Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

تأويل الخطاب ومقتضياته التداولية.. (2)

الدلالة والسياق

الدلالة والسياق

إذ عرفنا أن الخطاب إنما يدل بقصد المتكلم وإرادته، وأن الفقيه في مسعاه التأويلي ينشد الوقوف على مرامي الخطاب الشرعي وتعقب مقاصده الدلالية، لابد من تقرير حقيقة أساسية مقتضاها أن تحصيل الدلالة الشرعية المقصودة لا يتأتى بمعزل عن السياق واستلزاماته، مادام المقصود الدلالي تتوارد عليه “احتمالات دلالية” أخرى تلابسه بمقتضى مسلمة احتمالية الخطاب، ومن ثم يكون للسياق دورا حاسما في توجيه الفقيه الوجهة السليمة في ممارسته التأويلية.

2-1 مفهوم السياق

إن تحصيل دلالة الخطاب تحصيلا سليما يتوقف على مجموعة من الملابسات والمعطيات التي تشكل الإطار العام للفعل الخطابي، هذا الإطار اصطلح على تسميته بالسياق.

ومن بين التعاريف المقترحة له أنه “النظم اللفظي للكلمة وموقعها من ذلك النظم، وذلك بأوسع معاني هذه العبارة. إن السياق على هذا التفسير ينبغي أن يشمل لا الكلمات والجمل الحقيقية السابقة واللاحقة فحسب، بل والقطعة كلها والكتاب كله، كما يبنغي أن يشمل  -بوجه من الوجوه- كل ما يتصل بالكلمة من ظروف وملابسات، والعناصر غير اللغوية المتعلقة بالمقام الذي تنطق فيه الكلمة لها هي الأخرى أهميتها البالغة في هذا الشأن[1]، ومن ثم “فالطاقات الإيحائية للمفردات تستقيم وتكتمل عبر العلاقات التي توجه توافقها وتآلفها في السياق (..) إذ المعنى يتكون فقط في السياق الكلامي. وفي تآلف الكلمات بالذات تختزن المعاني الجديدة وتتولد وتنخرط في علاقات متجددة تستجيب لمتطلبات التعبير[2].

وعلى الجملة إن السياق يستلزم معطيات عديدة ومترابطة تشكل مكونات جوهرية له، وقد نجملها فيما يلي[3]:

أ. المعطيات التي تختص بلغة الخطاب، وتشمل مجموع العناصر المقالية أو اللفظية للنص كالوحدات الصوتية والصرفية والعلاقات التي تنتظمها وطريقة ترتيب هذه الوحدات داخل الجمل ومظاهر النبر والتنغيم.

ب. المعطيات التي تختص بمنشئ الخطاب أي المتكلم كالمعتقدات والمقاصد والتوجهات والقيم.

ج. المعطيات الخارجية التي يتم فيها الخطاب كالظروف الزمانية والمكانية والبيئية والحالية.

د. المعطيات الحوارية؛ أي جملة المعارف المشتركة بين المتخاطبين والتي على ضوئها يتم التفاعل فيما بينهم[4].

يتبع في العدد المقبل..

————————————————–

1. دور الكلمة في اللغة، أولمان ستيفن، ص: 61-62، ترجمة وتقديم كمال محمد بشر، مكتبة الشباب، مصر، 1990. انظر كذلك مشكل المعنى عند اللغويين العرب القدامى، بوشتى العطار، رسالة دكتوراه في اللسانيات، جامعة محمد الخامس، كلية الآداب، الرباط، 1995.

2. بحوث ألسنية عربية، ميشال زكريا، ص: 82، المؤسسة الجامعية للدراسات، بيروت، 1992.

3. المقاربة التداولية، فرانسواز أرمينكو، ص: 65 وما يليها، ط 1، 1987، ترجمة سعيد علوش، المؤسسة الحديثة للنشر والتوزيع.

4. نظرية المعنى من خلال تأويل النص القرآني الكريم عند الأصوليين، عبد الرحمان العضراوي، ص: 491 وما يليها، رسالة دبلوم الدراسات العليا،  كلية الآداب، الرباط، 1994.

أرسل تعليق