Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

٪ تعليقات

الإمكان الحضاري للأمة بين الفقهاء المفكرين والمفكرين الفقهاء

يعتبر مفهوم «الإمكان الحضاري» من المفاهيم الأكثر تداولا في الكتابات الفكرية المعاصرة التي تهتم بالقضايا الحضارية، وهو يعبر عن القدرة المتميزة التي تتصف بها الشريعة الإسلامية على النهوض بالإنسان، وتحقيق البناء والعمران.

ويرى عدد من الباحثين أن المهمة التغييرية في البناء الجديد قد آن أوانها، وأن التجديد الحضاري للأمة العربية الإسلامية أضحى مطلبا ملحا وضروريا [1]، حتى إن الأستاذ مصطفى السباعي أكد على أن ليس هناك من يستطيع القيام بالدور الحضاري المرتقب إلا أمة الإسلام، وعزى ذلك إلى الأسباب التالية:

أولا، إن الأمة تحمل عقيدة من أرقى العقائد التي تساهم في بناء الحضارات، فهي عقيدة توحيد من أصفىأنواع التوحيد وأكثره إشراقا وسموا وكمالا، وهي عقيدة علم تحترم العقل وتدفعه دفعا حثيثا وراء المجهول ليصبح معلوما، وهي عقيدة خلق إنساني معتدل كريم، وتشريع يهدف إلى السير ويتوخى المصلحة الإنسانية كلها من غير محو لفضائل الشعوب وخصائص الأمم وقضاء على كرامتها.

ثانيا، إن العناصر المكونة للأمة أصحاب روحانية إيجابية بناءة، روحانية إلهية تلازم الجندي والعاملوالعالم والفيلسوف والقاضي والموظف والحاكم، كل في عمله، لا تمنعه في حال عن حال، بل تنقله من كمال إلى كمال.

ثالثا، إن الأمة قد أثبتت في الماضي قدرتها على إنشاء مثل الحضارة المرتقبة، ومهما قيل عن حضارتنا من قبل الخصوم والجاحدين؛ فإن أحدا لا ينكر أنها كانت أكثر من الحضارة الحديثة رحمة بالناس… وما دامت الأمة الإسلامية قد استطاعت أن تقيم تلك الحضارة الإنسانية الرائعة في عصور التخلف العلمي والفكري؛ فإنها أقدر على أن تقيم مثل تلك الحضارة في عصور التقدم العلمي وانكشاف المجهول من الكون شيئا بعد شيء.[2]

ومن الأمور المنهجية التي صاحبت مناقشة مفهوم «الإمكان الحضاري» في الكتابات العربية الإسلامية المعاصرة هو طابع الموضوعية والتحليل المنطقي لقضية استرداد المكانة التي كانت عليها الأمة من قبل، مما أخرج الصيحات والدعوات والمطالب التي تدعو إلى التغيير الحضاري من إطارها النظري التجريدي إلى شكلها العملي التصوري. وفي هذا الإطار أبدى الأستاذ عماد الدين خليل ملاحظاته حول «المشروع الحضاري» للأمة الإسلامية، وناقش كيفية تحويل مطالب المشروع من مستوياته التنظيرية إلى واقع الحياة اليومية الإسلامية، لكي ينسج خيوطها بمقاصد شريعة الله، ثم تحدث عن خطط العمل الواقعية التي تحول «المشروع الحضاري» إلى أمر متحقق في الزمان والمكان، ليشير في عرضه إلى أن هذا كله ينبني على جهد مركب: يمضي أحدهما باتجاه الإصلاح والتقويم وإعادة تعديل الوقفة التاريخية الجانحة، ويسعى الآخر إلى إبداع أو تصميم صيغ جديدة تستجيب للمتغيرات وتتعامل معها بأقصى درجات المرونة والوعي (…) والمشروع والحالة هذه، يتطلب فقهاء مفكرين أو مفكرين متفقهين… إذ لا يكفي أن يكون هناك مفكرون لا يملكون آليات الاجتهاد، ولا مجتهدون لا يملكون خبرات العصر المعرفية.[3]

————-

1. أنظر حسن الترابي: تجديد الفكر الإسلامي، ص 111 وما بعدها.
2. مصطفى السباعي: من روائع حضارتنا، ص 10-11، بتصرف.
3.ملاحظات حول «المشروع الحضاري»، مجلة إسلامية المعرفة، ع 9، ص 116-117.

