Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

٪ تعليقات

دُور الكتب في ماضي المغرب

      لم ترق الكتابة في تاريخ خزائن الكتب العربية إلى ما قبل القرن التاسع عشر الميلادي، ويمكن اعتبار بحث المستشرق كاترومير Quatrermére “رسالة في حب الشرقيين للكتب” المنشور في المجلة الأسيوية (Journal Asiatique) في عام 1830م أول عمل فتح الباب على مصراعيه في هذا المجال؛ إذ بعد مضي سبع عشرة سنة نشر المستشرق الألماني هامر برغستال (تـ 1857 م) hammer Purgstall في نفس المجلة مقالا أغنى به بحث زميله الفرنسي بعنوان “إضافات على دراسة كاترومير عن حب الشرقيين للكتب”. ومع مطلع القرن العشرين انبرت أقلام عدد من الباحثين من المستشرقين لتتناول الموضوع بتفصيل نذكر من بينهم أدم متز (Adam Metz) الذي درس الخزائن المشرقية في القرنين الثالث والرابع للهجرة في كتابه “نهضة الإسلام”.

      كما كتب المستشرقان كرنكو (Krenkow) (تـ 1953م) وهيفننغ (Heffening) مقالا للموسوعة الإسلامية عن “الكتبخانة” تناول فيه تاريخ هذه المؤسسات في الشرق. بالإضافة إلى هؤلاء وغيرهم أمثال أولغا بنتو Pento) (Olga وروث ماكنسون (Ruth Mackenson) بدأت الأقلام العربية تكتب في الموضوع أبحاثا ودراسات. وأول أطروحة ظهرت في هذا المجال تلكم التي تقدم بها إلى الجامعة الفرنسية عام 1949م المرحوم يوسف العش بعنوان: “دور الكتب العربية العامة وشبه العامة لبلاد العراق والشام ومصر في العصر الوسيط”[1].

      ولهذا حظيت المكتبة المشرقية بحصة الأسد في هذه الأبحاث والدراسات ذلك أن أول بحث برز فيه تاريخ الخزائن في المغرب بروزا كبيرا هو ذلكم الخطاب الذي قدمه الشيخ عبد الحي الكتاني بعد انتخابه عضوا بالمجمع اللغوي بدمشق عام 1929م بعنوان: “تاريخ المكتبات الإسلامية ومن ألف في الكتب”[2]. جال فيه صاحبه جولة علمية هامة في تاريخ الخزائن العربية عموما والمكاتب المغربية خصوصا. وفي خلال الحرب العظمى الثانية برز عالم من خيرة علماء القرويين هو المرحوم سيدي محمد ابن عبد الهادي المنوني فأخذ على نفسه أن يقتحم هذا الميدان الخطير ليكتب كتابا في تاريخ خزائن الكتب في المغرب. فكان أول عمل يتناول تاريخ هذه المؤسسات في المغرب الأقصى منذ نشأتها إلى عام 1945م، وهي السنة التي أنجز فيها هذا العمل الهام وقدمه إلى سيد البلاد آنذاك جلالة المرحوم محمد الخامس. وقد كانت محاولة الفقيه المنوني مخاطرة بالفعل؛ لأنه لم يسبق إلى الكتابة في هذا المجال؛ لأن المقدم عليها يرى نفسه ملزما بقراءة كتب التراث والحضارة والتاريخ والتراجم والفهرسات والكنانيش المتعلقة بالمغرب؛ لأن أخبار المكتبات لا تأتي إلا عرضا في ثنايا هذه المصادر. ولم يقدم على مثل هذا العمل إلا من عشق التراث وتحلى بالصبر وآنس من نفسه الحب والقوة على قراءة الكتب المخطوطة؛ لأن معظم المصادر التراثية التي اعتمدها الباحث رحمه الله ما زال مخطوطا في تلكم الفترة، فقد كان له الفضل في إبراز هذه الكتب والتعريف بها، وتحديد أماكنها، وضبط معاقدها، ووضع تاريخ رجالاتها ومؤسساتها، الشيء الذي جعل هذا الكتاب مرجعا أساسيا في ميدان المكاتب.

