Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

٪ تعليقات

الإعلام ودوره في إنتاج القيم (2)

      أصبح الانفجار المعلوماتي -سواء منه السمعي / البصري أو الإلكتروني – يشكل تحديا كبيرا في وجه كل من يتولى تربية النشء من الأسرة والمجتمع والمدرسة، بفعل تسارع وتيرته وتطور وسائل اشتغاله، وتوسع شبكاته، وسرعة نفاذه بحيث يصل إلى أبعد نقطة في العالم، وبالتالي امتلاكه للنفوذ، والتحكم في التوجيه.

      ولكي نقارب الموضوع، ونحدد إشكالياته ينبغي طرح الأسئلة الآتية:

      1.  ما خصائص الإعلام المعاصر؟

      2.  ما نوع القيم التي ينتجها هذا الإعلام ويروج لها؟

      3.  ما الفئة الأكثر تأثرا بهذا الإعلام؟

      4.  كيف نحمي أبناءنا من خطر الإعلام؟

      1)  خصائص الإعلام:

      لنقترب من حجم الآثار السلبية التي يخلفها الإعلام لدى المتلقي، لا بد من أن نقسم الإعلام إلى: إعلام قوي ومنتج يتمثل في الإعلام الغربي، وإعلام مستقبل ومستهلك يتمثل في الإعلام المحلي.

      ومن أبرز خصائص الإعلام الغربي ما يلي:

      •  ضخامة الإمكانات المادية والبشرية: قدمت الدراسات المنجزة في الحقل الإعلامي أرقاما ومفارقات غريبة عن حجم الإمكانات بين الإعلام الغربي والعربي، أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر ما يلي:

       1.  وكالة إعلامية أمريكية واحدة تستخدم أكثر من اثني عشر ألف موظف؛

       2.  ميزانيتها تصل إلى 170 مليون دولار؛

       3.  تصل قوة الضخ الإعلامي العالمي إلى مليونين ونصف كلمة يوميا، وترتفع إلى سبعة عشر مليونا؛

       4.  بينما وكالة الأنباء للشرق الأوسط وهي أقدم الوكالات في العالم العربي، لا تتجاوز كلماتها 158 ألف كلمة يوميا[1].

     •  التحكم والهيمنة:

     ومن الأرقام المعبرة عن سيطرة شبكة الإعلام الغربي على الإعلام العالمي والعربي خاصة، أن العالم العربي يعتمد في إنتاجه وبثه الإخباري على 80 % مما ينتجه الإعلام الغربي.

     وهذا مؤشر دال على سلطة وهيمنة الإعلام الغربي على الإعلام المحلي، وقوة أثره على تشكيل العقول، ونشر القيم البديلة.

      2)  الإعلام والقيم:

      لا شك أن الإعلام -بما يملك من إمكانات، ومشاريع وخطط واستراتيجيات، في إطار السعي الحثيث إلى إزالة الحواجز بين الشعوب، وصهر كل الخصوصيات، وتوحيد كل الثقافات …- يعمل على بث القيم البديلة، وصياغة رؤى جديدة تخدم الهدف الكبير، وتسلخ الناس من جلودهم، ومن هوياتهم، وتسخر الإعلام المحلي ليقوم بدور الوسيط في نقل القيم السلبية التي يروج لها الإعلام الغربي كما تؤكد ذلك الدراسات الميدانية مثل دراسة الدكتورة “عزة كريم”[2] حيث ذكرت أن:

      •  90%  من الإعلانات تستخدم جسد المرأة كمثير جنسي لترويج السلع في مقابل 8% من الإعلانات تهتم بشخصية المرأة !

      •  إنفاق معظم العمر أمام الشاشة، خاصة الشباب العربي، فإذا تخرج من المرحلة الثانوية (18سنة) يكون قد أمضى 22000 ساعة تقريبا، وعلى مقاعد الدراسة ما يقارب 14000 ساعة سؤال: من الذي قام بتربية عقل الطفل حتى أصبح شابا؟

      •    وفي مجال تقديم الإعلام للقدوة، فالملاحظ أنه يركز على: الممثلين والفنانين واللاعبين…

      وقد أثبتت دراسات نفسية وتربوية أن تكرار عرض نموذج أربع مرات، (أربع لقطات) كفيل بزرع هذه العادة في نفس محبيه!

      •    الترويج لتجارة المخدرات واستهلاكها، والتي ارتفع عدد متناوليها -بفعل إغراء الإعلام الدعائي– مائتي مليون شخص![3]؛

      •    تقديم نماذج من العلاقات الجنسية خارج دائرة الزواج الشرعي، والترويج لها حتى تصبح قيمة من القيم المألوفة في أوساط شبابنا وقد حدث ذلك بالفعل؛

      •    التأسيس للاستغلال الجنسي للأطفال من خلال عرض نماذج تغري بتمثل السلوك الإجرامي؛

      •    إشاعة حالات الانتحار كقيمة من قيم التخلص من الآلام والانتكاسات في الحياة، للإجهاز على قيم الصبر والرضى بالقدر ومواجهة التحديات؛

      •    التسويق للعنف والجريمة من خلال تقديم نماذج تستهوي الشباب في مرحلة المراهقة، مرحلة الشغف لتقمص النماذج “المميزة”.

