Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

علي بن منون

لما انتهيت من كتابة مقالتي حول الإمام سيدي محمد التاودي بن سودة، تأملت كثيرا في دور المثقفين في حضارتنا المغربية، وقلت أن أمثال سيدي محمد التاودي لم يكونوا قلة خصوصا فيما يتعلق بنشر العلم وبثه في نفوس الطلبة وتقريبه إلى أفهام عموم الناس، وتذكرت إماما فاضلا لم أكن قد كتبت عنه حينما واصلت الكتابة لمدة غير يسيرة حول علماء العصر المريني، فرأيت أن أستدرك في هذه المقالة مُعرفا بعلم من أعلام المغرب الكبار، يتعلق الأمر بسيدي أبي الحسن علي بن منون.. ونحن نتفق مع الفقيه العلامة المنوني، بأن سيدي علي بن منون لم ينل حظه من التعريف بما ينسجم مع علمه ورسالته الحضارية..

هو أبو الحسن علي بن محمد بن علي، ويدعى هذا الأب الثاني للمترجم بـ (منون) وهو اللقب الذي اشتهر به المترجم نفسه، حيث يقال علي منون، وعند الكتابة يغلب أن ينسب إلى جده فيقال علي بن منون، ولا يتحقق الأستاذ العلامة سيدي محمد المنّوني وجه التلقيب بهذا[1].

وقد كان والد سيدي علي بن منّون مدرسا فقيها متفننا أستاذا، وقد دعي جده بمنون الشريف الحسني، وقد حلي هذا الجد بالفقيه في صك تقييد متخلف ولد المترجم أبي محمد عبد الواحد، حسبما حققه العلامة المنوني عام تسعين وسبعمائة هـ (790هـ)، فيما يغلب على ظن العلامة ابن غازي في فهرسته وهو يذكر فيها أن سيدي علي درس أولا في بلدته بمكناس على الفقيه المفتي أبي الحسن علي بن عمر، فمن دونه من أعلام الحضرة المكناسية، ويذكر محمد المنوني في كتابه سابق الذكر أنه لم يقف على معلومات وافية عن أبي الحسن هذا، وقد رحل المترجم لفاس، ودرس بها على أساتذة ذكرهم العلامة ابن غازي، في الفهرسة، وهم أبو حفص عمر بن موسى بن محمد الرجراجي به عرف ثم الفاسي، الفقيه الحيسوبي الفرضي، المتوفى عام (810هـ/1408م)، ترجمته في سلوة الأنفاس، ج 3، وأبو مهدي عيسى بن علال الكتامي المصمودي: نسبة إلى مصمودة كتامة ببلاد الهبط، ثم الفاسي، الفقيه الكبير، المتوفى عام (823هـ/1420م)، ترجمته في سلوة الأنفاس، ج: 2، وأبو يعقوب يوسف بن مبخوت أستاذ فاس الجديد، هذا ما ذكر عنه ابن غازي في الفهرسة وهو يعني أنه أستاذ القراءات بفاس الجديد -بمدرستها المرينية فيما يظهر- وأورده أيضا ابن القاضي في جذوة الاقتباس، وأحمد بابا في نيل الابتهاج، وورد ذكره عرضا عند السخاوي في الضوء اللامع (ج: 10)، كأحد أساتذة  يعقوب الحلفاوي، وقد أفاد هذا المصدر أن ابن مبخوت هذا أخذ القراءات السبع بمراكش عن أحمد بن أحمد الصفار، وهذا الأخير أورده ابن خلدون في التعريف بنفسه ضمن أشياخه وذكره هكذا: الأستاذ أبو عبد الله محمد بن الصفار من أهل مراكش، إمام القراءات لوقته، أخذ عن جماعة من مشيخة المغرب، كبيرهم شيخ المحدثين الرحالة أبو عبد الله محمد بن رُشيد الفهري، سند أهل المغرب بفضل من الله..

