Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

٪ تعليقات

نعمة الأمن

      الأمن نعمة كبرى لا تفضلها نعمة فهو بالنسبة للإنسان أهم من سائر الحاجات والضرورات البشرية، فلكي ينمو المجتمع ويتقدم لا بد من توفير الأمن والأمان بغية أن يعيش المواطن الحياة الطيبة الكريمة، التي تجسد جمال العيش الدنيوي وكمال نعمته وضمان رزق الإنسان وتحقيق استقراره وتمام أمنه وأمانه، وفي ضوء هذا نفهم قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: “من أصبح منكم آمنا في سربه معافى في بدنه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها”، أخرجه ابن ماجة. والحديث الشريف يلخص الأهداف التي تسعى أمم الأرض قاطبة لتحقيقها وهي:

      •    الأمن في الأنفس والأموال والعافية في الأرواح والأبدان والرزق الواسع الطيب الحلال، أو ما ينعت في الاصطلاح المعاصر بـ:

      •    الأمن النفسي، والأمن الغذائي والأمن الصحي وهي الأهداف الكبرى التي حرصت الشريعة الإسلامية على توفرها وضمانها بالمحافظة على الضروريات أو المقاصد الكلية الخمس وهي:

      1.    المحافظة على الدين؛

      2.    المحافظة على النفس؛

      3.    المحافظة على العقل؛

      4.    المحافظة على النسل؛

      5.    المحافظة على المال..

      فحفظ الدين ثابت بالنصوص التي تدعو إلى الإيمان وترغب فيه وتتوعد على الكفر وتنفر منه، لذلك فإن الهدف من بعثة الرسل هو توفير وسيلة الأمان في النفوس وفي الواقع “فمن آمن وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون” [الاَنعام، 49]، أي لا خوف لهم من المستقبل مما يدل على وجود حالة السلام في الواقع الخارجي حيث لا يصيبهم ما يحزنون بسببه.

      وحفظ النفس ثابت بالنصوص الداعية إلى التناسل والتناكح والتي تحرم الانتحار والإلقاء بالنفس إلى التهلكة، “ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق” [الاَنعام، 152]، وهي النفس المسلمة من ذكر وأنثى صغير وكبير بر وفاجر، والكافرة التي عصمت بالعهد والميثاق إلا بالحق كالزاني والمحصن.

      ولقد أكدت الشريعة الإسلامية على مبدأ الثواب والعقاب؛ لأن المجتمع الناجح المتحضر هو من يكافئ فيه المحسن ويثاب المُجد ويقتص من المعتدي، “ولكم في القصاص حياة يا أولي الاَلباب لعلكم تتقون” [البقرة، 178]، فإنزال القصاص بالقاتل فيه حياة وفيه زجر وردع لمن يهم بارتكاب القتل العمد؛ لأن تطبيق القصاص على القاتل يأخذ منه من يهم بالقتل العبرة فيتراجع عن القتل الذي خطط له وهمَّ به، “وعلى ذلك فالقصاص يوفر الحياة لمن كان ينوي القتل، إذ يعدل عن مباشرة القتل، ويوفر القصاص الحياة لمن كان سيقتل والحياة لمن كان سيقتل” [قبسات من الذكر الحكيم ص:136].

      فالمحافظة على هذه الكليات الخمس هو لضمان استقرار المجتمع الإسلامي، وتيسير تقدمه وتسهيل ازدهاره، وقد وعد الله المؤمنين الذين يعملون الصالحات بأن يجعلهم هم الخلفاء المتصرفون في تدبير الأرض، وأن يمكن لهم دينهم الذي ارتضى لهم -وهو الإسلام- بأن يتمكنوا من إقامة شرائعه الظاهرة والباطنة، “وعد الله الذين ءَامنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الاَرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا” [النور، 53].

      فنعمة الأمن لن تتأتى من فراغ ولن تكون أبدا للمتمردين على منهج الله، ويكفأ بها أصحاب العقائد الصافية والأخلاق السامية، “الذين ءَامنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الاَمن وهم مهتدون” [الاَنعام، 82]، “إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الاَخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون” [فصلت، 29-30].

      إن مسؤولية الحفاظ على الأمن مسؤولية مشتركة بين جميع عناصر الأمة، فالإسلام دين التعاون فلا بد من تكاثف وتعاون الجميع كل حسب اختصاصه من أجل سلامة لمجتمع وحماية مقدراته، “وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاِثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب” [المائدة، 3]، فالدولة لها الدور الرئيسي والأساسي لإرساء قواعد الأمن ومن حقها أن تفرض القوانين الصارمة التي لا تتصادم مع الحق والعدل لكل من يبعث بأمني الوطن والمواطنين، وأن تقيم حدود الله التي شرعت لتوفير الأمن للمجتمع، ولقد كان صلى الله عليه وسلم النموذج الكامل في إرساء قاعدة استتاب الأمن كائنا من كان مرتكب الجرم. فقد قال صلى الله عليه: “وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها”.

      وقد أباح الإسلام استخدام القوة إذا لم ينفع النصح وتفلح الموعظة قال تعالى: “قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا” [ الكهف، 85].

      ولعلماء الأمة دورهم في هذا المجال لهم من تأثير بالغ في تبصير الناس بأمور دينهم ودنياهم وذلك عن طريق التوعية الدينية، وغرس الفضائل التي ترسخ قيم الحق والعدل والتمسك بروح المواطنة الحق.

      كما أن للقضاة دورهم في إحقاق الحق ورد المظالم وعلى كل فرد من أفراد الأمة أن يساهم في إرساء قاعدة الأمن، وما عليه إلا أن يبدأ بنفسه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى عنه والمؤمن من أمنه الناس على أنفسهم وأموالهم ولا يحل لمسلم أن يروع مسلما”.

