Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

النموذج التعارفي من خلال الحج

     يتجلى النموذج التعارفي بقوة وإشراق كبيرين في عبادة الحج، ففي قوله تعالى لنبيه إبراهيم عليه السلام: “وأذن في الناس بالحج ياتوك رجالا وعلى كل ضامر ياتين من كل فج عميق” [سورة الحج، الآية: 27]، يعني يفدون لكي يتجمعوا حول نقطة معينة هي الكعبة، وحين تصل إلى هذه النقطة تجد أن الصف ليس صفا مستقيما وإنما هو دائري، وهذه الدوائر يصطف وفقها المسلمون وينظرون من مواقعهم فيها إلى الكعبة التي لا تعدو كونها سهما مؤشرا على جلال الله وقدرته، وحضوره وعنايته.

     والزاوية التي تراها أنت من الكعبة؛ حجرا أسودا كانت أم ركنا يمانيا، أم ركنا شاميا… لا يستطيع غيرك رؤيتها؛ لأنك تنظر من نقطة لو تزحزحت عنها بقدر أنملة فسوف تتغير الرؤية والبانوراما كلها، ولذلك فأنت مدعو ضمن هذه الشعيرة / الركن، التي هي الحج، إلى أن تطوف، وأن تنظر إلى الزوايا الأخرى من النقط والمواقع التي يقف عندها الآخرون… وطوافك لن يكون في نقطة رؤية واحدة، بل سوف تجتمع في أشواطك السبعة كثير من النقط التي تكون ضمن المطاف. غير أن هذا يستدعي النباهة؛ إذ لا تعارف دون انتباه لما تراه، وبعد ذلك يتم الصعود إلى عرفة. ولم يُسمَّ ذلكم الموقف عرفة من عبث، وإنما لوجود التعارف فيه. وشعيرة عرفة لا يحل إبانُها إلا وقد تشابهت الأشكال والملامح وتمازجت الروائح؛ إذ لا حق لك بعد يوم التروية في استعمال الطيب، ولا حق لك في الحلق، كما أنك تجتنب لبس أمور الزينة والتميّز وتمتزج مع غيرك من الحجاج الذين جاءوا من كل فجّ عميق كأنك وُضعت معهم كلَّهم في قِدْرٍ واحدة تَمَّ تحريكها لكي تمتزج فيها التوابل وتكون الطبخة من ثم طبخةً واحدة !.

      حين ننظر في النصوص التي فيها حديث عن ما بعد مرحلة التعارف بعرفة نجد شيئا اسمه الإفاضة، ونجد أن الناس يُفيضون “فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله” [سورة البقرة، الآية: 198]. والإفاضة توحي بأن ثمة قوةً تُذلل العقبات التي في طريقها: كجمرة العقبة التي ليس رجمها رجما لإبليس، وإنما هو تذليل للعقبات التي تحول دون الناس والتعارف فيما بينهم ومن ثم التعاون على البر والتقوى سواء من باطن أم من ظاهر.

      وفي هذا رسالة للبشرية جمعاء لتحقيق الامتداد النابض لنفَس التعارف ذهابا إلى الكعبة وإيابا منها، حيث يلتقي الناس من كل فج عميق فيتعارفون، ويتشاطرون أضرب الحكمة المتعالية، ثم يعودون بها لأقوامهم ويأتي آخرون… وهكذا دواليك، في حركة تحاكي نبض الفؤاد..

والله الهادي إلى سواء السبيل.

الأمين العام

                                                                                                               للرابطة المحمدية للعلماء

أرسل تعليق