هذا العمل الجاري في بلدنا، وعليه كان مشايخنا الذين مضوا، وهو كان مذهب عيسى ابن دينار[6]، وعلى مذهب عيسى مضى العمل ببلدنا، وكان مذهب مالك لا يجوز لأنه غرر ومجهول[7].

فهذه النازلة تبين لنا التطور الذي حصل في مسألة الخماس، ومخالفة العمل بقرطبة لما تقتضيه قواعد المذهب المالكي، لأن العادة والعرف جرى بخلافهما؛ ولأن الفقهاء جوزوها.

وقضية العرف لها تأثير في طبيعة التعاقد بين الخماس ورب الأرض، هل هذا التعاقد ينتهي بمجرد القسمة، أم أن هناك فرقا بين الزرع والشعير والقطنية والقطن، فبينما تنقضي الشركة في الحبوب بمجرد أخذ كل واحد حصته، فإن القطن لا يمكن تطبيق هذا المعيار عليه؛ لأن أصوله تقيم في الأرض أعواما كثيرة. وهذه النازلة[8]، وقعت بتادلا. ووقع الخصام فيها، وهذا يعكس وجود زراعة القطن في هذه المنطقة في القرن الثامن، وقد تصدى للإجابة عنها مجموعة من الفقهاء منهم الفقيه السطي[9]. وقد فرق في جوابه بين شركة المزارعة والقطن، فجوزها في البلد التي تنضب غلته وتنقضي في العام الواحد، كالحبوب والقطاني والذرة والمقاتي، ولم يجوزها في البلد الذي فيه القطن؛ لأن القطن تقيم أصوله في الأرض أعواما كثيرة[10]، وهو في جوابه يكشف عن ظاهرة اقتصادية ببلاد الهبط وتتعلق بزراعة القطن، فهو يقول: “والعادة عندنا بالهبط أن القطن يغتل العشرين سنة وما قاربها، فما كان منه في البلدان كذلك، فهو كالأصول الثابتة، لا تجوز مزارعته إلا على وجه المغارسة”[11].

فهذا النص يكشف عن طبيعة النشاط الاقتصادي ببلاد الهبط خاصة ما يتعلق بزراعة القطن، وطرق التعامل بين الخماس ورب الأرض، وهو بذلك يصور وجها من أوجه الاستثمار الزراعي في فترة معينة في قطر من أقطار الغرب الإسلامي..

يتبع في العدد المقبل..

—————————————————–

1. حول مسألة الخماس أنظر منهج الاستثمار في ضوء الفقه الإسلامي: علال الهاشمي الخياري، ج: 2، ص: 41 وما بعدها. مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة الأولى 1413هـ/1992.

العرف والعمل في المذهب المالكي ومدلولهما لدى علماء المغرب: عمر الجيدي، ص: 477، طبعة اللجنة المشتركة لإحياء التراث الإسلامي بين الحكومة المغربية ودولة الإمارات المتحدة، 1984.

2. المعيار، ج: 8، ص: 150.

3. المعيار، ج: 8، ص: 151.

4. المعيار، ج: 8، ص: 154.

5. ابن لبابة: أو عبد الله محمد بن عمر بن لبابة القرطبي، دارت عليه الأحكام نحو ستين سنة، مع نزاهة وتقشف وتواضع توفي سنة 314هـ، ترجمته في الديباج لابن فرحون، ص: 178. طبعة التراث بمصر دون تاريخ.

6. عيسى ابن دينار القرطبي فقيه الأندلس ومعلمهم الفقه أخذ عن ابن القاسم، توفي سنة 212هـ. ترجمته في الديباج، ص: 178.

7. المعيار، ج: 8، ص: 154.

8. المعيار، ج: 8، ص: 145.

9. السطي: أبو عبد الله محمد بن سليمان السطي نسبة لقبيلته قرب فاس أحد أعلام فاس مشاركة وإتقانا وحفظا وضبطا له، شرح المدونة توفي سنة 750هـ.

نيل الابتهاج، أحمد بابا التنبكتي ص: 243 منشورات كلية الدعوة الإسلامية طرابلس، الطبعة الأولى 1398هـ/1989م.

10. المعيار، ج: 8، ص: 145.

11. المعيار، ج: 8، ص: 146.

أرسل تعليق