      ومن ثم يتضح أن الأمن مسؤولية جماعية لا يعفى منها أحد، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: “مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا في سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا، لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا فإن يتركوهم ما أرادوا هلكوا جميعا وإن أخذوا على أيديهم نجوا جميعا” [البخاري ج: 2- ص: 882].

      نسأل الله أن يديم على بلدنا المغرب نعمة الأمن والأمان، والسلم والسلام، وسائر البلدان الإسلامية والإنسانية جمعاء.

التعليقات

  1. الطالب : أحتشاو إبراهيم

    قال الإمام الغزالي رحمه الله: "إن مقصود الشرع من الخلق خمسة: أن يحفظ عليهم دينهم ونفسهم وعقلهم ونسلهم ومالهم، فكل ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة، وكل ما يفوت هذه الأصول فهو مفسدة ودفعها مصلحة"
    إحياء علوم الدين

  2. أحمد ديدي

    ولا يفوتني في هذا المقام أن أقول أن الأمن نعمة من أجل نعم الدنيا والآخرة، ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه: [اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا].
    وكل تفريط في نعمة الأمن كفر بها عاقبته وخيمة، وتقدير نعمة الأمن ورعايتها هو الطريق للتمتع بها، والإنسان في نطاق الأمن يملك الطاقة الفاعلة للإسهام في التجديد والتطوير والبناء والتعمير فضلا عن عبادة الله كما يجب.
    الله

  3. أحمد ديدي

    بسم الله الرحمن الرحيم
    وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
    الأمن كلمة مصطلح له في النفس الإنسانية، إدراك متميز، ومنزلة فريدة؛ ولأن مدلولها يضمن للناس الحياة المطمئنة، والعطاء الدائم المستمر والبذل المرغوب فيه، والعيشة الكريمة.
    والناس يسعون بحرص أن تكون مظلة الأمن ملاذهم الذي يضمن وجودهم؛ ولأنه الكفيل بالاستمرار والاستقرار، وهو الذي يصون الحياة من لفح هجير التدمير والتخريب.
    ماهو مفهوم الأمن:
    ولفظة الأمن في الدلالة اللغوية كما عرف ذلك بن فارس في معجم مقاييس اللغة: الهمزة والميم والنون أسان متقاربان أحدهما الأمانة، والأمن ضد الخوف، والأمانة ضد الخيانة، والإيمان ضد الكفر، والإيمان بمعنى التصديق بدل التكذيب.
    وأما الأمن في القرآن الكريم والسنة الشريفة فذو شجون، معناه أن كل ما أتى به الوحي يؤسس القواعد الصلبة المتينة التي تقوم على ركائزها حياة تتوافر فيها كل أسباب الأمن والطمأنينة، وتسمو بالبشرية إلى الأفق الأرحب من التعاون على الخير والبر، ويبعد عنها مزالق الفتنة والاضطراب والقلق.
    لذلك نجد الكلام قد جاء في القرآن والسنة عن الأمن على ضربين:
    أولها: الركائز التي يقوم عليها الأمن العام لجميع الناس.
    ثانيها: الكلام المباشر عن مادة الأمن بجميع ما لها من مشتقات لغوية، وهنا لابد من الإشارة إلى ما كانت عليه حياة المجتمعات البشرية قبل الإسلام، إذ فقدت هذه المجتمعات كل أسباب الاستقرار لعدم توفر الأمن، والطاغي هو منطق المخلب والناب والنهب والسلب والحروب لأتفه الأسباب.
    وبمجيء الإسلام بمنهاج يكفل الأمن للبشرية لتسعد في ظله يقوم على دعائم كالآتي:
    1. حقيقة الإيمان الذي حرر الإنسان من أسباب المهانة بقوته العادلة لحماية الحق، ونصرة الخير، وتوثيق وشائج الأخوة والمودة بين جميع أبناء آدم؛
    2. الأمن في القرآن والسنة تعبير عن عالمية الإسلام لمخاطبة الفطرة بالوسطية والاعتدال؛
    3. الأمن في الإسلام هو سلام العزة والكرامة الذي لا يقبل الدون والهوان من العيش عملا بقوله تعالى: {فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم} محمد الآية 35؛
    4. الأمن بوحدة الأمة وهنا لب القصيد الذي وفق إليه أخونا صاحب الفضيلة الأستاذ المحترم عبد الله هيتوت تحت عنوان نعمة الأمن؛ ولأن الإسلام يعتبر الإنسانية جمعاء أمة واحدة، بحيث يحيى كل إنسان آمنا على نفسه وماله وعرضه، متمتعا بكل حقوقه، محافظا على واجباته دون إهمال أو تقصير.
    والعقوبات الشرعية هي القادرة وحدها لتوفير الأمن على الأنفس والعقول والأموال والأعراض لردع الجناة وزجر من توسوس لهم شياطين الإنس والجن على أمن الناس وترويعهم.
    والضمائر الشريرة، والنفوس المريضة والمشاعر السيئة والأخلاق المنحلة والمنحطة يجب ألا تترك دون علاج حتى يتمتع الناس ببهجة الحياة وأنسها واستقرارها وهنائها، إذ لابد لها من عقوبات وهذه العقوبات ضرورة لحماية الأمن من عبث العابثين وفساد المفسدين، ومن لا دين لهم ولا خلاق وللقضاء على مجتمع الغاب وقوته الباطشة الغاشمة التي تفتك بمن لا حول لهم ولا طول.

أرسل تعليق