وينبه العلامة المنوني إلى ما جاء في جذوة الاقتباس لدى ترجمة أبي الحسن بن منون ص: 311، فقد جعل هذا المصدر يوسف بن مبخوت هو الأغصاوي، ويلاحظ على هذا أن الأغصاوي المعني بالأمر كانت وفاته عام (802هـ)، كما في لقط الفرائد وفي هذا التاريخ كان عمر علي بن منون لا يتعدى 12 سنة على ما تقدم في تاريخ ولادته، فيبعد أن يكون في هذا السن أو قبلها ارتحل للقراءة بفاس وأدرك الأغصاوي، وأبو زيد عبد الرحمان بن محمد بن عبد الرحمان المديوني ثم الجادري به عرف الفاسي مشارك في عدة علوم، توفي عام (818هـ/1415م)، ترجمته في سلوة الأنفاس (ج: 2)، وقد كنت كتبت مقالة حول الفقيه الجادري في -جريدة ميثاق الرابطة عدد 60- فلتنظر في موضعها، وتوجد معلومات أخرى عن الجادري في فهرس الفهارس (ج: 1)، وأبو وكيل ميمون بن مساعد المصمودي مولى وتلميذ أبي عبد الله الفخار، أستاذ مقرئ، توفي عام: (816 هـ/1413/1414م)، ترجمته في سلوة الأنفاس (ج: 2)، والإمام أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم السماتي الشهير بالفخار، الشيخ الإمام، الفقيه الأستاذ، ورد ذكره عرضا في سلوة الأنفاس (ج: 2)، أثناء ترجمة تلميذه أبي وكيل المذكور..

فهؤلاء ستة من أساتذة فاس، ولم يذكر ابن غازي من مقروءات علي بن منون على بعضهم سوى القرآن الكريم، حيث تذكر “الفهرسة” أنه جوده على أبي عبد الله الفخار آنف الذكر، كما يذكر ابن غازي في بعض إجازاته أن المترجم جود القرآن الكريم -أيضا- على أبي يعقوب يوسف بن مبخوت، وسوى هذا لم تذكر الفهرسة شيئا آخر: لا عن بقية مقروءات المترجم على هذين الشيخين، ولا بالنسبة لمجموع مقروءاته على أساتذته الآخرين حسبما أفادنا به العلامة المنوني في كتابه آنف الذكر.

وبخصوص أستاذه الجادري نستطيع أن نعرف جملة من مقراءاته ومروياته، عنه، حيث يرد اسم المترجم في سند عدد من الكتب وبعض العلوم التي يرويها عن الجادري، حسبما يتوضح هذا في بحث أسانيده، وسيبقى- بعد هذا- ثلاثة من أشياخ المترجم بفاس، وقد يكون أخذ عن كل منهم ما اختص به، حيث كان أبو حفص الرجراجي متقدما في الحساب والفرائض، كما اختص أبو مهدي بن علال في الفقه، وأبو وكيل ميمون في القراءات، ويعتبر سيدي علي بن منون من شيوخ ابن غازي الأولين في مكناسة، ويعد ابن منون –كما سبق الذكر- من أصحاب أبي وكيل مولى الفخار وأبي زيد الجادري، قد شاركهما أيضا في أستاذهما أبي عبد الله الفخار..

ذكر ابن غازي الشيخ بن منون في فهرسته وقال: “ومنهم الشيخ الأستاذ النبيل الذكي أبو الحسن علي بن منون الشريف الحسني المكناسي الدار“، ثم ذكر مروياته عنه وقراءته فقال: “قرأت عليه بها القرءان العزيز ختمات كثيرة، وتمرنت عليه في الفرائض والوثائق، وإعراب القرءان وأوقافه، واستفدت منه كثيرا[2].

وقال ابن غازي في إجازته: “وقد قرأت القرءان العزيز بمدينة مكناسة – حرسها الله تعالى-قبل لقائنا شيخنا أبا عبد الله محمد الصغير المذكور ختمات عديدة على الشيخ الشريف الأستاذ أبي الحسن علي بن محمد بن منون الشريف الحسني، حسبما جوده على الشيخين الأستاذين أبي عبد الله محمد الفخار السماتي المذكور، وأبي يعقوب يوسف بن مبخوت المذكور، وقد صحف مبخوت في إتحاف ابن زيدان 5/452 وفي غيره إلى منحوت”.

وقد أرخ ابن غازي  لشيخه  بن منون فقال: “ولد رحمه الله فيما يغلب على ظني سنة 90 من القرن الذي قبل هذا القرن، ومات بعد السبعين من هذا القرن، ودفن بأرضه خارج “باب القورجة” أحد أبواب مكناسة جدد الله عليه رحمته[3]، وتجدر الإشارة -حسبما أفادنا به العلامة عبد الهادي حميتو في رسالته حول قراءة الإمام نافع- أنه قد تحرف نسب المترجم في الجذوة 2/491 ترجمة 556 فجاء باسم علي ابن هارون.. ثم ذكر مشيخته ووفاته بمكناسة بعد السبعين وثمانمائة، كما ذكر ذلك ابن غازي سواء. وقد اغتر بذلك ابن زيدان في الإتحاف (5/451-452)، فذكر أولا علي بن منون، ثم أتبعه بعلي بن هارون على أنهما رجلان، لكنه جعل وفاة ابن منون عام (854)، ووفاة ابن هارون بعد (870) مع اتحاد مشيختهما.