      ومن الإنصاف الاعتراف بالفضل لذويه؛ فإن كل الذين كتبوا بعد المنوني في تاريخ خزائن الكتب في المغرب عيال عليه بمن فيهم كاتب هذه السطور. إن المواد الخام التي يقدمها الكتاب هدت الباحثين إلى أمهات المصادر وأرشدتهم إليها دون عناء ومشقة، فأرخوا ووصفوا وحللوا ما استطاعوا إلى التأريخ والوصف والتحليل سبيلا.

      كان الفقيه المنوني أول من جعل المكاتب ثلاثة أصناف: المكتبة الملكية، المكاتب الخاصة، والمكاتب العامة. وتتبع بالبحث والدرس كل صنف من هذه الأصناف عبر تاريخ المغرب الثقافي. وقد اهتدى إلى عنونة كتابه “دور الكتب” عوض “مكتبات”؛ لأنه لفظ حديث. وقد نهج في ذلك نهج القدماء؛ لأن الأسماء التي سميت بها دور الكتب العربية لا تخرج عن الأصناف السبعة التي أبرزها يوسف العش رحمه الله في كتابه عن “دور الكتب العربية” وهي: بيت الحكمة، خزانة الحكمة، دار الحكمة، دار العلم، دار الكتب، خزانة الكتب، بيت الكتب.

      ولا يتسع المجال في هذا التقديم لبسط القول في إبراز الفوارق بين هذه التسميات التي أطلقت على هذه المؤسسات في مختلف البلاد العربية والإسلامية، فكل استعمال له دوافعه ومبرراته وإن كان المغاربة قد دأبوا على استعمال عبارة “خزانة الكتب” عوض باقي الأسماء الأخرى. والغالب على الظن أن الفقيه المنوني آثر كلمة دار[3] للتعبير عن غنى وضخامة المكتبات المغربية في جميع أصنافها عبر التاريخ.

      فمكتبة يوسف الموحدي الملكية قد بلغ عدد كتبها أربعمائة ألف مجلد فهي بهذا ضاهت أكبر خزانة كتب عرفها تاريخ الغرب الإسلامي، وهي خزانة الحكم المستنصر الأموي في قرطبة في القرن الرابع الهجري.

      ومن مميزات هذا الكتاب كذلك سرده للكثير من المخطوطات الخاصة بتراجم العلماء والفقهاء والملوك والوزراء الذين اشتهروا بتملكهم لمجموعات الكتب والمكتبات التي أفاد منها الباحثون في مختلف العصور. فلهذا وذاك ارتأت الخزانة المولوية أن تنشر هذا الكتاب ضمن مشروعها العلمي الذي يهدف أساسا إلى فهرسة ما لم يفهرس من محتوياتها، ونشر وإخراج المخطوطات المرتبطة أساسا بقضايا الكتب والمكتبات…

      نسأل الله التوفيق ونستمد منه العون إنه نعم المولى ونعم النصير.

————————–

  1.  نوقشت في جامعة السوربون عام 1949م، وطبعت بالمعهد الفرنسي بدمشق عام 1967م بعناية المستشرق (Marc Bergé) ونقلت إلى العربية عام 1991م بعناية الباحثين نزار أباضة ومحمد صباغ.

  2.  أخرجته الخزانة الحسنية عام 2004.

  3.  كلمة دار أطلقها المشارقة على المكتبات الكبرى في الشرق كدار العلم في طرابلس الشام التي أسسها بنو عمار في القرن الخامس الهجري. ودار الحكمة التي أسسها الفاطميون في القاهرة في القرن الرابع الهجري على عهد الحاكم بأمر الله. ودار العلم التي أسسها سابور بن أردشير وزير بهاء الدولة البويهي في عام 382 هـ.

