Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

مفهوم الاستدلال الحجاجي.. (9)

3. أصل الحوار

إن الحجاج يتقوم أساسا بكونه استدلالا حواريا تعطى فيه الفرصة لكل طرف من أطراف الممارسة الحجاجية، قصد تبرير دعاويه وإثبات قضاياه الحجاجية، فالذات المستدلة في الحجاج لا تنفك عن استحضار الغير، كذات فاعلة وموجهة للعملية الاستدلالية (بل إن ذات المستدل قد تنشطر إلى ذاتين ذات حقيقية ناظرة وذات اعتبارية مناظرة)، وهذا الاستحضار ليس أمرا متكلفا أو كماليا، وإنما هو أمر ضروري لازم للحجاج لزوم اللغة له، وعليه فإن المناظرة تظل المنهج الأسلم والأنجع لحفظ الحجاج وتقويمه، وذلك لأنه لما كان الحجاج يتيح إمكانية المبادرة والإقدام، فلا شيء أضبط لهما من سن قواعد التحاور والتناظر، فإن ذلك أدعى للتوافق وأجلب للتقارب بين القبيلين المتحاجين.

مفهوم الاستدلال الحجاجي.. (9)

وجماع القول في هذا المقام أن مكامن الاختلاف بين البنية الاستدلالية البرهانية والبنية الاستدلالية الحجاجية تنحصر فيما يلي:

أ. كون نتيجة الأولى تلزم عن مقدماتها لزوما ضروريا لا يقبل النقاش أو التردد، بينما يكون اللزوم في الثانية غير ضروري أي على غالب الظن[1]، وذلك لاعتبارات لغوية ومقامية.

ب. كـون القيـمـة الصدقيـة لقضـايـا الأولى محصورة الأبعاد مثلا: (صدق / كذب) بينما نأخذ في الثانية بمعيار التفاضل والتراتب[2] أي أن القضايا تتفاوت صدقا وكذبا بحيث تكون هذه القضية أصدق من تلك أو أكذب.

ج. كون البرهان يجنح إلى التوحيد والتفريد أي إلزام جميع المخاطبين بنتائجه مما يسبغ عليه الطابع الاستبدادي، بينما ينشد الحجاج الوفاء قدر الإمكان بالحاجات الإنسانية المختلفة، والإقرار بمبادرة الغير في البت والحل والعقد، وذلك بإشراكه في إنشاء أو تحصيل المطالب النظرية والعملية، مما يسبغ عليه الطابع الاستشاري[3].

إلا أن ما يجب التنبيه عليه في هذا الصدد أن ما ذكرناه من أوجه التباين والاختلاف بين الاستدلالي البرهاني والحجاجي، ينبغي أن لا يفهم منه أن بين الصنفين تناقضا أو تعاندا، بل هما طريقان استدلاليان متكاملان للإحاطة قدر الإمكان بالتجربة الإنسانية في كليتها وشموليتها..

يتبع في العدد المقبل..

—————————————————-

1. المنهجية الأصولية، ص: 159.

2. نفس المرجع والصفحة.

3. في أصول الحوار، ص: 63.

أرسل تعليق