يفيدنا العلامة المنوني في كتابه وثائق حول  أبي الحسن علي ين منون وذرتيه؛ بأن المترجم لم يترك آثارا مكتوبة يعرف منها مركزه العلمي الذي نستطيع أن نعرفه بواسطة ما وصف به في بعض الوثائق المعاصرة والقريبة من عصره، وفي بعض المؤلفات التاريخية، ولهذا استعرض –رحمه الله- جملة من ذلك: فقد جاءت تحليته في ظهير مريني: بالفقيه المتفنن الأستاذ الأسد النحوي، العالم العلامة، وفي صك تقييد ترِكَته وصف بالمتفنن: المحدث، المفسر، الأستاذ، ثم وصف في ملحق لهذا الصك بالفقيه، العالم العلامة، المدرس. وقال عنه محمد العربي البصري في منحة الجبار الإمام النحرير، والأستاذ الكبير، والعلامة الشهير، شيخ مشايخ مكناسة الزيتون.. وقدمه في “إتحاف أعلام الناس”، ج: 5 ص: 457 هكذا: محدث، مفسر فقيه علامة أستاذ نبيل، فاضل ماجد، ذكي، زكي، فرضي، موثق، نحوي، مقرئ، مجود، ويذكر الفقيه المنوني في خبر طريف أنه لما نقل هذا من نسخة الإتحاف المطبوعة والمحفوظة في الخزانة الوطنية بالرباط تحت رقم: 1671، وجد عليها تعليقا للشيخ محمد عبد الحي الكتاني -بخطه- على هامش هذه الترجمة بما نصه: “علي منون، مع التقصير في ترجمته، إذ ليس في مكناس من له ذكر كبير، وله عقب شهير -من وقته إلى الآن- عداه”.

ثم إن ابن غازي في الفهرسة يحلي المترجم بالشيخ، الأستاذ النبيل الذكي، ثم ذكره ضمن أساتذته المكناسيين في الروض الهتون في أخبار مكناسة الزيتون ص: 68 وقال: وقد ذكرت -في الفهرسة الموسومة بالتعلل برسوم الإسناد، بعد انتقال أهل المنزل والناد- بعض من لقيت بها مكناس، كالشيخ الفقيه المتفنن، أبي زيد عبد الرحمان الكاواني، والشيخ الأستاذ أبي الحسن بن منون الحسني، والشيخ الخطيب الأحفل، أبي العباس أحمد بن سعيد الغفجميسي.

ويوجد بخط بعض العلماء نقلا عن خط ابن غازي أثناء عرض مسألة زوجية: وانظر إذا أسقطت حقها المعلق باختيارها أيام البينونة، فقد قلت أنه ينفع، وقال ابن منون -رحمه الله تعالى- لا ينفع إذ ليس لها الآن حق فتشترطه، ومن الواضح أن ابن غازي يحكي عن فتوى قديمة للمترجم، قبل أن يتبرز الحاكي في هذا الميدان، والتعليق الأخير للفقيه المنوني..

برز علي بن منون في علم الإسناد، حيث نجد اسمه مذكورا في سند كثير من الكتب العلمية وبعض العلوم، وأن هناك بعض الكتب لا يوجد سندها إلا من طريقه مثل مؤلفات أستاذه الجادري: –الفهرسة– و –روضة الأزهار– وغيرهما، وكذلك موضوعات أبي الوليد ابن الأحمر، وقد سجل ابن غازي علو سند المترجم في القرآن العزيز قال في الفهرسة بعدما ذكر أستاذ المترجم أبا عبد الله الفخار، وعليه جود القرآن العزيز، وعنه حدثني بقراءة نافع، وقد قرأت عليه ختمات كما تقدم، وهذا سند عال: ساويت فيه شيخنا الأستاذ أبي عبد الله الصغير ولله الحمد، وفي هذا الصدد -أيضا-، قال ابن غازي في بعض إجازاته: “وقد قرأت القرآن العزيز بمدينة مكناسة حرسها الله تعالى -قبل لقائنا لشيخنا أبي عبد الله محمد الصغير المذكور- ختمات عديدة على الشيخ الشريف الأستاذ، أبي الحسن علي ابن منون، الشريف الحسني، حسبما جوده علي الشيخين الأستاذين: أبي عبد الله محمد الفخار السماتي المذكور، وأبي يعقوب يوسف بن مبخوت المذكور، وهذا سند عال -والحمد لله- ساويت فيه شيخنا أبا عبد الله الصغير من وجه، وساويت بعض شيوخه من وجه. وفي –الفهرسة النثرية– لمحمد بن عبد السلام الفاسي، توجد توضيحات لفقرة ابن غازي الأخيرة، حيث بين علو سند سيدي علي بن منون في القرآن الكريم من طريق أبي عبد الله الفخار، وقارن بينه وبين سند أبي عبد الله الصغير النازل عنه”.