التعليقات

  1. أ.د. أبو أسامة المصطفى غانم الحسني

    الحمد لله،
    أقدم شكري وتقديري للأستاذ الخبير الدكتور شوقي بنبين، حفظه الله تعالى وبارك فيه وفي جهوده الجبارة. وإني أكبر فيه دقته وإحاطته، وإخلاصه، وابتكاراته. وأخلاقه العلمية، واعترافه بالفضل لأهله وقديما قيل: "لا يعرف الفضل لأهله إلا ذووا الفضل". ومن ذا الذي يستطع أن ينكر فضل شيخنا وقدوتنا العلامة سيدي محمد المنوني نور الله ضريحة وأسكنه فسيح جنانه! ولا شك في كون الأستاذ شوقي بنبين، المقتدر، قلت: لا شك في كونه من أهل الفضل، وأنه من أهل العطاء، ومن أهل العلم… بارك الله فيه، وزاده من فضله.
    وتحياتي الخالصة له ولجميع المجندين المرابطين القائمين على الرابطة المحمدية..

  2. عبد السلام أجرير

    شكرا جزيلا للأستاذ الدكتور شوقي بنبين
    الأستاذ شوقي لا تستطيع أن تضيف لقوله ولا أن تستدرك عليه ولا أن تعقب؛ فإن مواضيعه تكون محررة ومدققة وشاملة؛ وإنما المطلوب هو طلب الاستزادة من معلوماته وإفاداته.
    لقد انقدحت بعض الأسئلة في ذهني حول التأريخ لدور الكتب؛ وكما أفادنا الأستاذ أن المحاولة الأولى من طرف المغاربة كانت على يد المرحوم العلامة عبد الحي الكتاني.
    أريد أن أعرف أين تصنف الكتب التي ألفها المشارقة مع بداية القرن الماضي مثل "معجم المؤلفين" لرضا كحالة (1905-1987م)؟ هل جاء على ذكر الكتب المغربية ودور الكتب في الغرب الإسلامي أم لا؟
    ومن الذي سبق بالتأليف؟ عبد الحي الكتاني أم رضا كحالة؟
    ثم ما عناية المشارقة بهذا النوع من التآليف؟ وهل هم أيضا كما ذكرتم لم ينتبهوا إلى هذا العلم إلا بعد أن ألف فيه المستشرقون؟
    وشكرا جزيلا لكم سيدي الكريم.

  3. عصام محمد الصاري

    أشكر الباحث على هذه الإضاءة واللفتة الرائعة إلى الكتابة في هذا الموضوع،
    كما أشكره على إنصافه في الإفادة من كتاب العالم المحقق محمد المنُّوني -رحمه الله تعالى-، والإشادة بجهده وتحقيقه.
    والله الموفِّق

