Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

الإحسان إلى الجار.. (2)

فمن إحسان الإنسان إلى جاره تهنئــته إذا فرح، وتعزيته إذا أصيب، بدءه بالسلام، ومقابلته بلين الكلام. رشده بالحسنى، ونصحه في السر والنجوى. وإن الدين النصيحة، ولا خير في قوم لا يتناصحون، ولا في قوم لا يقبلون النصيحــة. فهذا النوع من المعاملات، يقوي الألفــة، ويديم الصحبـة، ويزرع المحبــــة والمودة. أما التفنن في إيذاء الجار، وإلقاء الضرر به، فتلك طامة كبرى، ومصيبة عظمى، تلقي بصاحبها في أسفل درجات النار، إن لم يتب من تلك المعصية، ويعيد ترتيب أوراقه وحساباتــه. فمن ألقى نظرة على المجتمع، وحاول أن يبحث في العلاقة بين الجيران، سيجد –لا محالة- العجب العجاب. فمن الناس من يستخدم المذياع بأسلوب يزعج جيرانه الذين قد يكون فيهم: المريض، والشيخ الكبير، والعابد المتهجد، والطالب الذي يراجع دروسه، والقارئ للقرآن، والنائم، والحزين.. إلى غير ذلك.

وهناك من يتجسس على الجيران، ويحاول أن يطلع على ما يفعلوه داخل منازلهم. وخاصـــة إذا كان منزله أعلى من مسكنهم. كما يقذف بالفضلات والقمامة من النوافذ، فتتجمع أسفل البيوت، وتنتج عنها الروائح الكريهة والمكروبات، والحشرات الضارة. مما يؤدي أخيرا إلى تلويث الجو والمنـاخ، وانتشار الأمراض الفتاكــة. كما يوجد صنف آخر، يحاول التعرف على أسرار جاره وخفاياه: حسناته وسيئاته. ذاكرا إياه بالسيئات، متناسيا له الحسنات.

الإحسان إلى الجار.. (2)

فهذه الأخلاق الرذيلــة، والخصال المذمومة، بعيدة كل البعد عن آداب الإسلام، وتعاليم الشريعة الغراء. فمثل هؤلاء الجيران الذين يتصرفون بهذه الأوصاف الدنيئة، هم الذين أرغموا الإمام الشافعي على أن يبيع داره بأرخص الأثمان. فلما لامه الناس على ذلك؛ أي: بيع المنزل بثمن قليل – قال:

يلومونني أن بعت بالرخص منزلـي         ولم يعلمـــــوا جارا هناك ينـــغـص

فقلت لهـــم كفوا الملامــة إنمـــا         بجيرانها تغـــلــوا الديار وتــــرخـص

وحتى إذا ابتلـي المسلم بجار سوء، فليصبر عليه؛ فإن صبره سيكون سبب خلاصـه منـه. فقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو جاره، فقال له: “اصبر، ثم قال له في الثالثة أو الرابعة: اطرح متاعك في الطريق، فطرحــه، فجعل الناس يمرون به، ويقولون: مالـك؟ فيقول: آذانـي جـاري، فيلعنون جاره حتى جاءه وقال له: رد متاعك إلى منزلك فإني والله لا أعود“.

وقد روي عن الإمام أبي حنيفة النعمان أنه كان يسكن إلى جواره رجل –يصلح الأحذية القديمة– يبيت ليله يعاقر الخمر، ويدق في الأحذية التي يصلحها، ويغني بصوت مرتفع كريـه ويقول:

أضاعونــي وأي فتى أضاعوا        ليوم كــريهــة وســداد ثغـــر

وكان الإمام يصبر على هذا الأذى، ولا يفشي سر جاره سيء الخلــق.. وفي يوم من الأيام قبض على هذا الجار، وسيق إلى السجن.. ولما افتقد الإمام صوتـــه، وضوضاءه سأل عنه، فعلم ما حدث له.. فذهب وتشفع له حتى أخرجه من السجن.. فأخذ الإمام بيـده، وقال له: “هل أضعناك يا فتــى؟” فخجل الرجل أشد الخجل، وتاب على يد الإمام، وصلح حالــــه..

أرسل تعليق