Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

٪ تعليقات

من فقه الدعاء في القرآن الكريم (1)

      ليس من تمام الحكمة أن نحصر المقصد من الدعاء في مجرد الاستجابة، ولا نتبصر بغيره من المقاصد؛ لأن الله عز وجل وكما قال بن عطاء الله السكندري: “ربما أعطاك فمنعك، وربما منعك فأعطاك”. ما أكثر الأدعية الواردة في الشرع الإسلامي، وفي طليعتها الأدعية القرآنية. فهي أدعية مباركة تجمع بين صفاء التوحيد وقصد الإخلاص، وتجمع بين اللغة النقية والأساليب الراقية، وتتركب من المعاني الدقيقة والمقاصد السامية.

      لقد افتتح الله تعالى كتابه المجيد بالدعاء في سورة الفاتحة واختتمه أيضا بالدعاء في سورتي المعوذتين. وبين هذا الاختتام وذلك الافتتاح يقف المرتل لكتاب الله أمام نماذج متعددة لأدعية أجراها الله عز وجل على لسان الملائكة والأنبياء و المرسلين والحواريين وغيرهم من عباد الله الصالحين. وقد صيغت تلك الدعوات القرآنية في أساليب مخصوصة، وسيقت في مقامات مختلفة، واستهدفت دلالات ومعاني ومصالح مقصودة ما أحوجنا إلى استيعابها والتشبع بها وإعمالها في حياة الإنسان الفرد وفي حياة المجتمع والأمة.

      ولتكن رحلتنا في بداية هذا العمود المبارك مع هذه الآيات البينات من مفتتح الكتاب المجيد: “بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم ملك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين”. لئن اصطلح معظم المفسرين على تسمية سور الكتاب المجيد بكلمة أو اسم يكونان في هذه السورة أو تلك؛ فإن هذه الآيات لم ينطبق عليها هذا الاصطلاح فسميت بالسبع المثاني أو أم الكتاب أو أم القرآن أو القرآن العظيم أو الكنز أو بغيرها من الأسماء كاسم الفاتحة إما لأنها وجدت في مفتتح التنزيل بحسب ترتيب المصحف، وإما لأنها مفتتح تلاوة المصلي فيبدأ بقراءتها في الصلاة.

       ومهما يقال أو يمكن أن يقال في شأن المغزى والسر من اختلاف أسماء هذه السورة المباركة يبقى أن نحدد الزاوية التي تحكم إفادتنا من آياتها البينة. فالزاوية التي تسيطر على اهتمامنا في هذا المضمار هو أن نكشف ما فيها من كنوز متعددة لعلها تنفعنا إن شاء الله في دعاء الله عز وجل. وعليه فأدل الأسماء التي تناسب وجهتنا وأقواها خمسة: الأول أنها سورة الدعاء، والثاني أنها سورة السؤال، والثالث أنها سورة تعليم المسألة، والرابع أنها سورة المناجاة، والخامس أنها سورة التفويض.

      ما يعضد ويسند اختيارنا هو ما ورد في السنة النبوية من أحاديث تفيد بمجموعها أن هذه الآيات يتوسل بها ليس فحسب من أجل طلب الهداية إلى الصراط المستقيم الذي يتصف أهله – كما سنبين إن شاء الله- بصفتين إحداهما إيجابية والأخرى سلبية، وإنما يتوسل بها أيضا بغرض طلب ثلاثة أصناف من الحاجات:

      •  صنف حاجاتنا إلى البرء والشفاء من الأمراض فضلا عن افتقارنا المستمر إلى العافية والسلامة من المكاره. والشاهد على هذا الصنف ما ورد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: “انطلق نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في سفرة سافروها، حتى نزلوا على حي من أحياء العرب فاستضافوهم فأبوا أن يضيفوهم فلدغ سيد الحي، فسعوا له بكل شيء، لا ينفعه شيء، فقال بعضهم: لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين نزلوا لعله أن يكون عند بعضهم شيء. فأتوهم فقالوا: يا أيها الرهط إن سيدنا لدغ، وسعينا له بكل شيء لا ينفعه، فهل عند أحدكم منكم من شيء؟ فقال بعضهم: نعم والله، إني لأرقي، ولكن والله لقد استضفناكم فلم تضيفونا، فما أنا براق لكم حتى تجعلوا لنا جعلا. فصالحوهم على قطيع من الغنم. فانطلق يتفل عليه ويقرأ “الحمد لله رب العالمين” فكأنما نشط من عقال، فانطلق يمشي وما به قلبة. قال: فأوفوهم جعلهم الذي صالحوهم عليه. فقال بعضهم: اقسموا. فقال الذي رقى: لا تفعلوا حتى نأتي النبي صلى الله عليه وسلم فنذكر له الذي كان، فنظر ما يأمرنا. فقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له، فقال: وما يدريك أنها رقية؟ ثم قال: قد أصبتم، اقسموا واضربوا لي معكم سهما” فضحك رسول الله صلى الله عليه”.[1]

      •  أما الصنف الثاني، المتمثل في حاجاتنا إلى الاستعانة بالله عز وجل في كل أمر من أمورنا.

     •  والصنف الثالث المتمثل في حاجاتنا إلى الدعاء بصفة عامة، وحاجتنا إلى دعاء الهداية إلى الصراط المستقيم بصفة خاصة. فسيكونان موضوع حديثنا في الحلقات المقبلة إن شاء الله.

—————————-

      1.  صحيح البخاري، كتاب الإجارة، باب ما يعطي في الرقية على أحياء العرب بفاتحة الكتاب، رقم الحديث 2275. و ينظر قصة أخرى بلفظ آخر في كتاب الطب، باب الرقي بفاتحة الكتاب، رقم الحديث 5736 وأيضا حديث ابن عباس، باب الشرط في الرقية بقطيع من الغنم، رقم الحديث 5737.

التعليقات

  1. الطالب : سعيد ايت غانم

    شكرا للأستاذ إسماعيل الحسني على هذه المقاربة الفقهية المتميزة للدعاء في القرآن الكريم.
    وفي هذا الصدد، يقول سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "أنا لا أحمل هم الإجابة، وإنما أحمل هم الدعاء، فإذا ألهمت الدعاء كانت الإجابة معه".
    والدعاء مخ العبادة، و هم الإيمان، وسر المناجاة بين العبد وربه، والدعاء سهم من سهام الله، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلقت من قلوب ناظرة إلى ربها، راغبة فيما عنده، لم يكن لها دون عرش الله مكان.
    وصدق الله العظيم، إذ قال: "وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي و ليومينوا بي لعلهم يرشدون".[سورة البقرة، الآية: 180].
    تحياتي الحارة لأستاذنا الدكتور إسماعيل الحسني…
    طالبك الذي يحبك

  2. الطالب : أحتشاو إبراهيم

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
    يقول رسول الله: صلى الله عليه وآله وسلم: "الدعاء سلاح المؤمن وعمود الدين ونور السماوات…".
    وفي أثر أخر يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "الدعاء العبادة".
    وهناك ما لا نهاية من الأحاديث التي تحث على الدعاء… إلا أننا نعجز عن قول كلمات خفيفة على اللسان وثقيلة في الميزان… والله نبخل حتى في كسب القراريط من الحسنات …
    تحياتي الحارة لأستاذنا الدكتور إسماعيل الحسني…
    طالبك الذي يحبك
    .

  3. أحمد العاقل

    السلام عليكم
    جزاكم الله خيرا ياستاذ، وجعل الله هذا العمل في ميزان حسناتكم..

أرسل تعليق