Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

الأسرة في الإسلام

      قضية الأسرة ومعالجة مشكلاتها، كانت ولا تزال، المحور الأساس الذي تدور حوله كثير من الآراء، وتحاول طرحه الصحف والمجلات والقنوات سواء المتخصصة التي تفرد لذلك مساحة من صفحاتها.

      وقد تعددت الرؤى والمذاهب حول موقع الوالدين والأولاد ذكورا وإناثا في المجتمع، ومدى مشاركة الأسرة في المجتمع، ومدى فعاليتها في الحياة الإنسانية، فكل يراها من خلال ما لديه من تصورات عقيدية ورصيد ثقافي.

      وقبل هذا وذاك فالأسرة المسلمة لها فضل كبير في الحياة الإنسانية، يقيل عثار هذه الأمة ويوقظ نيامها، ويرد أبناءها وبناتها إلى طريق العزة والمجد، وما من أمة ارتفع شأنها أو هان إلا وللأسرة في ذلك دور، ومن هنا يمكن أن يكون للحديث أهمية خاصة حول الأسرة المسلمة، وواجبنا أن لا نتأخر في تعميق الفهم الإسلامي الصحيح لدور الأسرة في عطاء حضاري؛ لأن المسلمين هم أصحاب الحضارة الحقيقية في هذا الوجود.

      وحتى تستطيع أمتنا القيام بالدور الإنساني المنوط بها وبخطوات جادة، يجب أن نعلم أن الأسرة المسلمة في المجتمع صرح عظيم يتمثل في عمارة الكون واستمرار الحياة المتوازنة، وبتراحم أفراد الأسرة آباءا وأمهات وبنين وبنات، تسمو النفوس وتطيب الحياة، لبناء المستقبل بالمثل الرفيعة والقيم الأصيلة إعلاء لشأن الملة والدين، وبذل الغالي والنفيس لصالح الوطن والثوابت بما يعود على الجميع بالخير والرخاء.

      وإن الإسلام يفرض علينا جميعا أداء الحقوق والواجبات أمام الوالدين والأولاد، وأما بر الوالدين فهو أشد ما أكد الله سبحانه وتعالى أن نحققه دائما، كما أشار إليه حيث ذكر الإحسان للوالدين عقب الأمر بالعبادة له جل جلاله، وما ذلك إلا لأن الوالدين مع كونهما سبببين لوجود الولد في هذا الكون، فهما يربيانه جسما وروحا، ويدافعان عنه شفقة منهما ورحمة حتى يبلغ رشده ويستقل بنفسه، ومهما قام به هذا الولد اتجاه والديه، فلن يؤدي ما يجب عليه من المكافأة مهما خدمهما.

      وهذا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوضح المسألة جوابا على سؤال صحابي حيث قال: “يا رسول الله إن أمي هرمت عندي وأنأ أطعمها بيدي وأسقيها، وأحملها على عاتقي هل جازيتها؟ فقال عليه الصلاة والسلام: لا. قال: ولِمَ يا رسول الله؟ قال: لأنها خدمتك في وقت ضعفك مريدة حياتك، وأنت تخدمها مريدا مماتها، ولكنك قد أحسنت”.

      وحقا كم من معاناة يتحملها الوالدان في تربية الأولاد وتوجيههم إلى الحياة المستقلة، وكم من إشفاق وخوف لهما على الأولاد من آفات أو مصيبة أو من مرض، ولا سيما الحزن والأسى اللذان يلازمانهما طول حياتهما، إن توفي أحد من أولادهما في سن الصبا والصغر، فلذا قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم تسلية وتبشيرا لمن مات له ولد: “أيما امرأة مات لها ثلاث من الولد كانوا لها حجابا من النار، قالت امرأة واثنان؟ قال: واثنان” [رواه البخاري].

      وعليه، فمما يجب على من بشر بالمولود أن يستبشر به ويراه نعمة أنعم الله بها عليه، ويزداد فرحا بالبنات مخالفة لأهل الجاهلية، فإنهم كانوا يكرهون البنات، ويرونهن عارا عليهم، ولذلك كانوا يدفنونهن في التراب وهن على قيد الحياة، مصداقا لقوله تعالى: “وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم  يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون” [سورة النحل، الآية: 58-59]. وفي قوله تعالى: “وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت” [سورة التكوير،: الآية 8-9].