      كل هذا وغيره من القيم السلبية في المجال الاجتماعي إضافة إلى محاولة ترسيخ قيم بديلة في المأكل والمشرب والملبس، وتصفيف الشعر… والتركيز بشكل أكبر على الأسرة بما في ذلك العلاقة بين الزوجين، وبين الآباء والأبناء… بهدف تذويب القيم الأصلية وإحلال مكانها القيم الفاسدة.

      3)  أكثر الفئات تأثرا بالمنتوج الإعلامي:

      إن أكثر الفئات تأثرا بما يقدمه الإعلام الغربي، فئة الشباب، بسبب استشعارهم الخروج من طوق الأسرة والانعتاق من القيود الاجتماعية، فانساقوا وراء المظاهر الغربية وقيمه التي يغري بها إعلامه النافذ برسائله القوية، تارة بحجة التعويض على القهر الذي عاشه في ظل تلك القيود الاجتماعية، وتارة أخرى بحجة الحرية التي يتمتع بها الغرب خاصة في مجال الحرية الشخصية، وحجج أخرى كانت وراء الانجرار نحو القيم السلبية التي يقدمها الإعلام بشتى مظاهرها التي سبقت الإشارة إليها، وهذا يشكل تحديا كبيرا أمام مجتمعنا العربي والإسلامي، لا بد من التفكير الجاد قبل فوات الأوان.

      4)  إن حماية أبنائنا من التأثر بالقيم السلبية مما يقدمه الإعلام، والانسياق وراء السراب، مسؤولية كل مؤسسات المجتمع ووكالاته التربوية من: الأسرة والمدرسة والإعلام.

       فالأسرة من واجبها تحصين أبنائها من خلال التنشئة الاجتماعية وفق ثقافة المجتمع وقيمه، والعمل على التوعية بمخاطر التقليد الأعمى لكل ما يعرضه الإعلام.

      والمدرسة تتحمل مسؤولية لا تقل وزنا وقدرا عن مسؤولية الأسرة في التوعية والتربية على المثل العليا المستمدة من ثقافتنا، والعمل على إعادة النظر في منظومتنا التربوية تصحيحا للاختلالات القائمة، بصياغة مناهج تستجيب لحاجيات أبنائنا الروحية والنفسية والتربوية عامة، لتأهيلهم للتحديات المستقبلية التي سيواجهونها، والثبات على مقومات الشخصية للحفاظ على الوجود الحضاري.

      والإعلام الذي يملك القدرة على التأثير إيجابا أو سلبا، مطلوب منه أن يقوم بالدور التاريخي في مجال التوجيه المدروس والهادف، وانتقاء الأعمال النظيفة والجيدة؛ لأن الإنتاجات الجيدة تحديدا، هي القادرة على أن تتخطى بالشباب وابل ما يمطرون به من الهزالة والسخافة، وتسد الفراغ الذي تعانيه هذه الفئة، بتقديم المضمون في قوالب شيقة ومؤثرة تستهوي الشباب وترقى به إلى التشبث بقيمه والاعتزاز بهويته، وبذلك يكون الإعلام قد أدى بعضا من رسالته، وأسهم في حمايتهم من السقوط الحضاري.

——————-

  1. ماجد بن جعفر الغامدي، الإعلام والقيم، سلسلة إعلاميات، دار خلوق للنشر والتوزيع.

  2. رئيسة سابقة للمركز القومي للبحوث الاجتماعية بالقاهرة.

  3. ماجد الغامدي، المرجع السابق.

التعليقات

  1. علي الأصبحي

    بسم الله الرحمن الرحيم
    شكرا جزيلا للأخ العزيز الدكتور أحمد أيت لمقدم، على تتبعه لما ينشر على جريدة الميثاق الغراء، وعلى تعليقاته الدقيقة، وإضافاته القيمة.
    أما بخصوص سؤالكم: هل تستطيع القيم الإسلامية أن ترشد الإعلام ليسترد عافيته الأخلاقية؟
    فإن الجواب عنه يولد سؤالا آخر هو:
    من يؤثر فيمن؟ فالقيم مجردات، لا تؤثر بذاتها، بل المؤثر هو الذي يحمل تلك القيم، فإذا ما وعينا بأهميتها، وتحلينا بها، وصدر الناس -في سلوكم عنها- كان لها الأثر الكبير على الأفراد والجماعات والمؤسسات ومنها الإعلام؛ لأن الإعلام أشخاص، وأبناء المجتمع (أبناء الأسرة والمدرسة والشارع والنادي … ) يتأثرون بمنظومة القيم السائدة ويؤثرون بها، ويمكن طرح السؤال بصيغة أخرى هي: كيف نتمثل -نحن – هذه القيم بسلوكنا ونعمل على إعادة صياغة مناهج مؤسساتنا التربوية حتى تؤدي رسالتها كاملة للحفاظ على هوية الأمة وشخصيتها المميزة؟