قال محمد بن عبد الرحمن بن عبد القادر الفاسي في المنح البادية في الأسانيد العالية، في سياق سنده في علم التوقيت: “وأما علم الوقت: فعن والدنا، عن أبي عبد الله محمد بن بن أحمد الصباع العقيلي: المتوفى سنة ست وسبعين وألف، وعن أبي محمد عبد القادر بن علي الطليط، المتوفى سنة سبع وسبعين وألف، كلاهما عن الشهاب ابن القاضي، عن المنجور، عن سقين، عن ابن منون، عن الجادري، وقد تقدمت وفاته“، وفي فهرسة محمد بن الحسن بناني: “وأما علم الوقت فمن طريق المنجور، عن سقين، عن ابن منون، عن الجادري.. وفي ثبت محمد بن الطيب الشركي أسند علوم الوقت والتعديل من طريق مؤلف المنح بسنده المذكور“، إلى أن قال: “عن الشهاب ابن القاضي، عن المنجور، عن سقين، عن ابن منون، عن الجادري”.

ويقول في قصيدته الكبرى:

وسيدي علي بــن مــنون         عطاؤه الموفور غير ممنون

وكان سيدي علي بن منون موضع تقدير من السلطان المريني عبد الحق بن أبي سعيد، حيث أصدر برسمه  ظهيرين اثنين نوه فيهما بمكانته، ووهب له قطعتين من الأرض في أحواز وادي ويسلن بمقربة من مكناس، ويحمل المرسومان تاريخ عام (849هـ و852هـ).

وأخيرا؛ فإن دار سكنى المترجم كانت تقع بحي القورجة داخل مدينة مكناس، حسب صك تقييد متخلفه، وإلى هذا الحي يضاف باب القورجة الذي كان أحد أبواب مكناس قبل التغييرات المعمارية التي طرأت على مباني شرق هذه المدينة في صدر الدولة الإسماعيلية، وقد كان في جملتها أن هدم هذا الباب وزِيد موضعه في القصبة الإسماعيلية، ثم بنى شمالا منه باب عبد الرزاق أسفل عقبة الزيادي، حيث كان ينفذ منه لحديقة الحبول قبل هدمه هو الآخر أوائل العهد اليوسفي[4]، وهكذا يتبن أن حي القورجة كان معروفا بسكنى الأندلسيين الذين بمكناس.

يذكر ابن غازي في الفهرسة أن وفاة ابن منون كانت بعد السبعين وثمانمائة، وهو سهو منه رحمه الله، فإن صك تقييد متخلف المترجم مؤرخ بذي القعدة من عام (854هـ)، وقد تنبه لهذا ابن زيدان الذي وقف على الصك المذكور، فأرخ وفاته على الصواب: عام (854 هـ/1450م)[5]، ثم قال ابن غازي: “ودفن بأرضه خارج باب القورجة أحد أبواب مدينة مكناسة“، وقد صار هذا الخارج داخل المدينة منذ العهد الإسماعيلي، حيث  صار مدفن المترجم يقع في شارع روي مزيل عند نهايته التي تتصل بزنقة باب الحجر، وقد بني علي هذا المدفن مشهد يشتمل على مسجد وصحن ومرافق، ويرجح الفقيه المنوني أن يكون من بناء أو تجديد السلطان المولى إسماعيل العلوي، رحم الله سيدي علي بن منون وجازاه عن المغرب والإنسانية خيرا، والله الموفق للخير والمعين عليه..

————————————–

1. وثائق عن أبي الحسن علي بن منون وذريته، المطبعة الملكية، 1976.

2. فهرس بن غازي، ص: 85.

3. فهرسة ابن غازي، 85-86.

4. انظر المنوني، وثائق ونصوص حول أبي الحسن علي بن منون وذريته: المطبعة الملكية، 1976، وإتحاف أعلام الناس، ج: ،1 ص: 225 و 228.

5. انظر إتحاف أعلام الناس، ج: 5، ص: 452.

أرسل تعليق