  4. إبراهيم بورشاشن

    لا يملك المرء وهو يقرأ هذا الحديث العلمي الرصين، الذي يعتبر من سمات الكتابة العلمية عند الأستاذ العلامة الدكتور أحمد شوقي بنبين، إلا أن يشيد بجهود هذا الرجل في خدمة التراث المغربي بفنية وكفاءة عالية، وهي مناسبة للإشارة السريعة إلى أن تمكن الأستاذ بنبين من المعرفة العميقة بالتراث العربي الاسلامي والمكتسبات الحديثة لعلوم المكتبات في الغرب وبخاصة علم الكويدكولوجيا الذي يعتبر أستاذنا بنبين رائده فيه في المغرب، قد جعله يخوص غمار البحث المكتبي في المغرب بشكل غير مسبوق تجليه عناوين الكتب التي أصدرها بمفرده أو بتعاون مع طلبته، وهي خلة مثيرة في الأستاذ بنبين تنم عن تقديره الكبير لجهوده الآخرين، وهي خلة نادرة فعلا عندما تجد اسمه بجانب اسم من أحد طلبته يتصدران الصفحة الأولى من الكتاب.
    هذا الأمر ينبهنا على سمتي العالم المتواضع في الأستاذ بنبين، العالم الذي أخلص للعلم والمتواضع الذي لا يكف عن التعلم المستمر ويقلل من الأعمال التي يقوم بها رغم خطرها الكبير في تقدم البحث العلمي في المغرب، ويكفي أن نلقي نظرة على بعض ما أخرجته الخزانة الحسنية في السنين الأخيرة حتى نعرف مقدار المجهود العلمي الذي يقوم به الرجل: ففضلا عن إخراج بعض النوادر من مثل "دور الكتب في الماضي" للعلامة المنوني وتاريخ المكتبات الإسلامية ومن ألف للكتاني وكتابا ابن أنجب الساعي "المقابر والمشاهد بجانب مدينة السلام ومواضع قبور الخلفاء أئمة الاسلام" و "الدر الثمين في أسماء المصنفين" فقد أخرج كتابا متميزا سيكون له خطر الكبير على الدراسات العلمية في البحث الكويديوكوجي، أقصد "معجم مصطلحات المخطوط العربي" وهو المعجم الذي يعتبر الوحيد في بابه في العالم العربي.
    والأستاذ بنبين بمعية فريقه العلمي يتحفوننا هذه الأيام بفهارس جليلة لمخطوطات الخزانة الحسنية وهو العمل الذي سيفيد منه الباحثون إفادة جلى لما للفهارس من دور في تذليل الصعاب وفتح الأبواب أمام الدارسين في كل أنحاء البلاد العربية الإسلامية.
    أعرف أن قولا مثل هذا لا يحبه الرجل، فالرجل يعمل بصمت وكل همه خدمة العلم.
    لكن وجدتها فرصة لنشر بعض فضائله العلمية، وإنما هو غيض من فيض..
    والله يجزيه أفضل الجزاء

  5. د. كلثم الشيخ عمر الماجد

    بسم الله الرحمن الرحيم،
    أهدي تحياتي البالغة لجميع القائمين على الرابطة المحمدية للعلماء، وللأستاذ الفاضل شوقي بنبين، حفظه الله تعالى وبارك فيه. وأشيد بهذا الموضوع القيّم، فهو موضوع جامع مفيد، وله أهمية بالغة لما تضمّنه من التعريف بجهود العلماء في الكشف عن كنوز التراث الإسلامي، وأرى أن ما تفضّل به الكاتب من معلومات تتضمن إشارة لعوامل نهضة علمية ضخمة يمكن أن يتبنى مسيرتها فريق من العلماء المتقنين، تُعنى بهم حكومة المملكة المغربية وتشد من أزرهم لإحياء أكبر جزء من ذلك التراث وإخراجه في حلل جديدة تعم الأمة الإسلامية بالخير والرشاد؛ فإن ما أرشدت إليه الكتابات التي عنيت بالخزائن ودُور الكتب يُسهّل عملية توصّل الباحثين لجميع فنون التراث الإسلامي.
    ولتهتدي بمسيرتها المملكة المغربية حكومات الدول العربية الأخرى، بما تمتلكه من كنوز تراثية أخرى، فقد آن أوان التّوجّه في دفع مسيرة الوعي العام بمصالح أمة الإسلام، وتحقيق رفعتها وخيريّتها.
    ذلك لأن ما تضمنه بحث الأستاذ شوقي بنبين يمثل فهرسة قيّمة ومرجعية نافعة يمكن أن يفيد منها الكثيرون إلى حدّ بعيد. ولذا فأكرر شكري لشخصه الكريم وأشيد بما تفضّل به وأفاد.
    وبارك الله تعالى فيكم جميعاً وجزاكم عن أمة الإسلام خيراً
    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أرسل تعليق