Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

من غرائب حفظ المغاربة والأندلسيين لكتب الحديث (11)

      هذا هو المقال الحادي عشر مِن هذه السلسلة التي عنْوَنْتها بـ: “من غرائب حفظ المغاربة والأندلسيين لكُتب الحديث”، وأُحِبُّ في هذا الجُزْء قبْل أن أورد نصابَ هذا المقال مِن حُفاظ كتب الحديث مِن أهل هذه الجهة المغربية أن أمهد لذلك بتمهيدٍ على العادة الجارية في جميع مقالات هذه السلسلة، والتي جرت بجلب ثلاثة من أعيان الحفاظ مع تعيين محفوظهم من كتب الحديث. وعلماءُ هذا الجزء اثنان من الأندلس، وواحد من بجاية  بالمغرب الأوسط. وهم من القرنين السابع والثامن. ولا تخطئ العين عند سياقهم ملْحوظتين:

      أولاهما: أن الحفظ عند العلماء في كل الأعصار كان منهجا متبعا، وطريقا مسْلوكا، وسنة اقتفى فيها الخالفُ أثرَ السالف. ودليل ذلك وجودُ الاعتناء بالحفظ رغم تباعد أعصار هؤلاء المذكورين. ووجودُ قضيةٍ بعينها من قضايا التعليم، مستمرةً بين العلماء على تعاقب الأعصار، آيةٌ على كونها منهجَ تعلُّم وطريقةَ تعليم.

      ثانيتهما: أن الكتب المقررة للدرس كانت معروفة محددة معينة؛ وهي الكتب التي بلغ بها مؤلفوها الغايةَ تحريرا وتصحيحا وانتقاء، وتُلُقيت بعدهم بالقبول، وعكف الناس عليها رواية، وشرحا، وتعليقا، وتحشية، ونقدا، واستدراكا، واختصارا؛ ونحو هذا من ألوان العناية العلمية بالكتاب، حتى غدا بسبب هذا الاعتناء نتاجا علميا جماعيا، لتوارد عقول فحول العلماء على قضاياه بالنظر والتحرير. وقِس هذا بتغير كتب الدرس في مناهجنا العصرية، السنةَ بعد السنةِ، مع كونها نفسِها مختلفةً في جهات القطر الواحد؛ حتى ليُخْشى أن تَطَال يد التغيير المستمر هذه كتبَ الدرس، ومقررات التعليم، مرتين اثنتين في الموسم الواحد. وكثرة التنقل والتغيير في مثل هذا المجال، دليلٌ على عدم وضوح ما يراد الوصول إليه. وإذا كان عدم الوضوح سيما المقرِّر، فأنى للمُقَرَّر عليه الوضوحُ. وكُتُب أسلافنا المقررة، المُعتنى بها حفظا ودرسا، معيّنةٌ محددة معروفة؛ فهي في فن الحديث مثلا: كالموطإ والبخاري ومسلم. وتكرُّرُ ورودِها عند ذكر الحفاظ في أجزاء هذا المقال الماضية والآتية، دليلٌ واضح على ثبات تقريرها للدرس، قرونا مديدة من حيث الزمان، وفي رقعة من الأرض مترامية الأطراف من حيث المكان.

      ولْنرجعْ الآن إلى سياق نِصَاب هذا الجزء من حفاظِ كُتب الحديث من أهل هذه الجهة المغربية؛ وهم أعلامٌ اختلفت أمصارهم وأعصارهم، وائتلف عندهم جانب الحفظ والاستظهار؛ وتعلقتْ عنايتهم بكتب بعينها؛ لوحدة منهج التعليم، واتحاد مقرر الدراسة. واستقر ذلك آمادا كثيرة لسلامته، وإذا سلم المنهج دام، وفي ديمومته استقرار لعملية التعليم؛ ولا نتاج بلا استقرار، وما ثَبَت نَبَت. فمن هؤلاء الأعلام:

      الإمام المحدث أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد القرطبي، المعروف بابن الطيلسان (614)، قرأ على أبي القاسم الشراط العربية، قال ابن الأبار: “واستظهر عليه الشهاب للقضاعي”[1].

      ومنهم: الإمام أبو الوليد إسماعيل بن أحمد بن عبد الرحمان الأنصاري، المعروف بن السراج (توفي في حدود 625)، قال ابن الأبار: “حدثني الثقة أنه استظهر أكثر صحيح مسلم”[2].

      ومنهم: الإمام الشهير الزواوي: عيسى بن مسعود البجائي من بجاية (743) وهو صاحب إكمال الإكمال شرح صحيح مسلم، ومناقب الإمام مالك. وكلاهما مطبوع. قال ابن فرحون: “وكان يُحكى أنه حفظ مختصر ابن الحاجب في الفروع في مدة ثلاثة أشهر ونصف ثم عرضه؛ وحفظ موطأ مالك بن أنس وعرضه”[3].

      وسأعود في المقال المقبل إن شاء الله إلى هذه القضية عينها، مستعرضا طائفة أخرى من هؤلاء الحفاظ.

يتبع

—————————

 1. التكملة لكتاب الصلة 2/289.

 2. التكملة لكتاب الصلة 1/ 157.

 3. الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب لابن فرحون.2/73 (تحقيق: د/ الأحمدي أبو النور. مكتبة دار التراث القاهرة).

أرسل تعليق