  2. الدكتور أحمد أيت لمقدم

    بسم الله الرحمن الرحيم
    والصلاة والسلام على أشرف خلق الله سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
    وبعد:
    أحيي وأشكر الأخ الأستاذ العزيز السيد علي الأصبحي على ما بينه في هذا الموضوع الذي أجاد فيه وأفاد جازاه الله خيرا وأستسمحه في إضافة متواضعة وأقول: بأن المتابعين والمهتمين بالشأن التربوي والفكري يلاحظون ارتفاع كثير من الأصوات في أجزاء مختلفة من بقاع الأرض منددة بوجود أزمة خلقية تهدد حضارة الإنسان المعاصر، وتتخذ تلك الأزمة الخلقية صورا مختلفة في كل بلد فهي أحيانا حركات تمرد من الشباب على الأعراف والتقاليد، وهى أحيانا انغماس كامل في اللهو والمجون، وهى تارة أخرى حركات عنف ضد الأموال والأرواح والممتلكات، وقد تكون كل هذا في وقت واحد، وأعراض تلك الأزمة الخلقية يمكن رصدها والوقوف على كل مفردة من مفرداتها في جميع القارات سواء في آسيا وأفريقيا وأوربا والأمريكتين لا فرق بين قارة وأخرى، فالكل يعانى من أعراض تلك الأزمة سواء تلك الدول الغنية المتقدمة أو تلك الدول الفقيرة النامية .
    ولقد أعطت سهولة المواصلات والاتصالات التي أثمرتها التكنولوجيا الحديثة هذه الهزات الأخلاقية صفة العالمية، ولم يعد بمقدور مجتمع من المجتمعات إغلاق معابره أمامها أو النجاة من آثارها، وفي خضم هذه الأزمات الأخلاقية تجد المجتمعات العربية والإسلامية نفسها أمام أعراض خطيرة من الأزمات الأخلاقية التي تهددها رغم رصيدها الهائل من القيم الأخلاقية والمناعة الاجتماعية.
    ونحن لا ننكر أن هذه الوسائل أصبحت وسيلة المعرفة والثقافة والعلم والتربية والتعليم، وملتقى المرح والترفيه والمتعة، ومصدر الخبر والمعلومة، فكل هذا يدل على أهمية هذه الوسائل في التوجيه والتأثير على حياة الإنسان إيجاباً وسلباً.
    لكن تأثيرها السلبي في حياة المسلمين هو الأكثر والأوسع، لما سلكته هذه الوسائل من سياسة الخلط، والمزج بين الحق والباطل، فخلطت بين القلة القليلة من الخير وبين ركام الشر…
    والسؤال هو هل تستطيع القيم الإسلامية أن ترشد الإعلام ليسترد عافيته الأخلاقية؟
    يقصد بالقيم الإسلامية المثل العليا السامية المستقيمة العادلة الواجب أن تسود بين الناس لتحقيق الأمن والخير بينهم والمنبثقة من مصادر الشريعة الإسلامية، وتشمل القيم الإسلامية: العقيدة الإيمانية، والأخلاق الحسنة، والسلوك السوي وما ينبثق عن ذلك من دوافع وبواعث تؤثر في معاملات الإنسان، وتعتبر هذه القيم بمثابة المثل التي ينشدها المسلم والتي تحكم فكره وإرادته وسلوكه مع نفسه ومع أفراد المجتمع الذي يعيش فيه، كما أنها المرشد والموجه له في أعماله وتصرفاته وسلوكه في مجال المعاملات المختلفة .
    ومن أجل سيادة القيم في جميع مكونات العالم الإنساني يجب على المسلمين –ومن خلال العمل المؤسساتي القيام بما يلي :
    • العمل الجاد، والسعي المتواصل من أجل تصويب وسائل الإعلام نحو تحقيق الأهداف السامية في بناء المجتمعات؛
    • وترسيخ الإيمان بالله، وتثبيت دعائم الأخلاق؛
    • بذل الجهد لجعل هذه الوسائل قنوات بناء لا هدم.

  3. محمد الفقيه

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    بورك فيكم أستاذنا الجليل، على هذه الكلمات الممتعات التي تكشف عن خطورة الإعلام وما يحاك ضد أبناء العالمين تخريبا وتمزيقا لجذور التربية، ولكن كم وددت لو أنكم ركزتم على الإعلام المغربي خاصة ما دمنا مغاربة بالدرجة الأولى ………………..
    دمتم للعلم ودام لكم
    طالبكم محمد الفقيه

أرسل تعليق