Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

الدعاء ومقتضيات المبارزة

      “ولما برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت اَقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين فهزموهم بإذن اللهِ” [سورة البقرة، الآية 250 وجزء من الآية 251].

      عندما واجه جنود طالوت أعداءهم فاجأهم ما هم عليه من القوة وكثرة العدد فاختلفوا في الموقف من مواجهتهم:

      منهم من خاف وأدت سيطرة الخوف عليه إلى السقوط في مهاوي الجبن، فقال فئة منهم -كما يحكي القرآن المجيد-: “لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده” [سورة البقرة، جزء من الآية 249].

      ومنهم من أدى به الرجاء إلى الشجاعة والأمل في نصر الله تعالى فقال: “كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين” [سورة البقرة، جزء من الآية 249]. ولهذا لما حان وقت القتال لم يسيطر الخوف على مشاعرهم وقلوبهم فيشل نظام تفكيرهم ويحبط عزيمتهم وإرادتهم. عوض الخوف من البطش توجهوا إلى الله تعالى بقولهم: “ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت اَقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين”.

      لقد وقع الدعاء بثلاثة أمور:

      1.  وقع الدعاء بقوله تعالى: “ربنا أفرغ علينا صبرا” لأن فضاء المحاربة والمقاتلة يطرح أولا جملة من المخاوف التي قد توقع المقاتل في الرهبة فيجبن عن المدافعة ويضعف عن مبارزة الأعداء، ومن ثم لا بد له من الصبر الذي يولد ثباتا فسكونا ثم استقرارا. لا يخفى أنه لا معنى للصبر –كما بين الرازي- إلا “القصد على الثبات، ولا معنى للثبات إلا السكون والاستقرار”[1].

      2.  ووقع الدعاء بقوله تعالى: “وثبت أقدامنا” لأن فضاء المحاربة والمقاتلة يقتضي ثانيا الاستعداد لهما بعدة تمكن من الوقوف والثبات وعدم الفرار.

      3.  ووقع الدعاء بقوله تعالى: “وانصرنا على القوم الكافرين” لأن فضاء المحاربة والمقاتلة يستلزم ثالثا نماء أنواع القوة التي يتم بها قهر العدو فينهزم ويندحر. إن قوة المبارزة لا تتوقف على القوة العددية والكمية فقط، وإنما تتوقف أولا وقبل كل شيء على القوة الكيفية والنوعية التي تتمثل في حسن استعمالها وتدبيرها وإدارتها.

      يبدو أن المقام الذي سيق في إطاره الدعاء بالصبر وثبات أقدام والنصر هو مقام مبارزة الكفار ومقاتلتهم. مقام بقدر ما يسبقه استفراغ الوسع في الاستعداد المختلف في أشكاله وصوره والمتفاوت في مراتبه ودرجاته، يقارنه ويلحقه أيضا الاجتهاد في التوجه الصادق إلى الله تعالى والتضرع إليه والتذلل بين يديه حتى يمن عليهم بالنصر والتأييد. ولعل هذه هي سنة رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم في كل المواطن والوقائع التي قاتل فيها الكفار وأعداء الدعوة والرسالة الإسلامية. فعلى الرغم من حرصه على كمال الاستعداد المادي؛ فإنه –كما في غزوة بدر- لم يفتأ يصلي ويستنجز من الله وعده ونصره. لا يكفي الاعتداد بالقوة المادية إذ قد يساور أصحابها نوع من الغرور قد يكون سببا في الهزيمة كما وقع في غزوة حنين لقوله تعالى: “ويوم حنين اِذ اَعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الاَرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين” [سورة التوبة، جزء من الآية 25].

      لا يعني إذن الله في قوله: “فهزموهم بإذن الله” ركون المسلم، وبالأحرى المقاتل المسلم، إلى نزعة تواكلية بغيضة. كلا إنما يعني إذن الله تعالى المزاوجة المستمرة والخلاقة بين اكتساب آلات المحاربة وما تتطلبه من اكتشاف دائب ومن ابتكار مستأنف لسننها وقوانينها في النصر وبين التضرع إلى الله تعالى والتذلل بين يديه في طلب النصرة عند المبارزة والمواجهة والمقاتلة. وهكذا يوصل استفراغ الوسع في الاستعداد واستفراغ الوسع في الدعاء إلى الانتصار بإذن الله تعالى لقوله: “فهزموهم بإذن الله”.

————————-

1. الرازي، مفاتيح الغيب ج 6 ص 167.

أرسل تعليق