Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

تأويل الخطاب ومقتضياته التداولية.. (2)

الدلالة والسياق

تأويل الخطاب ومقتضياته التداولية.. (2)

يظهر إذن من خلال هذه التحديدات السالفة الذكر في العدد 150 من جريدة ميثاق الرابطة أن السياق “ليس متعلقا بمستوى واحد من مستويات الخطاب -أي خطاب كان- وإنما يتعلق بمستوياته المختلفة البعيدة أو القريبة، الداخلية أو الخارجية، المباشرة أو غير المباشرة[1].

وإذا علمنا أن الممارسة الخطابية ظاهرة معقدة، إذ هي نتاج تفاعل حي بين فعلين تواصليين هما فعل الإفهام الذي يقوم به المتكلم وفعل الفهم الذي يضطلع به المخاطب؛ فإن السياق بدوره يتسم بالتعقيد، حيث تنفذ آثاره إلى كافة أبعاد الخطاب: فلفعل الإفهام سياق مخصوص، ولفعل الفهم سياق مخصوص أيضا، وهذه السياقات تتفاعل فيما بينها على وجه التكامل والازدواج شاهدة على ثراء الخطاب، وبيان ذلك أن “إنشاء مدلول القول في عملية التكلم وتأويل هذا المدلول في عملية الاستماع، يتطلبان معا التوسل بسياقات مزدوجة، فسياق “الإنشاء” يحتوي نصيبا من سياق “التأويل”، وسياق “التأويل” يحتوي نصيبا من سياق “الإنشاء”، وعلى قدر هذا النصيب المشترك يكون التفاهم، حتى إذا عظم هذا النصيب واتسع اتساعا، ارتقى التفاهم إلى الفهم والتواصل إلى الوصال[2].

والقول الجامع في هذا الموطن أن السياق هو جملة القرائن والاعتبارات المقامية المفيدة في ترجيح أحد الاحتمالات الواردة في الخطاب.

2– 2. دور السياق في تحديد دلالة الخطاب الشرعي:

لقد كان الأصوليون على وعي تام بالدور الفعال الذي يقوم به السياق في تحصيل دلالات الخطاب الشرعي شأنه في ذلك شأن سائر الدارسين القدامى ممن عني بتحليل الخطاب كالبلاغيين والمفسرين، فالسياق يعتبر “من أعظم القرائن الدالة على مراد المتكلم، فمن أهمله غلط في نظره وغالط في مناظراته[3].

ويقرر الغزالي أن الخطاب إن تطرق إليه الاحتمال “فلا يعرف المراد منه حقيقة إلا بانضمام قرينة إلى اللفظ، والقرينة إما لفظ مكشوف كقوله تعالى: “وءَاتوا حقه يوم حصاده” [الاَنعام، 142]، والحق هو العشر، وإما إحالة على دليل العقل كقوله تعالى: “والسماوات مطويات بيمينه” [ الزمر، 64]. وقوله عليه السلام: “قلب المومن بين أصبعين من أصابع الرحمان“. وإما قرائن أحوال من إشارات ورموز وحركات وسوابق ولواحق لا تدخل تحت الحصر والتخمين، يختص بدركها المشاهد لها فينقلها المشاهدون من الصحابة إلى التابعين بألفاظ صريحة، أو مع قرائن من ذلك الجنس أو من جنس آخر حتى توجب علما ضروريا بفهم المراد أو توجب ظنا”[4]..

يتبع في العدد المقبل..

—————————————————

1. عوامل استخراج المعنى في نماذج من كتب الغريب، عبد الله طاهيري، ص: 66، رسالة دبلوم الدراسات العليا، كلية الآداب الرباط، 1996.

2. اللسان والميزان، طه عبد الرحمان، ص: 266.

3. بدائع الفوائد، ابن قيم الجوزية، 0-9/41، دار الكتاب العربي، بيروت، ( د ط ت).

4. المستصفى للإمام الغزالي، ص: 185، ط 1، 1993، دار الكتب العلمية، بيروت.

أرسل تعليق