Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

مدخل لدراسة المذهب المالكي.. (21)

القياس

مدخل لدراسة المذهب المالكي.. (21)

الحالة الثانية: أن يكون المقيس عليه ثابتا باجتهاد المجتهد غير قياس:

الظاهر أن الإمام مالك جوَّز العمل بالقياس على مسألة اجتهادية، سواء كانت قياسا أو غير قياس، وقد استدل العلماء على جواز العمل بهذا النوع من العملية القياسية، ونسبوه إلى الإمام مالك وأصحابه، منهم الإمام ابن رشد الجد، حيث يقول مؤكدا هذا المعنى: “إذا علم الحكم في الفرع صار أصلا وجاز القياس عليه بعلة أخرى مستنبطة منه (…)، وكذلك إذا قيس على ذلك الفرع بعد أن ثبت أصلا بثبوت الحكم فيه فرع آخر بعلة مستنبطة منه أيضا، فثبت الحكم فيه صار أصلا وجاز القياس عليه، إلى ما لا نهاية له، وليس كما يقول بعض من يجهل أن المسائل فروع فلا يصح قياس بعضها على بعض، وإنما يصح القياس على الكتاب والسنة والإجماع وهذا خطأ بين، (…) واعلم أن هذا المعنى مما اتفق عليه مالك وأصحابه ولم يختلفوا فيه، على ما يوجد في كتبهم من قياس المسائل بعضها على بعض، وهو صحيح في المعنى، وإن خالف فيه مخالفون[1].

ويقول الباجي: “إذا ثبت الحكم في فرع على أصل جاز أن يجعل هذا الفرع أصلا لفرع آخر يقاس عليه بعلة أخرى[2].

وقد خالف جمهور العلماء ومنهم بعض المالكية هذا المعنى، منهم التلمساني في التقريب[3]، وابن الحاجب[4]، والونشريسي[5]، ومحمد الأمين الجكني صاحب المراقي[6]، حيث يقول:

وحكم الأصل قد يكون ملحقا        لما من اعتبار الأدنى حُققا[7].

ويحيى الولاتي حيث قال: “وهذا هو المسمى عند المالكيين بالتخريج وهو وظيفة المجتهد المقيد، والأكثر من المالكيين على جواز العمل بما ثبت به، بناء على أن لازم المذهب يعد مذهبا، ورده كثير منهم أيضا، ومنعوا العمل بما ثبت به، لأن الاجتهاد لا يكون إلا في قول الله عز وجل أو قول رسوله صلى الله عليه وسلم، لا في قول البشر، وهذا القول هو الظاهر والأصوب عندي[8].

ومثال هذه الحالة من فقه الإمام مالك هو قياسه زكاة الدين لغير المدير على زكاة عروض المُحتكر.

ذهب مالك إلى أن التاجر المحتكر لا يزكي تجارته إلا بعد بيعها، ولعام واحد، ولو مر عليها عدة سنوات، بخلاف الجمهور، بحيث يوجبون على التاجر سواء كان مديرا أو محتكرا أن يُقوّم في كل عام عروضه ويزكي.

عند النظر في المسألة نجد أن مالك انفرد باجتهاده هذا، فالعلماء ذهب بعضهم إلى أنه لا زكاة لدين غير المدير، وإنما يستقبل به حولا كاملا بعض قبضه[9]، والبعض ذهب إلى أن يجب عليه الزكاة في كل حول[10].

والمذهب الثالث وهو الذي انفرد به مالك حيث يوجب علي أن يزكي لعام واحد، فقد جاء في الموطأ: “قال مالك: والدليل على الدين يغيب أعواما ثم يقتضي فلا يكون فيه إلا زكاة واحدة أن العروض تكون للتجارة عند الرجل أعواما ثم يبيعها فليس عليه في أثمانها إلا زكاة واحدة[11]. حجته في ذلك هو القياس، حيث قاس دين غير المدير على عروض المحتكر، بجامع عدم القدرة على النماء في كل[12].

يتبع في العدد المقبل..

——————————————————————

1. المقدمات الممهدات، 1/38.

2. الإحكام، 572.

3. تقريب الوصول إلى علم الأصول، 136.

4. مختصر المنتهى مع حاشية التفتازاني على شرح العضد، 2/209.

5. عدة البروق، الونشريسي، 545.

6. مراقي السعود مع شرحه، 279.

7. مراقي السعود مع شرحه لمحمد الأمين الجكني، 279.

8. فتح الودود على مراقي السعود، 265.

9. مغني المحتاج، 1/410.

10. فتح القدير، لابن همام، 2/123.

11. الموطأ، كتاب: الزكاة، باب: الزكاة في الدين.

12. ينظر: شرح الزرقاني، 2/146. طبعة دار الكتب العلمية.

أرسل تعليق