      ومن سماحة الإسلام وإنسانيته، أنه أعطى للبنات من الحقوق والمكانة ما يناسبهن في المجتمع البشري، قد ورد الحديث الشريف: “من بركة المرأة تبكرها بالبنات” [رواه أصحاب السنن]، والنبي صلى الله عليه وسلم أراد بهذا وغيره من أحاديثه الشريفة التي تدل على كرامة المرأة وعلو قدرها، قلعا للعقيدة التي تقول بأن الولد الذكر أولى وأفضل من البنت، كما بشر لمن أحسن تربية البنات بالسعادة في الدنيا، وبجزيل الثواب في الآخرة.

      ومن سنة الإسلام إقامة العقيقة عن الذكور والإناث في اليوم السابع كما هو مقرر في الفقه المالكي، وفي بعض المذاهب السنية إذا لم يتمكن من ذلك يوم السابع، فيوم الرابع عشر أو الرابع والعشرين من الولادة، ولا يسقط بالتأخير عن هذه المواقيت.

      والإسلام يحث على تحسين اسم الولد ذكرا كان أم أنثى؛ لأنه يدعى يوم القيامة باسمه عند الخلائق، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يغير الاسم القبيح إلى الحسن، ويجب أن يسوى بين الأولاد في الشفقة والنفقة، حتى في العطايا والهبات، ويبدأ بالطرفة بما يحمل من السوق بالإناث لأنهن أرق أفئدة.

      ومما ينبغي الإشارة إليه للوالدين ألا يدعوا على الأولاد بالشر؛ فإن ذلك ربما يوافق الإجابة فيفسدهم، قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: “دعاء الوالد لولده كدعاء النبي لأمته” [رواه الإمام أحمد وغيره]، والأولاد هم في الدنيا للعين نور، وفي الآخرة سرور، وأنهم مستقبلنا وأثمار حياتنا فلابد أن نعتني بتربيتهم وتهذيبهم؛ لأن الله تعالى يأمرنا أن نهتم بأهلينا، كما نهتم بأنفسنا إذ يقول سبحانه: “يا أيها الذين ءامنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا” [سورة التحريم، الآية: 6].

      وروي أن نبي الله موسى عليه السلام قال: “إلهي أرني جليسي في الجنة، فقال الله تعالى: اذهب إلى البلد الفلاني وإلى السوق الفلاني فهناك رجل قصاب، وجهه كذا وقده كذا، فهو جليسك في الجنة، فذهب موسى إلى ذلك الدكان فوقف أمامه إلى وقت الغروب وأخذ القصاب قطعة لحم معه، وتوجه إلى بيته، فقال موسى عليه السلام: هل لك من الضيف يا فتى؟ فقال: نعم فمضى معه حتى دخل داره فقام الرجل وطبخ من ذلك اللحم مرقا طيبا ثم أخرج من غرفة زنبيلا فيه امرأة عجوز ضعيفة كأنها فرخ حمامة، فأخذ ملعقة وكان يضع الطعام في فيها حتى شبعت، وغسل ثوبها وجففها، وألبسها ثم وضعها في الزنبيل فحركت العجوز شفتيها، ثم أخذها الرجل وعلق الزنبيل في وتد على الجدار، فقال موسى ما الذي صنعته؟ قال: إنها والدتي ضعفت ولا تقدر على القعود، وإذا انصرفت من السوق لا آكل ولا أشرب حتى أشبعها، فقال موسى: قد رأيتها تحرك شفتيها فماذا كانت تقول؟ فقال الشاب: تقول اللهم اجعله جليس موسى في الجنة، فقال موسى عليه السلام: لك البشارة أنا موسى وأنت جليسي في الجنة” [كذا في كتاب منبع الآداب].

      وعليه فإرضاء الوالدين يؤدي إلى سعادة الدارين، كما يفضي عقوقهما إلى شقاء الولد وخسارته، قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أكبر الكبائر الإشراك بالله وقتل النفس وعقوق الوالدين وشهادة الزور” [رواه البخاري].

      فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يعيننا على الدوام في أداء واجباتنا أمام آبائنا وأمهاتنا وذوي أرحامنا جميعا، وكما نسأله أن يجعل أولادنا وذرياتنا في خدمة الدين والوطن والأمة والإنسانية، ومسك الختام: “ربنا هبنا لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما” [سورة الفرقان، الآية: 74]. صدق الله العظيم.

      والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.

أرسل تعليق