التعليقات

  1. رضوان غزالي

    السلام عليكم ورحمة الله
    أستاذي الفاضل
    شكرا على هذا الموضوع العلمي الممتع والمفيد، وأتمنى أن تعود الأمة إلى مجدها الحضاري؛ لأن لها من الإمكانات البشرية والعلمية والاقتصادية ما يؤهلها؛
    بقي أن تأخذ بالاسباب وتحسن التوكل على الله.
    وشكرا

  2. محمد بلاج

    شكرا لكم أستاذي الفاضل،
    تحقيقا لا تعليقا على كلماتكم القيمة، والتي مفادها قضية استرداد المكانة التي كانت عليها الأمة من قبل من المستوى التنظيري الى العملي التطبيقي، هو كيف توجه هذه العقول المنظرة لتؤتي أكبر قدر من الفعالية في ظل كيان حضاري له سماته وخصائصه العقدية والفكرية؟

    وإذا سلمنا أنَّ كل نشاط إنساني يخضع لمجال الأفكار سواء في دوافعه أو في وسائله العملية، فمن الجدير بالملاحظة أنَّ كل نشاط علمي تكمن في أساسه الفكرة، وإذا عددنا حالات القصور في مجتمع ما أو في حالات فعاليته؛ فإننا نقرر في الحقيقة النتائج الموضوعية لعالم أفكاره في حالته الراهنة، وأنه من خلال بعض التصرفات ينشأ الزيغ من جيل إلى جيل، والفكرة التي من هذا القبيل، هي دائماً فكرة خذلت نموذجها المثالي، وينعكس المرض على المجتمع الذي يصاب بنتائج أي انحراف في الفكر، وبهذا تصبح الأفكار في أوسع معانيها نظاماً للإدراك الجماعي الذي لا بُدَّ من أنْ يعبِّر عن الانتماء لهوية ما لها أسسها ومقوماتها، وكلما اقترب الإنسان من هذا النموذج المثالي الذي تحدده هويته وانتماؤه الحضاري كلما ازداد توغلاً في فعالية نشاطه الفكري في محيط مجتمعه وأمته.
    ويمكن لي أن أصف مرحلة من أهم المراحل التي يتم إغفالها، وهي مرحلة الاختبار لكل ماهو تنظيري، ثم بعد ذلك المستوى التطبيقي، وبذلك يمكن لنا أن نتجاوز جانب الخطأ على الأقل لفترة محدودة لفئة معية لتاريخ زمني قصير، ننظر فيه مدى التغيير الحضاري المنظر، ولا يتحقق لنا ذلك، إلا إذا عمدنا إلى البحوث النظرية التطبيقية، والتي تفسح المجال إلى تطبيق كل ما هو نظري على الاقل ميدانيا، وهذا من شأنه أن يمكن من التجديد في الحكم على ما هو نظري صرف والذي يفتقر الى التطبيقي العملي سواء فكريا فقهيا، المهم الأسلوب العلمي الممنطق الممنهج
    سهل أن ننظر لكن الأمة بحاجة إلى معاهد ودورات وبرامج تتعلم فيها كيف تكتشف نفسها، وكيف تصلب إرادتها على طريق استغلالها للإمكانات الهائلة الموضوعة بين يديها؟
    ذاك بالطبع ضروري إذا اقتنعنا إلى الوصول الى أسميتموه "بالامكان الحضاري".

أرسل تعليق